الخميس 2018/04/12

آخر تحديث: 14:47 (بيروت)

قصة ضربة أميركية مُعلنة

الخميس 2018/04/12
قصة ضربة أميركية مُعلنة
هل تصبح الغارات ضرورة حتمية؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease
مع تأخر الضربة الأميركية/الغربية، المُعلن عنها، ضد نظام الأسد لاقترافه جرائم إبادة باستخدام الأسلحة الكيماوية، تظهر احتمالات أوسع لإمكانية حدوث صفقة مع روسيا حول الموضوع السوري. وفي الوقت الذي يتعذر فيه توقع ماهية الاشتراطات والمطالب الأميركية/الغربية، وقابلية روسيا للوفاء بها، إن قبلتها، فإن الضربة إن حدثت، هي إعلان فشل للتفاوض، أو محاولة لتحسين شروطه.

قنوات التواصل بين روسيا والغرب، تبدو محصورة بإسرائيل وتركيا والأردن، التي تشترط، كل على حدة، تحقيق أهدافها في سوريا، للتوسط. روسيا كانت قد فشلت في ضمان تعهداتها السابقة بخصوص جميع مناطق "خفض التصعيد"، لا بل حوّلت بعضها لأهم نقاط النزاع. إنهاء جيب المُعارضة الأخير في غوطة دمشق الشرقية، بعد حملة عسكرية بربرية، قادتها مليشيات النظام وإيران، بغطاء جوي روسي، لم تكن سوى أخر حلقة في نهج حلفاء النظام بعزل واحتلال مناطق المعارضة، تباعاً، رغم الاتفاقات الدولية السابقة حولها.

الحاجة لاستخدام الكيماوي بغرض تركيع "جيش الإسلام" واجباره على قبول "التهجير القسري" من الغوطة الشرقية، رغم امكانية التوصل إلى اتفاق مماثل بوسائل قتال تقليدية، تبقى لغزاً. استخدام النظام للسلاح الكيماوي، قد يكون لفرض معادلة جديدة على الروس، وإثبات نفسه كصاحب القول الفصل، عبر ضمان استمرارية اللعب على تناقضات حليفيه الروسي والإيراني. إلا أن التحذيرات الروسية السابقة على هجوم دوما، بتحضير المعارضة لهجمة كيماوية وإلقاء اللوم فيها على النظام، يجعل من هذا الاحتمال ضعيفاً، إلا إذا كان الروس غير قادرين على ضبط سلوك النظام رغم توقعهم حدوثه. ومع ذلك، يبدو الاحتمال ضعيفاً.

الفرضية الأكثر انسجاماً، تقول بإن روسيا وإيران والنظام، نفذوا العملية، بغرض اختبار حدود النظام العالمي من جديد. من تجاربهم السابقة، مرّ قصف الغوطة الشرقية بالسارين، في آب/أغسطس 2013، بخسارة لا تذكر. الصفقة الأميركية-الروسية، في عهد الرئيس باراك أوباما، سحبت بعض مخزون الأسد الكيماوي، وتغاضت عن بقائه، في حين أمسكت روسيا بشكل نهائي بمستقبل سوريا والأسد. ضربة خان شيخون الكيماوية، في نيسان/إبريل 2017، استدعت هجوماً أميركيا محدوداً، كرمي حجر في بركة راكدة.

لا يمكن قراءة الغضب العالمي من مجزرة دوما، من دون ربطها بمحاولة تسميم العميل الروسي المزدوج وابنته في بريطانيا، وتدخل روسيا بالانتخابات الأميركية وغيرها، والتحقيق الأميركي الداخلي في تواطؤ محتمل بين حملة الرئيس ترامب وروسيا. الأمر ذاته، ينطبق على صواريخ الحوثيين المنهمرة على السعودية، والتهديدات الإيرانية المتواصلة لإسرائيل والمملكة السعودية. زيارة مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، الأربعاء، إلى الغوطة الشرقية، وإعلان انتصار المحور الإيراني من هناك، على خرائب دوما، هو جزء من التصعيد الإيراني المتواصل ضد المنطقة. مطالبة إيران المتواصلة لتركيا بإعادة عفرين إلى النظام، والتعزيزات العسكرية الإيرانية في الجنوب السوري، هو اختبار متواصل من إيران، لإعادة التفاوض بخصوص كل الاتفاقات السابقة، مراراً وتكراراً، وهو الأمر الذي ترفضه طهران في حالة تفاوض الغرب معها حول ملفها النووي.

روسيا وإيران، وعميلهما السوري، ما زالتا يختبرون حدود النظام العالمي، بأعمال مزعزعة للقيم الليبرالية والمنظومة الدولية. عدم الرد الغربي على هذه الاختراقات المتواصلة، هو تشجيع لكوريا الشمالية والصين، أيضاً، على ممارسة المسالك ذاتها، وسط توقعهم عدم الرد الجدي.

الرهان على الضربة الأميركية بات متصاعداً، والمؤشرات العملية على قرب حدوثها مبهرة. نقل المعدات العسكرية المهمة، بما فيها مخزون الكيماوي السوري، إلى مواقع تحت حماية روسية، ونقل أهم قيادات النظام إلى مواقع محمية، وربما إلى إيران. ربما لم يتوقع حلفاء النظام ردة الفعل هذه. فترامب غارق في مشاكله المحلية، وغير راغب بمواجهة مع روسيا في ظل تصريحاته السابقة عن اقتراب موعد انسحاب قواته من سوريا. إلا أن وجهاً آخر للمسألة، قد يحل بعض الغموض فيها. الضربة قادمة في حال تعذرت الصفقة. الضربة الأميركية/الغربية، ستكون كبيرة جداً، إذا ما تمت، وستجعل من بشار الأسد، صدام حسين آخر بعد حرب الخليج الثانية. معزول كلياً، يحكم بشكل محدود، يعتمد كلياً على مساعدات النفط مقابل الغذاء. هذا السيناريو بحد ذاته، مرعب للروس والإيرانيين، الذين يريدون حلّ جزء من مشاكلهم الداخلية بإعادة انعاش نظام الأسد، والاستفادة من برامج إعادة الإعمار الدولية، القادمة لا محالة.

التلاعب الذي يقوم به ترامب، في "تويتر"، بالنفي والتأكيد، التهديد والمغازلة، تحميل مسؤولية سوء العلاقات مع روسيا للديموقراطيين وتحقيق مولر، يرسل إشارات متناقضة. والمؤكد هنا، أن تفاوضاً بين الروس والأميركيين، عبر الوسطاء، قائم على قدم وساق. وإلى جانب الكيماوي، يبدو الوجود الإيراني في سوريا، على رأس بنود التفاوض، في حين أن مصير الأسد قد لا يبدو ملحاً إلا إعلامياً.

إسرائيل كانت قد أعلنت أنها ستقلب نظام الأسد، إذا ما تعرضت لهجوم إيراني، وأكد نتنياهو لبوتين أن بلاده لن تقبل وجوداً إيرانياً في سوريا، لا بل وتسللت مقاتلاتها بعد ليلة الكيماوي، لتقصف قاعدة إيرانية في سوريا.

تغريدات ترامب المتناقضة في "تويتر"، ليست خروجاً عن طريقته العامة في التعامل مع ملفات داخلية وخارجية. الخميس، قال بعدما استيقظ، إن "الضربة قد تكون قريبة جداً، وقد لا تكون". في حين تركزت تغريداته الصباحية على مواضيع محلية، وصراعاته الداخلية مع الإعلام الأميركي. الأمر ذاته كان قد حدث بعد تصعيد مرعب مع كوريا الشمالية، وكاد أن يُشعل حرباً نووية.

وفي حين تذهب قراءات بعض المحللين إلى توقع حرب عالمية ثالثة، يبدو أن الأكثر احتمالاً، هو زيادة الضغط الغربي على موسكو لدفعها إلى عقد صفقة مُلزمة، قد تخدمها أيضاً. التخلص من شريكها الإيراني، ودفع النظام إلى تقديم تنازلات سياسية. التصعيد الغربي رافقته عقوبات على روسيا، مسّت بمصالح أوليغارشيا رجال الأعمال الحاكمة، وجعلتها تخسر قرابة 12 مليار دولار خلال ساعات. انهيار قيمة التومان الإيراني، والليرة السورية، والروبل الروسي، في لحظات ما قبل الضربة، هي مؤشرات على تزاوج أكثر من وسيلة للتصعيد، قبل الوصول إلى حائط مسدود، تصبح فيه الغارات ضرورة حتمية.

التصعيد العالمي، المنقول مباشرة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، يبدو أشبه بقصة هجوم معلن، الكل بات يعلم تفاصيله العمومية، ويشاهده كما في برامج الواقع. المشكلة الوحيدة، أن هذا الواقع المنقول مباشرة، بات لا يشبه الواقع أبداً. وحدهم أولئك الذين حاولوا صعود الدرج بحثاً عن الهواء، بعدما تسلل الغاز السام إلى قبوهم في دوما، من أدركوا، أن هذا العالم لن يسمح لهم بالتنفس مرة أخرى، ولا متابعة هذا "العرض الكبير".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها