الخميس 2023/12/28

آخر تحديث: 15:51 (بيروت)

البقاع وزحلة 2023: نازحون وعصابات.. وسياحة ينعشها النبيذ

الخميس 2023/12/28
البقاع وزحلة 2023: نازحون وعصابات.. وسياحة ينعشها النبيذ
تمكنت بعلبك من إحياء مهرجاناتها بأجواء أمنية اهدأ من سابقاتها (Getty)
increase حجم الخط decrease

بينما كان البقاعيون يحاولون التأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضته الأزمة الاقتصادية خلال العام 2023، انقسم الناس بين مجموعات مختلفة. مجموعة قررت أن تعلّق شماعة كل فشل وضيق على ملف النازحين السوريين، لتبدو في تناغم بخطاب "عنصري" مع السلطة اللبنانية، التي استفاقت متأخرة على فوضى تسبب بها في الأساس إهمالها لهذا الملف، واختيارها الوقوف على الحياد في تنظيم عملية تدفق النازحين ببداية الأزمة السورية. وذلك وسط واقع أمني دقيق، أظهر من خلاله الجيش اللبناني الحزم في حل بعض المعضلات الأمنية السائدة، ولا سيما في منطقة بعلبك. إلا أن مجموعات أخرى من الناس قررت أن تبقى من المبادرين رغم كل الظروف، وسعت إلى استخراج الفرص ولو من العدم. وهناك مجموعة أيضاً بقيت مؤمنة بالتميز الذي يملكه لبنان، وخصوصاً في مجال الخدمات السياحية التي يمكن أن تبقى السند الأساسي للاقتصاد، وفي بعض صناعاته التي تحولت من إرث عائلي إلى مصدر فخر للمنتج اللبناني في الخارج.

"المدن" في مواكبتها لمختلف قضايا المناطق، رصدت جميع هذه المجموعات في البقاع خلال عام، وجمعتها في جردة حساب لعام شارف على الانقضاء، إلا أن تردداته مستمرة بلا شك في العام المقبل وربما لسنوات أطول.

ملف النزوح السوري الأبرز بقاعاً
ينطوي العام 2023 بالنسبة لملف النازحين السوريين على تشعب النقاشات المحلية والدولية حول عودة هؤلاء الطوعية والآمنة إلى بلادهم، وسط عجز أظهرته السلطات المحلية لتأمين إحصاءات خاصة بأعدادهم من خارج الداتا التي حصلت عليها مؤخراً من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين UNHCR.

إلا أن هذا الملف في سنة 2023 حُمّل أعباء الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، ليتحول في البقاع، الذي يضم أكبر تجمعات النازحين، إلى وسيلة لترجمة العنصرية بكافة أشكالها، وصولاً حتى إلى تحميل بعض النزوح السوري مشكلة تعدد الزيجات، ونقل عدوى الطلاقات المتكررة إلى المجتمعات اللبنانية ("راجع المدن").

مع بداية العام شهدت سوريا واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية الذي تسبب بها الزلزال الذي ضرب مناطق سوريا وتركيا. بالنسبة للنازحين، عمّق هذا الزلزال أزمة الهوية التي يعيشها النازحون في سائر أنحاء العالم. وصار هؤلاء مقتنعون بأنه حتى الله لا يريد لهم أن يعودوا إلى بلادهم (راجع "المدن").

صحيح أن جزءاً كبير من اللبنانيين تعاطفوا مع ضحايا الزلزال، إلا أن الخوف الأكبر كان من تدفق أعداد كبيرة من النازحين إلى لبنان. الأمر الذي لم تشهده عملياً حدود البقاع التي بقيت ممسوكة بفضل الإجراءات العسكرية المتخذة عليها، ولكن أيضاً لكون البيئة الجغرافية وتلك الاجتماعية لم تعد جاهزة لاحتضان مزيد من أعداد النازحين بعد 13 سنة على الأزمة (راجع "المدن").

ومع ذلك، نجحت الحملة التي شنتها السلطة اللبنانية لتحميل النازحين وزر إخفاقاتها في حل الملفات الاقتصادية، وبخلق حالة من النفور بين المجتمعات. فترجم ذلك في بعض مناطق البقاع عنصرية تجاههم، وإتهاماً لهم بتقاسم لقمة عيش اللبنانيين الشحيحة أساساً. وترافقت هذه المواقف مع أخبار وتغطيات إعلامية تضيء على هذا التفوق في مستوى معيشة النازحين، ليصل بعضها إلى حد المطالبة بالجوع "المتوازن" بين الطرفين. وترجمت الحملة التي شنت على أداء المنظمات على المستوى الرسمي شعبياً، غضباً على النازحين السوريين في الشارع (راجع "المدن").

هذا في وقت أظهرت الدولة عجزها عن إجراء الإحصاءات التي تبين الأعداد الفعلية التي تجعل من هؤلاء عبئاً، ولم يؤد تحميلها المسؤولية للبلديات إلى النتائج المرجوة، نتيجة لإمكانيات البلديات المحدودة بالأساس (راجع "المدن").

علماً ان محاولات الإحصاء وفتح باب العودة الطوعية تكررت أكثر من مرة في العام 2023، وكانت بدايتها في عرسال، التي بدأت فيها الحملة منذ شهر أيار لإغلاق مؤسسات النازحين (راجع "المدن")، ولم تنته مع إقفال بعض مؤسسات النازحين في برالياس وقب الياس وغيرها، حيث الشكوى استمرت من مزاحمة النازحين بكافة القطاعات، ومن إغراق الأسواق بالبضائع المهربة، (راجع "المدن"). بينما وقفت أجهزة الضابطة العدلية حتى الآن عاجزة عن تطبيق القرارات التي اتخذت على المستوى القضائي لوقف هذه المزاحمة غير الشرعية، وحالت حساسية الملف دون إمكانية حل بعض الملفات أمنياً، وبالتالي لم ينتج عن الحملة "الرسمية" على النازحين، سوى مزيد من تأجيج المشاعر العنصرية بين اللبنانيين والنازحين السوريين المقيمين في قراهم (راجع "المدن").

الأمن أهدأ في البقاع والسلاح المتفلت يعزز الجرائم الفردية
في الملف الأمني عموماً وعلى رغم كل التداعيات الأمنية التي ذكرت للملف السوري، يمكن القول أن الواقع الأمني، أقله في منطقة بعلبك الأكثر توترا،ً انطوت على واقع أفضل حالاً من الأعوام الماضية. وذلك بعد الحزم الذي أظهرته قيادة الجيش ومخابراته في اجتثاث العصابات التي وجدت راحتها في هذه المنطقة وبيئتها الحامية لفترة طويلة.

وبعد أن افتتح العام بخطف الطفلين مهند وغالب العروب على يد عصابات متنقلة بين لبنان وسوريا، فإن إطلاقهما بعد 80 يوماً تحت ضغط الجيش ومخابراته، أشاع في المقابل جواً من الطمأنينة، وخصوصاً بعدما ظهر إصرار على تعقب العصابات في بعلبك ولو إلى خارج الحدود (راجع "المدن").

إلا أن سقوط شهداء عسكريين في بلدة حورتعلا البعلبكية برصاص عصابات تجارة المخدرات وحماتهم، كان نقطة التحول في تعاطي الجيش مع هذه العصابات، وخصوصاً مع بدء ظهور تململ في صفوف أهالي العسكريين، الذين بدأوا يتحدثون عن فصل بعلبك عن محيطها (راجع "المدن"). وبعد سلسلة عمليات نفذها الجيش أدت إما إلى توقيف أفراد العصابات أو إلى محاصرة نشاطهم، تمكنت بعلبك من أن تعيش فصولاً أكثر راحة، سمحت لها بإحياء مهرجاناتها بأجواء أمنية اهدأ من سابقاتها. هذا من دون أن يشيح ذلك النظر عن حوادث أمنية متكررة في بعض المدن البقاعية ولا سيما في الطفيل، التي شهدت صدامات متكررة بين أهلها ومجموعات تابعة لحسن دقو الموقوف في قضايا مخدرات كبيرة (راجع "المدن"). إلى جانب إشكالات أخرى تسببت بتوترات داخل المجتمع الواحد، مثلما كان الحال في مشغرة أيضاً التي شهدت أحداثاً شكلت جزءاً من مسلسل دموي مستمر منذ سنة 2022 (راجع "المدن").

إلا ان اللافت في العام 2023 هو الطابع الذي اتخذته بعض الحوادث الفردية، والتي تطورت إلى عمليات تصفية داخل العائلة الواحدة، ما عزز مخاطر السلاح المتفلت بين أيدي الناس، واللجوء إليه كوسيلة لاستعادة الحقوق المهدورة، وسط شلل يسيطر على الدوائر الرسمية، من إدارية، ومالية، وحتى قضائية وأمنية. وكانت أبرز هذه الحوادث جريمة برالياس التي نتج عنها قتيل برصاص أطلقه "مضطرب" على مصلّين وكادت تتطور إلى مجزرة أكبر (راجع "المدن").

وإذا كانت سنة 2023 قد انطوت على جريمة مزدوجة وقعت في قرية غزة عندما قتل زوج طليقته وانتحر، فإن جريمة مشابهة وقعت في زحلة، عندما قتل أحدهم صديقة له وثم اطلق النار على نفسه. أما الجريمة التي هزت البقاع سنة 2023 فكانت تلك التي ارتكبها رئيس بلدية علي النهري المتواري عن الأنظار حتى الآن (راجع "المدن"). وغيرها من الجرائم التي لا يزال العرف السائد في البقاع، يقضي بلفلفتها على الطريقة العشائرية، ومن دون أن يلقى الجاني العقاب.

مجموعات المبادرين
المبادرات الفردية، ومحاولات استخراج الفرص من قلب الظروف التي ولدتها الأزمة، شكلت بالمقابل الوجه الأكثر إشراقاً لسنة 2023، والتي أظهرت تمسك اللبنانيين بالحياة، على رغم كل الصعوبات. وزحلة كانت حاضنة كبيرة لهذه المبادرات، ولا سيما في القطاع السياحي وخدمات المطاعم والمقاهي، التي شهدت فورة كبيرة في سنة 2023 وأظهرت تفوق القطاع الخاص على القطاع العام في اتخاذ القرارات وتنفيذها (راجع "المدن").

ولكن السياحة لم تكن وحدها ما شهد انتعاشاَ في زحلة، إنما مهن أخرى كادت تتحول مندثرة، ونفخت فيها الروح نتيجة للأزمة التي يمر بها اللبنانيون عموماً، ما سمح بالتحدث عن مهن متطورة وسط الضمور الذي يعيشه معظم الاقتصاد اللبناني (راجع "المدن"). كما ازدهرت مهن منزلية، بعضها مخضرم شهد مزيداً من الانتعاش، وبعضها جاء وليد الأزمة (راجع "المدن").

هذا في مقابل لجوء عدد من الشباب إلى اكتساب خبرات مهنية خارج حدود زحلة أو حتى لبنان، من دون أن يغادروا مدينتهم، مستفيدين من الفرص التي وفرتها وسائل التواصل الحديثة، والتي وسّعت أفق البحث عن الوظيفة أينما كان في العالم (راجع "المدن").

أما الوجه الأكثر إشراقاً لزحلة والبقاع عموماً، والذي أظهر تجذراً بالأرض وتراث المنطقة ولا يمكن أن تقتلعه الأزمات، فيتمثل بقطاع إنتاج النبيذ الذي تعزز أيضاً دوره سياحياً، إلى جانب ما يلعبه من دور اقتصادي. فعمل معظم أصحاب الخمارات على تسليط الضوء على خماراتهم، نشأتها التاريخية، وقصصها وأدوارها، ليجعلوا منها مقصداً لذواقة النبيذ من مختلف أنحاء لبنان (راجع "المدن").

علماً ان "المدن" تتبعت أحوال بعض هذه الخمارات، ملقية الضوء على كفاح عائلات، والشغف المتوارث بين أجيالها، إلى أن وصل الجيل الحالي مسلحاً بالثقافة وحب المعرفة ومغامرة التجربة (راجع "المدن").

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها