"فيزيا وعسل" للينا خوري... إعادة اكتشاف القدر

ربيع شامي
الجمعة   2024/05/03
لقد تواعدا وذهبا لشرب كأس. أو ربما لا يفعلان. ربما تكسر قلبه، وربما يكسر قلبها.
بعد انقطاع دام سنوات، تعود المخرجة لينا خوري في مسرحية "فيزيا وعسل" في مسرح المدينة-بيروت، من تمثيل ريتا حايك وآلان سعادة. المسرحية عن نص للكاتب البريطاني نيك باين، وهو من جيل المسرحيين الذين يعتمدون على العلوم لخلق الكتابة الخيالية. هو واحد من مسرحيين يلجأون الى العِلم كمصدر للاستعارات والأشكال الكتابية، مستخدمين مسارات الفيزياء والرياضيات كطرق وأساليب للتحدث عن التجربة الإنسانية.

تدور المسرحية حول لقاء يجمع بين عالمة فيزياء ومربّي نحل، فنشاهد في هذا اللقاء سلسلة من الاختلافات والتفاعلات والاحتمالات اللامتناهية. ثمانية مواقف مختلفة تنتج عنها سلسلة من الاحتمالات: اللقاء الأول، الموعد الأول، الكشف عن الخيانة، لقاء صدفة في قاعة رقص بعد فترة من الانفصال، عرض زواج، اكتشاف عالمة الفيزياء أنها مصابة بورم في المخ، والمحادثة التي سبقت مغادرتها إلى عيادة القتل الرحيم.

سلسلة من المواقف تتعارض مع تطور السرد التقليدي وأفعاله ومسبباته. مواقف وحوارات تتكرر، وتكرارها ينتج احتمالات عديدة وإجابات غير نهائية. مصير امرأة ورجل يجدان صعوبة في بت خياراتهما وتقديمها في جواب صريح للمشاهدين.

عالمة الفيزياء ومربي النحل، يلتقيان في إحدى الحفلات. لقد تواعدا وذهبا لشرب كأس. أو ربما لا يفعلان ذلك. يعودان إلى المنزل معًا، أو ربما يذهب كل منهما في طريقه المنفصل. ربما تكون السيدة مخطوبة لشخص آخر، وربما يكون الرجل كذلك. ربما تكسر قلبه، وربما يكسر قلبها. ربما يجتمعان معًا وتترسخ قصة حبهما وتنمو أخيرًا، أو ربما تنتهي بشكل مأسوي. يترك النص المشاهد ليختار بين الاحتمالات، ويحوّل الاختيار نفسه إلى محور المسرحية وسؤالها الأخلاقي.

في كل مرة، تنتقل المسرحية من موضوع رئيسي إلى آخر، يتم تمييز الفصل بعودة هذا المشهد بخط مائل. نفهم تدريجياً أن هذه المحادثة المركزية تتعلّق بتدهور دماغ عالمة الفيزياء بسبب الورم الذي تعانيه، وصولاً إلى قرارها بزيارة عيادة القتل الرحيم. 


عن القدر والأمل
كتيّب "فيزيا وعسل" يعرّفها بأنها "قصة حب استثنائية، تتخطّى الواقع الذي نظنّ أننا نعيشه. وتتحدى حدود فهمنا للزمان والمكان. تتكشف المسرحية في سلسلة من اللحظات المتوازية والمسارات اللانهائية، التي يمكن أن يتخذها الحب لتجمعنا أو تفرقنا. تعرض المسرحية طروحات متعدّدة حول الواقع البديل لخياراتنا. إنها مسرحية عن الحب، الأمل، الحياة، القدر، حرية الخيار، الفيزياء والعسل". بقيت لينا خوري أمينة على النص الأصلي للمسرحية. سينوغرافيا حسن صادق، أتت على شكل دوائر لرسم بياني فيزيائي، ساهم في تقطيع المواقف الثمانية من العرض واتجاهاتها المختلفة. كما بدت أزياء سوزي شمعة، عنصراً حاضراً عبر اختيارها لثوب واحد لعالمة الفيزياء، وزي واحد لمربّي النحل، يمكن تحولهما امام الجمهور إلى ثمانية أزياء مختلفة، لترسم بداية كل موقف من المواقف الثمانية على حدة. كما لعب حضور الممثلين ريتا حايك وآلان سعادة، دوراً في إيصال حوارات مفككة يصعب إيصالها الى الجمهور المتلقي، وإن كان اعتماد إدارة الإخراج على الأداء الطبيعي الواقعي، ذي الإيقاع الواحد المتكرر.


تتساءل لينا خوري في كتيب المسرحية: "هل الإرادة الحرة مجرد وهم؟ ماذا لو اختلفت خياراتنا؟ هل كنا سنعيش قدراً آخر؟ ثيمة حرية الخيار والقدر تملكتني، خصوصاً بعد الأزمات العنيفة المتتالية التي عصفتْ بنا منذ 2019. هل كنا قادرين على تغيير الطبقة الحاكمة؟ هل كانت بالفعل ثورة؟ هل نحن كشعب مسؤولون عن المصير الذي نعيشه الآن؟ هل كان قراري البقاء في البلد أفضل لي؟ هل فعلاً كنت أملك هذا القرار؟".

هذه الأسئلة ربما لا يجيب عليها نص نيك باين-لينا خوري، بشكل مباشر، لكنه بمعادلاته الفيزيائية سيتوصل إلى أن الإرادة الحرة مجرد وهم، وأن أصغر تغيير في حياتنا يمكنه أن يغير المسار الذي نتخذه بشكل كبير.

من خلال المعادلات الفيزيائية البديلة عن تطور السرد الارسطي للمسرح، تقدّم لنا هذه المعادلات منظوراً جديداً لموضوعات الحب والموت والقتل الرحيم، التي تختبرها المسرحية أمام الجمهور.

"فيزيا وعسل" دعوة الى استكشاف معادلات جديدة للقدر والحب، والعلوم، ونظرية الكمّ، والاحتمالات اللانهائية لحسرة القلب أو الأمل.