ماذا لو ضربت عملية إرهابية، في الأيام المقبلة، عاصمة أو منشأة حيوية غربية؟ ماذا لو استخدم إرهابيون من "داعش" أو أخواتها، مركباً كيماوياً ما، في هجومهم الإرهابي المقبل؟ ألن يُصبح الموضوع السوري نسياً منسياً؟ ألن يتحول دعاة "الأسديّة" إلى متنبئين كان الأجدر بالغرب الاستماع لهم. فالأسد وحلفاؤه، بحسب أصحاب البروباغاندا الأسديّة، "يقتلون الإرهابيين في سوريا، الذين استخدموا الكيماوي ضد السوريين، لتأليب الرأي العام العالمي ضد النظام". وقاحة الكذب الصرفة.
في العام 2011، وفي أول خطاب لبشار الأسد أمام مجلس الشعب، بعد اندلاع الثورة السورية، صرخ أحد البرلمانيين المعاتيه: "سيادة الرئيس.. قليل عليك تحكم سوريا.. لازم تحكم العالم". بشار حينها، كان يتلمس طريقه لتدمير سوريا، والمنطقة، وتحويل الثورة الشعبية ضد حكم عائلته المستمر منذ 40 عاماً، إلى حرب طائفية، يسهل فيها وسم الناس بالإرهاب. مواجهة الانتفاضة بالعنف الهائل، وتسهيل اختراق المتطرفين لها، وقلبها إلى حرب ضد الإرهاب، حوّل الأسد رغم خسائره الهائلة، إلى أيقونة متطرفي اليمين واليسار في العالم، تُغذيهم ماكينة روسيا الإعلامية المهووسة بنظريات المؤامرة.
سفير روسيا في الأمم المتحدة لم يخجل من تكرار اتهاماته لفرق الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" بترتيب وفبركة الهجمات الكيماوية. سفير سوريا في الأمم المتحدة، اتهم المخابرات التركية والسعودية والأميركية، بنقل مخزون الأسلحة الكيماوي من ليبيا إلى "الخوذ البيضاء" في سوريا.
الهجمة الكيماوية، بمركب من السارين والكلورين، على المدنيين في مدينة دوما من الغوطة الشرقية، وقبيل التوصل لاتفاق إذعان لاستسلام "جيش الإسلام" وتهجير المدنيين قسراً، لم تكن ضربة غير محسوبة. بعد 7 سنوات من بدء الحرب، ما زلنا نعتقد أن النظام وحلفاءه مغفّلون. لكن النتائج على الأرض تقول، إنهم انتصروا في كل موقع، ولو على خراب.
الانتصار في الحرب في سوريا، هو دافعهم، ومنه تتفرع أهداف حيوية أخرى، كنشر الفوضى في العالم، وإنهاء الهيمنة الأميركية والقيم الغربية، مرة واحدة وإلى الأبد. في هذا الهدف يلتقي النظامان الإيراني والروسي، ويستخدمان سوريا، ملعباً لهما.
المختبر الكيماوي السوري أثبت نجاعته حتى الآن. ملايين القتلى والجرحى، ملايين النازحين واللاجئين، تهديد الدول الإقليمية بتبعات الحرب واللجوء والتطرف، تهديد الغرب بالعجز القيّمي عن مواجهة إحدى أخطر أزمات البشر منذ عقود.
النظام استخدم السلاح الكيماوي، لمئات المرات في سوريا (بحدود 250 مرة خلال السنوات السبع الماضية) في أكبر مختبر علني، جرّب فيه، وحلفاؤه، خلطات متعددة، وطوروا عناصر كيماوية جديدة، من دون أي رد فعل دولي جدي. من استخدم الكيماوي في سوريا، لن يتورع عن استخدامه في حقول تجارب جديدة. اختبار روسيا لغاز الأعصاب في ساليزبري في بريطانيا لقتل جاسوس روسي منشق، هو تجربة حيّة. قبلها بفترة قصيرة، قُتل شقيق الزعيم الكوري الشمالي المنشق، في العاصمة الماليزية، باستخدام مركب كيماوي سام. ما يحدث هو نسق، ولم يعد ظواهر متنافرة.
بشار الأسد، قال الخميس: "أي تحركات محتملة لن تساهم إلا في المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين". رسالة الأسد واضحة، وهو بات يُجيد إرسالها بعد تمرّسه في القتال: "المزيد من الفوضى".
حساسية الغرب العالية تجاه الخسائر الصغيرة لطالما دفعته إلى خسائر أكبر، في ظل تردده المتواصل بإزاحة الديكتاتوريات، ومحاولة ضبط الفوضى ضمن الحدود الإقليمية لمناطق النزاع. التردد الذي أبداه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في استهداف قوات إيرانية في سوريا، أثناء لقاءه الرئيس ترامب، الخميس، جاء منطقياً، فالقوات الأميركية في العراق ستتحول إلى هدف للإيرانيين. ومع ذلك، لم يتردد ماتيس، بالإجابة عن أهمية الرد على الكيماوي السوري، في جلسة استماع للكونغرس، بالقول: "ثمة أمور لا مبرر لها، ليس فقط كونها أسوأ لمصلحة مؤتمر الأسلحة الكيماوية، بل لمصلحة الحضارة نفسها". إلا أنه تخوف من استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد القوات الأميركية في سوريا، وأضاف: "ماذا لو استخدموها ضدنا في المرة المقبلة؟".
الأدلة القطعية، المطلوبة لإثبات أن النظام هو من استخدم السلاح الكيماوي في دوما، هو أمر كان محسوباً من قبل، بالنسبة لروسيا وحلفائها. دوما، كانت محاصرة بالكامل، وسرعان ما دخل "الخبراء الروس" لمعاينة مكان القصف، وتنظيف آثاره. استحالة نقل العينات من منطقة محاصرة كهذه، إلى خارجها، وإمكانية تنظيف مسرح الجريمة، وإعادة ترتيب تسلسل الأحداث، هو اختصاص روسي بامتياز.
دخول مفتشي "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية" إلى دوما، وانتظار نتائج تفتيشهم، والدعوة الروسية لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، ستعطي الغرب فرصة للتنفس والتفكير في مخرج من المأزق. الإدارة الأميركية الفوضوية، وتناقضات مصالح الأوروبيين، ستجعل من إمكانية التراجع عن ضرب النظام الكيماوي، أمراً غير مستبعد.
إذا ما تأخرت الضربة الأميركية أكثر، وتمكن النظام وحلفاؤه من انقاذ قواتهم وترساناتهم المسلحة، بما فيها المخزون الكيماوي، ستكون حصيلة الضربة صفرية. كما أن اجهاض العملية برمتها، هو أمر بات ممكناً، في ظل تجربة إدارة الرئيس باراك أوباما مع مجزرة الغوطة في العام 2013، والتي نتج عنها اتفاقية مع روسيا، لتسليم النظام مخزونه الكيماوي، مقابل السماح ببقائه على قيد الحياة. حينها، عادت روسيا قوة عظمى بعد سلسلة هزائمها المتواصلة منذ حرب أفغانستان. واليوم، تبدو روسيا مقبلة على انتصار جديد.
النظام السوري تحوّل إلى مافيا مأجورة، للروس والإيرانيين، وبات ينفذ مخططاتهما. في أفضل أحواله الآن، هو القائم بأعمال أبو نضال أو كارلوس، بعدما فقد أي ارتباط له بشرطه المحلي، محولاً السوريين في مناطق سيطرته لمخطوفين. إلا أن انقاذ بشار الكيماوي، هو ترقية له، للعب دور الإرهابي المأجور، عبر شبكة واسعة من عملائه الإرهابيين الصغار، في صفوف "داعش" و"القاعدة" وغيرهما. وتوقع الخطوة التالية له، ليست خيالاً، بل احتمال قائم على قراءة مسالك نجاة النظام، وطريقة حلفائه في اختبار عيوب النظام العالمي.
تراجع الغرب عن الضربة، سيكون إعلان نهاية عالم ما بعد الحرب الباردة، وانتصار الدكتاتورية على الديموقراطية. كما أن إفلات الأسد من العدالة، هو التطبيق العملي لمعنى كلمة المعتوه في مجلس الشعب السوري: "يجب أن تحكم العالم".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها