الأربعاء 2023/04/12

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

صدامات أهالي "الطفيل" ومسلّحي حسن دقو: صراع البساتين والكبتاغون

الأربعاء 2023/04/12
صدامات أهالي "الطفيل" ومسلّحي حسن دقو: صراع البساتين والكبتاغون
تحولّت الطفيل مرتعاً للعصابات العابرة للحدود بين لبنان وسوريا (المدن)
increase حجم الخط decrease

تتوالى أخبار الصدامات المسلحة المتكررة في بلدة الطفيل اللبنانية، وسط روايات متعددة، يشكّل حسن دقو القاسم المشترك بينها جميعها. فنفوذ "ملك الكبتاغون" في البلدة، لا يبدو أنه تقلّص منذ توقيفه في سنة 2021 بقضية شحنة المخدرات التي وصلت إلى السعودية من ماليزيا، وأدت إلى قطع علاقاتها التجارية مع لبنان. ولا تراجعت بالتالي "بلطجات" مجموعاته في الطفيل، إثر صدور قرار قضائي بحبسه لمدة سبع سنوات في نهاية العام الماضي. بل يتحدث أهالي البلدة عن "مواجهات" مستمرة يخوضونها معه، لمنع إرساء أمر واقع فرضه دقو بقوة إنشاءاته التي أسسها من أرباحه في تجارة المخدرات، بعدما اشترى 600 سهم من العقار رقم 27 من محمود خنافر، تشكل الملكية الفردية الوحيدة في البلدة التي يتملك مصرف لبنان أسهمها المتبقية. فأسس دقو شركة "سيزر" التي ملّكها لزوجته المحامية س. م. (قريبة وفيق صفا، رئيس جهاز الأمن في حزب الله) وفقاً لتقرير معهد واشنطن، ومن خلالها حاول فرض إرادته بالقوة على أهالي بلدته.

مرتع العصابات
وعليه، لا تختلف خلفيات الإشكال الأخير الذي بدأ مساء الإثنين، واستمرت المحاولات لتطويقه طيلة يوم الثلاثاء، عن سابقاتها. حيث يتحدث مختار البلدة علي الشوم عن صدامات وقعت هذه المرة مع مزارعين ورعاة غنم من عائلات المصري، السيد، وشاهين، استدعت تدخلاً للقوى العسكرية، بانتظار تهدئة الأمور مجدداً، من خلال تدخل عقلاء البلدة.

قبل تسلّل شركة سيزر عبر "مشروع الطفيل الحديثة"، الذي حاول دقو وأشقاؤه إيهام أهالي الطفيل أنه ينفذ لمصلحتهم، حرمت الطفيل شريان تواصل داخلي مع لبنان، نتيجة لتداخل الأراضي اللبنانية- السورية في هذه المنطقة التي تقع بعمق السلسلة الشرقية في محافظة بعلبك. فكان ذلك حينها أكبر مشاكل البلدة التي يسهل على أهلها نقل إنتاج بساتينهم إلى سوريا وبيعه بأسواقها من الإنتقال به إلى بلدات الداخل اللبناني. إلا أن الأهالي لم يتوقعوا أن تعبّد الطريق الداخلية التي انتظروها عقوداً، سبل المشاكل التي انهالت عليهم إثر تسلل تجارات دقو المشبوهة إليها. فبات الطريق بالنسبة لهم، سبيلاً لتسهيل هروب أهالي الطفيل ومزارعيها، وهجرتهم نحو بلدات الداخل اللبناني، بعدما تحولّت بلدتهم مرتعاً للعصابات العابرة للحدود بين لبنان وسوريا.

يتحدث الأهالي عن نفوذ دقو المستمر من داخل سجنه الذي "رتبه له حزب الله ليكون غرفة مريحة مجهزة بالإنترنت"، وفقاً لتقرير نشره معهد واشنطن، أعدته باحثة في شؤون الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.

الفرقة الرابعة وحزب الله
فدقو على ما تبيّن، ليس مجرد تاجر مخدرات يحاول اغتنام الفرص كواحد من أثرياء الحروب.. وإنما أدرجته وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً على لائحة جديدة للعقوبات، كواحد من الداعمين الرئيسيين للنظام السوري بإنتاج وتصدير الكبتاغون. حيث اتهم دقو أيضاً "بعمليات تهريب المخدرات التي نفذتها الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، وبغطاء من قبل حزب الله". علماً أن معلومات كانت قد تحدثت سابقاً عن كون الأراضي التي اشتراها دقو في الطفيل والتي تقدر مساحتها بـ13 مليون متر مكعب "تحتوي أنفاق تهريب تصل إلى سوريا، وتوفر له سهولة الوصول إلى مواقع الفرقة الرابعة، أحد شركائه الرئيسيين في جرائمه الدولية". هذا في وقت تحدث تقرير وزارة الخزانة الأميركية أيضاً عن ما يقدمه دقو لحزب الله من مساعدات مادية وتكنولوجية بالإضافة إلى السلع والخدمات.

في كل مرة تدور مناوشات بين رجال شركة "سيزر"، والذين يؤكد أهالي الطفيل أنهم من المرتزقة التي حاربت في صفوف جبهة النصرة، وخصوصاً إثر معاركها في عرسال، يفتح الجدل مجدداً حول هوية دقو، ومصدر ثروته التي تقدر بمئات ملايين الدولارات.

فالرجل الذي أثار موجة ترهيب واسعة بين أبناء بلدته منذ إندلاع الحرب السورية، لم يكن يتحدر من عائلة نافذة تماماً، على رغم ما يعرف عن والده بكونه من أكبر مهربي أدوات الكهربائية والخشب والحديد في البلدة. وإنما تتحدث تقارير عن بدء حياته المهنية إثر بيع والدته قطعة أرض في بلدة النبك السورية، ليؤسس هو أولى شركاته التي تعنى بتجارة السيارات في النبك ودمشق، ومن ثم تتوسع تجاراته نحو تأسيس مصانع المنظفات والأمصال في الأردن وسوريا وغيرهما. "المهنة" التي عرّفته على المواد الأولية لتصنيع المخدرات، وشكّلت تغطية لتجاراته غير الشرعية، وخصوصاً خلال الفوضى التي سادت في سوريا، والتي دفعت بالكثير من مروجي المخدرات ومصنّعيها للبحث عن شركاء لهم في الأراضي اللبنانية.

مصانع وأراض
هذا الـ"دقو" حاول أن يدخل بلدة الطفيل قبل فترة كمحسن على الأهالي من خلال مشروعه الذي حامت حوله الشبهات منذ اليوم الأول. فادّعت شركته "سيزر" بأنها تحاول نقل الطفيل إلى مستوى آخر من "العصرنة" التي توفر فرص العمل الدائم لأبنائها. ليتبين لاحقاً أن هذه الإدعاءات ما كانت سوى محاولات لوضع اليد على مزيد من الأسهم التي يملكها مصرف لبنان في البلدة، والتي يشغلها الأهالي بعرف سائد منذ سنوات طويلة. وبدلاً من وفاء دقو بوعده "بتوظيف شباب البلدة" وتوفير فرص عمل في مصانع جديدة، قام بتدمير المحاصيل وهدم العديد من المنازل بالجرافات. ما أدى إلى مواجهات مسلحة بين الأهالي ومجموعاته، والتي لم تتوان عن استخدام الرصاص الحي، كلما حاول أحد من الأهالي الاقتراب من منشآت شركته وحظائرها المشبوهة. وكل ذلك وسط تغطية رسمية أمّنتها صداقاته الواسعة على مستوى لبنان، والتي جعلت وزير الداخلية المقرّب من حزب الله حينها، محمد فهمي، يرخص استثنائيا لحظائر دقو في الطفيل، رغم مخالفتها الواضحة للقوانين.

زادت محاولات الاستيلاء على أراضي الطفيل بذريعة وعود شفهية حصل عليها دقو من مصرف لبنان، لبيعه مزيداً من الأسهم في العقار 27 من حصته. وهذا ما رفع من منسوب النقمة الشعبية عليه. خصوصاً بسبب المظاهر الميليشياوية التي أحاطت تنقلاته في البلدة وخارجها، حيث كان دقو، قبل إلقاء القبض عليه من قبل فرع المعلومات، لا يتجوّل سوى بمواكبة أمنية من 12 سيارة، إثنتان منها اشتراها مع لوحتيها من الوزير السابق نهاد المشنوق، وكان عناصر الحماية فيها مسلّحون تابعون لحزب الله، و"بلطجية" يمارسون شتى أنواع الابتزازات بحق أهالي البلدة كما يؤكدون.

أموال المخدرات
ما يثير الاستغراب في هذه القضية، أن لجنة "فض النزاعات العقارية وحقوق إستثمارها" التي نشأت في البلدة، إثر تكرار المواجهات مع شركة "سيزر"، لم تتمكن من تفهم وجهة نظر الأهالي، الذين رفضوا تسليم بلدتهم لواحد ممن صنّفوا من أخطر تجار المخدرات عالمياً. وإنما تحمّل مصادرها المسؤولية لأهالي البلدة الذين "انقلبوا" -كما تقول- على تسوية تم التوصل إليها مع دقو قبل سجنه. حيث تشير هذه المصادر لـ"المدن" أن التسوية التي تم التوصل إليها قبل أن تعتكف اللجنة عن مهمتها، قضت بأن يعوّض دقو عن الأراضي التي سلخها من أصحاب البساتين المستثمرة منذ عشرات السنوات، بأراض موازية يقوم بتسجيلها بإسمهم من ضمن الـ600 سهم التي كان دقو وشركة سيزر يتصرفان على أنهما صاحبي الحق بتحديد مواقعها في أي ناحية من العقار الذي يملك مصرف لبنان القسم الأكبر من أسهمه. على أن يترافق ذلك مع تعويض عن الأشجار المثمرة التي اقتلعت من البساتين بشكل همجي.

بالنسبة لأحد أعضاء اللجنة، فإن رفض الأهالي لهذه التسوية وانقلابهم عليها بعد دخول دقو السجن، ضيّع عليهم "فرصة ذهبية" بتملك أرض بسند قانوني في البلدة، بدلاً من استمرار العرف الاجتماعي بوضع اليد على ملكيات البساتين التي كانوا يستثمرونها. فدقو يملك الأراضي هنا، بينما هم مجرد واضعي يد عليها.

إذاً، من وجهة نظر اللجنة التي تألفت من ممثلين عن حزب الله وتيار المستقبل وممثل عن دار الإفتاء في بعلبك، وعشائر البلدة، إلى جانب شركة سيزر وممثليها، فإن الأهالي كان يجب أن يغضوا النظر عن تاريخ الرجل الذي لا ينسجم مع توجهات الأهالي، ومصادر أمواله المشبوهة التي اشترى بها مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة بين الطفيل اللبنانية وعسال الورد السورية، ويقبلوا بما يمنّه عليهم من أراض وأشجار مثمرة أو تعويضات من "مال المخدرات".

الدولة المتفرجة
هذا في وقت تقف الدولة اللبنانية ومعها مصرف لبنان الذي يملك معظم أسهم عقارات البلدة، موقف المتفرج على كل ما يجري، وكأن الدولة غير معنية أبداً، لا بالمشاكل الداخلية التي تتسبب بها شركة سيزر ونفوذها المفروض بقوة السلاح في بلدة الطفيل، ولا بما تستجره أفعال دقو من عقوبات على الاقتصاد اللبناني. فلا يسلك "حق الشفعة" الذي أمل الأهالي أن يتخذه مصرف لبنان لاسترداد أملاك دقو في الطفيل المسار القانوني، ولا يكون حضور الشرعية اللبنانية في هذه البلدة سوى للحؤول عسكرياً دون تطور المواجهات إلى أحداث دموية بين أبناء البلدة الواحدة. فيما محاولات السطو التي يمارسها دقو ومن معه تصادر السلام الذي ساد لسنوات طويلة بين أهالي الطفيل، وتتمدد قوى الأمر الواقع بنفوذها المالي والعسكري إليها، يحوّلها تدريجياً من بلدة زراعية، إلى محميّة للعصابات وارتكاباتهم المسيئة لأهالي البلدة ولسمعة لبنان عموماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها