السبت 2024/04/13

آخر تحديث: 11:35 (بيروت)

أدراج بعلبك تفتقد السيّاح و"رأس العين" متنفس لأبناء المنطقة

السبت 2024/04/13
أدراج بعلبك تفتقد السيّاح و"رأس العين" متنفس لأبناء المنطقة
تحول مرج "رأس العين" إلى مساحة للاحتفال والفرح (المدن)
increase حجم الخط decrease

قبل أن تنفذ إسرائيل أولى غاراتها على العمق الإستراتيجي لحزب الله بقاعاً، تلمّس أبناء المنطقة إنتهاء فترة الإنتعاش المستقطع الذي عاشته حتى ما قبل 7 تشرين الماضي، تاريخ إندلاع الحرب المستمرة في غزة.
فبين مرحلتي جائحة كورونا وإندلاع حرب إسرائيل على غزة، كانت الجهود الأمنية والعسكرية التي بذلت في محافظة بعلبك الهرمل، قد أسفرت هدوءاً أمنياً، شجّع الكثيرين من أبناء المناطق اللبنانية، المغتربين والسيّاح، على العودة إلى أرجاء المحافظة ومركزها الجامع لمكونات تجارية وسياحية تتنوع بين تاريخية، تراثية، إجتماعية، ودينية.
صحيح أن تدهور قيمة العملة الوطنية عزز السياحة الشعبية بالنسبة لأبناء البيئة البقاعية التي وجدت في منطقة "راس العين" تحديداً متنفسها الأقل عبئاً على الجيوب، إلا أن تردد السيّاح الأجانب والمغتربين خصوصاً الى قلعة بعلبك ومحيطها وأسواقها خلال تلك المرحلة القصيرة، خلق دورة إقتصادية أنعشت الحركة في المدينة، وتحديداً في فترات الأعياد ومواسم الإصطياف والمهرجانات.


تراجع زوار القلعة 90%
إنقلب هذا المشهد بعد 7 تشرين. ومع أن إسرائيل لم توسّع دائرة إستهدافاتها الى هذه المنطقة بشكل كبير، (أربع غارات على أهداف محددة حتى تاريخ اليوم)، تراجع عدد زوار القلعة الى أكثر من تسعين بالمئة كما يؤكد أصحاب المصالح في محيطها، ويكاد الزوار يقتصرون على أبناء منطقة الجنوب الأكثر تعرضاً للغارات، وبعض العراقيين والأتراك. وعليه لم تحمل الأعياد التي حلّت خلال شهري آذار ونيسان أي حركة مغايرة على صعيد حركة السياحة الداخلية أو الخارجية في بعلبك، فبدا الضرر في بعلبك أعمق من التداعيات التي خلفتها الحرب على سائر المرافق السياحية اللبنانية .
إلا أن هذا ليس واقع وسط مدينة بعلبك ومرجة راس العين ومحيطها التي تعج منذ مدة بأجواء حيوية إستثنائية، يبدو أنها تخطت أيام العيد، محوّلة محيط المنطقة ومطاعمها نقطة إستقطاب لأبناء البيئة الشيعية تحديداً، سمحت لهم بأن يعيّدوا معاً، ولو بأجواء بيئة مهددة بنيران إسرئيل وعدوانها المتكرر، حتى على المناطق والقرى البعيدة عن خطوط المواجهة الأمامية.
وعليه بدت زيارة "المدن" لبعلبك في محاولة إستقصاء ميداني للتداعيات التي تخلفها التهديدات الإسرائيلية لمدن بعلبك البعيدة عن خطوط المواجهة، وكأنها زيارة لمدينتين تعيشان ظروفاً مختلفة. وتظهرت الهوة كبيرة بين وسط المدينة الذي عج منذ ما قبل العيد بقاصديه من مختلف القرى، ومحيط القلعة الذي فقد حيوية السيّاح نهائياً. وعززت هذه الهوة بهجة العيد ومظاهرها "المضخمة" التي ترجمت في محيط راس العين ووسط المدينة على رغم مآسي "الإستشهاد" التي خلفتها الحرب لدى بعض العائلات البعلبكية. فشكلّت إحتفاليات راس العين إمتداداً للأمسيات الرمضانية التي تم إحياؤها بوسط السوق، وإسترعت رعاية وإهتمام وتشجيع الهيئات المدنية، والأهم أنه لم يعكر صفوها أي صوت حزبي أو عشائري لائم لمن فضلوا أن يمجدوا "الحياة" بدلاً من "الموت".



...رأس العين لابن البلد
عند مدخل القلعة إلتقت "المدن" ببعض أصحاب "كيوسكات" ممن يقدمون الخدمات للسياح. إنشغل هؤلاء بفلش بضائعهم كالمعتاد، ولكنهم بدوا مقتنعين بأن جهدهم لن يكافأ بالحركة التي ينتظرونها. يقول أحدهم "الأمور معروفة تماماً، حركة القلعة للأجنبي، وحركة راس العين لإبن البلد. وكما بات معلوماً الأجنبي، وحتى المغترب، بات عملة نادرة منذ إندلاع حرب غزة. وعليه فإن مصيرنا حالياً مرتبط بالتسوية الإقليمية."
يرى آخر أن "الغريب أعمى. فهو يسمع أخباراً عن غارات على بعلبك، وتحذيرات من سفارات بلاده، فيعتقد أننا نعيش في حالة حرب". وفيما يؤشر للغريب هنا أيضاً لكل لبناني غير منتم لبيئة الثنائي الشيعي، فإن الكلام في المقابل لا يخلو من لوم لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، التي إعتبرت هذه الفئة من المستطلعين "أنها تسهم في إشاعة اجواء الخوف من "مناطقنا".
يبادر المستطلعون الى تحديد وجهة الغارات الإسرائيلة على أهداف حزبية، محاولين بذلك تصوير المدينة بمنأى عن هذه الأهداف العدوانية. لا بل يسجل أحدهم مآخذه على وسائل الإعلام التي "عندما وقعت الغارة الأخيرة في النبي شيت، لم تجتهد لتشرح بأن الإستهدافات بمعظمها طالت مناطق جردية فاصلة بين لبنان وسوريا في جنتا." ويتابع "تحدثوا عن غارات على بعلبك، وفي أذهان الناس بعلبك واحدة. بينما في الواقع، لا تزال الغارات التي شنتها إسرائيل محدودة في المكان، ولم تطل سوى بعض النقاط المستهدفة".
توافق المستطلعون في المقابل على "أن الضرر الأكبر للغارات الإسرائيلية في هذه المنطقة إقتصادي ونفسي، وربما هذا هو المقصود". متجنبين تحميل حزب الله أي مسؤولية على "إستجرار" العدوان الى الأراضي اللبنانية. فمن يقدم الدم برأيهم "لا يمكن أن يلام". إلا أن ثمة غصة يعبّر عنها هؤلاء من كونهم ضحايا أزمات متكررة، لا يملكون قدرة مواجهتها سوى بمزيد من الصبر. ويأسفون للسلوكيات التي تعكس غياب التضامن الوطني حتى في المسائل التي تمس أمن البلاد وسيادتها.

خلال تجولنا بمحيط القلعة نصحنا أحد البعلبكيين بأن نذهب الى منطقة راس العين، فهناك كما قال سنشعر بالعيد. كانت راس العين بالأساس وجهتنا الثانية، حيث قررنا ترصد حركة المجتمع المدني التي حاولت أن تظهر في سائل التواصل الإجتماعي "الوجه الآخر" لمدينة بعلبك، الموازي لهويتها المعروفة كخزان للمقاومة، وبحثاً عن أضواء العيد، والرقص الفولكلوري والدبكة البعلبكية التي نزلت قبل ايام الى وسط السوق، غير مبالية بطائرات الإستطلاع التي تحلق منذ مدة في سماء البقاع عموماً.
لم تخيّب أجواء العيد في راس العين توقعاتنا. والأريحية التي ظهرت لدى قاصدي المنطقة شكلت فعل صمود، ولكنها أيضاً وجهت رسائل داخلية من أبناء البيئة الشيعية الذين "شبعوا حرباً" كما قال بعضهم، ويريدون أقرانهم اللبنانيين أن يعرفوا أنهم هم أيضاً "محبون للحياة ويبحثون عن الفرح".
عكست هذه الرسائل في المقابل الهوة المتسعة بين الفئات اللبنانية، والتي عمقها العدوان الإسرائيلي وتورط حزب الله في حرب "مشاغلته". هذه الهوة التي يبدو أنها تعمق عزلة القرى والبلدات التي تشكل بيئة لحزب الله، وبدأت تستدرج نقاشات جريئة داخل المجتمعات البعلبكية، حول جدوى الإستمرار بالتضحية بدماء شبابها في حروب بالوكالة، طالما أنها لا تحظى باجماع على المستوى الوطني.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها