الأيروس المتبدل لدى سيدة القصر

بشار جابر
السبت   2019/12/28
طغى على أسماء الأسد أن تحمل دوراً نسوياً بحتاً على الساحة السورية
بحسب المدرسة النفسية، يبدو غياب أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد، ووالدة بشار الأسد عن المشهد العام، مقروناً باكتفاء في شعور الأمومة (الأيروسي-العاطفي) لديها. حيث لم يبرز لها أي دور وسيط أو فاعل، بين مركز السلطة، والمجتمع السوري عموماً. واكتفت بدور المربية الفاضلة لأبنائها، متوازية مع الصورة التي وصلت للشعب السوري، عن والدة حافظ الأسد أيضاً. ويُسجل عليها أنها لم تمد يد عونٍ للنساء حتى، من منطلقٍ مائع في الثقافة السياسية العربية الحديثة، في أن تكون زوجة الرئيس مهتمة بالنساء، والرجل بقهرنا كلنا.

ولا يخلو هذا من بُعد عشناه في زمن عبد الناصر نفسه، والذي بسطوته الذكورية أولاً، ورضا من زوجته ثانياً، لم تظهر هذه الأخيرة كسيدة أولى أبداً. بالمعنى الذي استباحته جيهان السادات، التي استأثرت ببُعد سياسي واجتماعي في مصر قَل نظيره، وبدت شعلة أولى لدور السيدات الأوائل في البلدان العربية.

طغى على أسماء الأسد أن تحمل دوراً نسوياً بحتاً على الساحة السورية، لكن بطريقة تسلطية ناعمة. كانت أسماء وحيدة حينها، تتأمل أعمال زوجها الشاب وصعوده، وعليها أن تخرج من عسف السلطة الأسدية، وتمركزها على شخصية الأسد ومحوريته، عبر طريق واحد. مجاهدة طريق التماثل النفسي مع السيدات السوريات الناشطات اجتماعياً، فاستحوذت على جمعياتهن. ولم تختر قضايا النساء السوريات وحقوقهن السياسية أو التشريعية، خوفاً من الاقتراب من ظل السلطة السياسية، التي لم يكن فيها للنساء أي دور، وفق حكم الأسد الأب والابن.

فكان لها أن تستحوذ العمل الخيري والاجتماعي، وأن تُحطم تشكيلات هامشية نسائية واجتماعية فاعلة، لحساب أن تُصبح عائدة لها. وسارعت أسماء لرد دين من سبقتها إلى القصر الرئاسي، اتجاه أبناء الريف السوري. فأنيسة مخلوف ابنة العائلة الاقطاعية، لم تُعر الريف حيزاً من اهتمامها البتة، بخلاف أسماء التي رعت نشاطات المرأة الريفية، وأسست لها أسواقاً ومؤسسات داعمة ومعارض تسويقية. كان لأسماء أن تلمع في ريف خرجت منه أنيسة للأبد، وبالأصل لم تكن تشبه سكانه.

مع التطور الشخصي لأسماء داخل العائلة، نَضُجَ حسب يونغ "عنصر الأمومة المتضخم". فخلال مقابلاتها القديمة القليلة عبر الميديا، أكدت أسماء على دورها في تربية العائلة وإنضاج الأولاد ورعايتهم. أولاد الرئيس وأولادها. في المرحلة الأولى للولادة والنضج، كانت أسماء تقف بعيداً، خلف جمعياتها، وخلف مؤسستها الضخمة مسار للتنمية. كان هذا الوجود الضئيل خلف العمل الاجتماعي والسياسي، تأجيلاً تراتبياً لأدوار أسماء الأسد المنتظرة. فبعد غرق شخصية أسماء العاطفية، مع أولادها ومقتنياتها، لزُم على السوريين كُلهم مُحاكاة الأمومة المتضخمة لأسماء، وتضخم الحس العاطفي لها. فأصبحت نشاطاتها التنموية تدور حول الأطفال، دعمهم وتدريبهم، ترفيههم وتعليمهم. ولم يكن هذا يحصل بوجهة احترافية أو ذات غاية محددة، بقدر ما كانت تُسقط رغباتٍ عاطفية ايروسية لا واعية عشوائية على المجتمع السوري كُله، تحت ظل رعايتها. اللاوعي العاطفي ها هنا، حمل طابعاً تسلطياً نحو الأطفال. سلطة أسماء الأسد العاطفية تعاين هوسها في تبني الأطفال، وجعلهم مجرى سلطتها، خلافاً لما يقوله البعض بمحاولتها التسلط فقط على النساء وأحوالهم وقضاياهن.

كان على الأولاد أن يكبروا، وأن ينتقل الأيروس الشخصي لأسماء من التماهي مع العائلة أولاً وأطفال سوريا ثانياً، إلى معنى تسلطي عاطفي أكثر عنفاً ووضوحاً. فبعد العنفوان الأمومي التوسعي المُسيطر، كان لأسماء أن تعي في داخلها "شعوراً إيروسياً مفرطاً" حسب يونغ أيضاً. فتوازى أن يَكُبر أولادها رفقة نمو تسلطها، وانتهاء غريزة الأمومة من نطاق شعورها وتعبيرها. وتجعل من شخصها "الأم القوية المُسيطرة" التي تُزيح الرجال وتتسلط عليهم. رجال السلطة التقليديين في سورية، من أثرياها وضباطها، وعائلة الأسد ذاتها. فأصبحت اليوم أقوى وضاربة لأقوى شخصية في سوريا (رامي مخلوف)، ومستحوذة على مؤسساته ونشاطاته. وينمو تسلطها صورياً عبر الميديا والإعلام كذلك. فاختفت أسماء الأم، داعمة النساء والأطفال من المشهد الرمزي السوري، لتصبح إصلاحية مهيبة. لا صعوبة في طرح مثالٍ عن هذا. رامي مخلوف كافٍ ليبدو مثالاً.



والمثير للجدل، كيف لإمرأه خرجت من وعكة صحية ليست بالسهلة، وواجهت مرضاً مميتاً، أن تبدو بكل هذا العنف؟ كان الجواب سهلاً في عقلية أسماء ومهووسِيها، إنه انتصارٌ رمزي، شعوذي أسطوري للمرأة التي تألمت بما يليق بما نشاهده من تسلطها اليوم، مبرراً له. فلم تؤسس أسماء تاريخاً سياسياً اقتصادياً يُرضيها الآن، وهي تمد أذرعها على دمشق ورجالاتها، فما كان منها إلا أن صنعت من قصة مرضها حكاية لبطولة موهومة. صورها وهي حليقة الشعر، تُغطيه بشالاتٍ مُزينة، ليس إلا كنايةٍ مستعارة لقوة أسماء في تغطية الموت فنياً، عبر الإخراج الرديء لتابعي أسماء. وسارعت أسماء إلى صنع تخييلها الرمزي الطقوسي البطولي سريعاً، بجعله واقعاً، بضرب رجال السلطة، والاستحواذ على أدوات سلطتهم. فقط لأنها بطلة الخروج من المرض، من الموت. إن التاريخ الشخصي لا يبدو سوى وعكة قاسية تعرضت لها.

قصة رديئة لتطور عُقَدي مَرَضي لدى أسماء، عايشه السوريون وسيعيشونه طويلاً، كإسقاطٍ لشخصها وتجربتها. الإتاحة التي تُطلقها أسماء لمؤسساتها الاجتماعية وهي ذاتها والوحيدة في سوريا التي كوفئت اجتماعياً. فلا مؤسسة ولا نشاط اجتماعياً خيرياً من دون علمها، أو من دون رعايتها. ويبدو أن حفظةً ما، سيتلون أسماء الأسد تاريخاً وسياسة ونشاطاً، لتكون السيدة الأولى الأوضح أثراً في تاريخ سوريا المعاصر. ولم يتأخر هذا. مجلة للأطفال صدر عددها الأول، تُذكر أطفال سوريا بأن أملهم، هو أمل السيدة الأولى ذاته وقصة أمومتها وسطوتها وأيروسها المتحكم فيهم. يُصنع تاريخ سوري لها. رغماً عنا جميعاً نعيش عُقد السيدة الأولى.