لم ترد الفتاة عليه، فبعدما ارتفع صراخها، عاد وهبط، ثم، غفت على مقعدها. مرةً جديدة، نظر (كمال) نحوها:
-أطلق والدك اسم (إلهام) عليك، أنتِ لست إلهامه، بل إلهامي، إيناسي الملهمة.
عرف أنها لن تجيب، توقف أمام الصيدلية، ونزل من سيارته، ابتاع ضمادة، وما أن خرج من الباب، حتى التقى بـ(سعيد).
رفيقي، الذي لم أره منذ زمن، ولا حاجة إلى ذلك، ما دام لا يتغير البتة. يحمل حقيبته على ظهره، وكتاب في يده. يظن نفسه صحافياً ناجحاً، وهذا سره الفظيع، رغم أننا تعاوننا في الكثير من الأوقات، لا سيما عندما كان يطلب مني القيام بتخريب حيّ أو إطلاق بعض الأعيرة النارية على مصرف ما، كي يكتب عنه في اليوم التالي. مرةً، أجبرني على لعب دور ساعي بريد ميت في حانة. (سعيد) ماكر، لكنني، سعيد برؤيته بعد هذه المدة. لا، لن ألقي عليه التحية، لن أكترث له، سأرجع إلى السيارة لأخرج من هذا الشارع.
عاد (كمال) إلى التويوتا، وانطلق. على الأتوستراد، كاد أن ينسى استعمال المكابح، لكن، سرعان ما تذكر ذلك. ثمة سيارة تلاحقه، من نوع كاديلاك، تحاول ايقافه. ما أن تصل إلى جانبه حتى يسرع، تركها تقترب من مركبته، وضغط على الفرامل. أصبحت أمامه، رأى فيها أربع أشخاص، وواحد منهم، صوب مسدسه نحوه، وأطلق النار. مد (كمال) يد إلى المقعد الخلفي، سحب سلاحه، الكلاشينكوف، لقمه، وبدأت الحرب على الطريق، وبين السيارات من حوله.
اصطادهم واحداً تلو الآخر. وانفجرت سيارتهم.
السيارات لا تنفجر، لكن، بما أنني لم أتجرع دوائي منذ البارحة، فهذا ما تخيلته، وهذا ما جرى. توقفت بقرب الكاديلاك المحترقة، وألقيت نظرة. الجثث تتفحم، و(إيناس) لا تزال غافية. نامي حبيبتي، لا أريدكِ أن تشاهدي هذا المنظر القذر.
أشعل (كمال) سيجارته، نفث الدخان من رئتيه، ورفع صوت الموسيقى. فاستفاقت (إيناس):
-هل لي بطلب قبل أن نصل إلى مخبئنا؟
- (إيناس)، هل سمعتي ما قلته لكِ؟
-نعم، فأنا أسمعك حتى لو كنت نائمة. أريدك أن تقلني إلى (المسرح الكبير) لأخبر صديقتي (سارة) أن والدي ينوي التخلص من أبيها، المحقق (فؤاد). أريد أن أخبرها قبل أن تقع الكارثة.
وصلت السيارة إلى (المسرح الكبير)، حيث تتمرن (سارة) على التمثيل في مسرحيةٍ جامعية. دخلت (إيناس) المبنى، وظل (كمال) في سيارته، يدخن ويستمع إلى الموسيقى. أغمض عينيه، وفي تلك اللحظات، توقفت سيارة بقربه، ونزل منها ثلاثة مسلحين، ودخلوا إلى المسرح نفسه.
فتحت عيني، لم أجد أن (إيناس) قد عادت بعد. قلت سأذهب لتفقدها، وما أن مشيت نحو المبنى، حتى سمعت صراخها، اعتقدت أنني أهلوس، لكن، لا، صياحها يرتفع كلما اقتربت. نظرت من حولي، وتقدمت. لقد قبضوا على (إيناس) وصديقتها، وأنا نسيت اصطحاب مسدسي معي. يا لهذه الذاكرة، ماذا سأفعل؟
اقترب (كمال) من المسلحين، وصاح: "أطلقوا سراحهما، ها أنا أسلم نفسي". التفت نحوه واحد من المسلحين، وأمره بالركوع، فركع، ثم الزحف صوبه، ففعل.
لقد فشلت، لقد خسرت يا (إيناس) هذه المرة.
أضحى (كمال) بكامله على الأرض، وفوق أحد المسلحين، وبضربة من رأسه أوقعه، فتناول سلاحه، وصوبه نحو المسلحين المتفرقين من حوله. بقيّ واحد، وهذه المعركة، يجب أن تكون الكبرى والأخيرة.
-أفلت الفتاتين أيها الوغد ولنتعارك.
-هل تحلم، إن لم أقبض عليهما، سأدفن حياً.
-أنا من سأدفنك.
سدد (كمال) رصاصة من سلاحه، فعبرت بين رأسيّ (إيناس) و(سارة) واستقرت في عين المسلح، فانفجر دماغه.
-هيا، لنهرب.
خرج بطلنا بصحبة حبيبته وصديقتها، نظر من حوله، وما أن رأى سيارته حتى انفجرت. من بعيد، لاحت أضواء سيارات كثيرة، لقد جرت محاصرته.
-هيا، سننجو
-اذهب بدوني يا (كمال)، لا داعي أن تتورط..
-(إيناس) إن لم نذهب الآن، هذا يعني أننا سنخسر بعضنا بعضا.
سحبت (إيناس) سلاح من حقيبتها، ووجهته نحوه.
-لقد وقعت في الشرك.
بدأ الرصاص ينهمر، قيدتني (سارة) بسلسلة، آخ كم أكره المعدن.
والليل الذي تمنى (كمال) أن يطول، أضحى حالكاً.
الحلقة المقبلة: مخالب الدهشة
"كمال على وشك الموت"، "هل تذكر المحقق؟"، "مقايضة جيدة"، "البطل يفكر في نهايته".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها