السبت 2022/09/24

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

جولييت الأمين: من البلد الأب إلى بلد الابنة

السبت 2022/09/24
جولييت الأمين: من البلد الأب إلى بلد الابنة
الأمين كتبت روايتها على مراحل
increase حجم الخط decrease
تدور رواية الروائية الفرنسية من أصل لبناني جولييت الأمين "اسم أبي" حول هذه القصة: بسام، شاب من جنوب لبنان، يبلغ من العمر 19 عاماً، عاش حرب تموز 2006، تعرضت بلدته للقصف بطائرات الاحتلال الاسرائيلي. بعد ست سنوات من هذه الحرب، هاجر الى أوروبا، وإلى إيطاليا تحديداً، على سبيل الانطلاق في حياة جديدة. في نابولي، يلتقي بكاميه، يتقاسمان الحب، وفي قلب هذا الحب، تبرز ذكريات قريبة وبعيدة عن لبنان الذي لم يبق منه سوى حطامه. يمكن القول إن هذه القصة، التي اختارتها الأمين، هي قصة بسيطة، لكن بساطتها لا تعني أن سردها قد أتى على نحوها هذا، على العكس، فقد يصح وصف سرد الأمين لها بكونه تركيبياً.

بالطبع، أول ما يخطر في البال حول تركيبة هذا السرد هو أن الأمين كتبت روايتها على مراحل. اذ إنها شرعت فيها العام 2006، أي خلال مراهقتها، يوم كانت تبلغ من العمر 17 سنة. آنذاك، لاحقت حوادث حرب تموز بشكل يومي، وهذا، لكون والدها يتحدّر من أصل لبناني. بالتالي، حملتها ملاحقتها تلك، وبفعل أثرها الشديد فيها، إلى صناعة شخصية روايتها، أي شخصية بسام. ما أرادته، على الأغلب، من هذه الصناعة هو أمر معين، وهو سرد قصة والدها نفسه عبر وسيط يدعى التخييل. فهذا الوسيط هو الذي يتيح لها أن تصنع شخصية تحل مكان والدها، وبهذا، تروي ما لم يروِه هو: بسام، بطريقة من الطرق المواربة، هو أبو الروائية. لكن رواية الأمين لم تتوقف عند غايتها هذه، ففي حال كانت في مرحلتها الأولى بمثابة تحية إلى حكاية الوالد، فهي في مرحلتها الثانية، بدت تحية إلى حكاية لبنان بكامله. في هذا السياق، يمكن الإشارة الى أن سرد الأمين قد جاء تركيبياً من ناحية إقدامها على وصل رواية والدها برواية بلده.


بيد أن التركيب الذي يتحلى به سرد الأمين ليس مردّه ذلك الوصل فحسب، مع أنه أساسي، لكن هناك شيئاً ثانياً أيضاً، وهو ربما أبعد من الرواية نفسها، أي يتعلق بأبناء المهاجرين اللبنانيين. فالأمين ابنة مهاجر، وهي إن كانت وريثة ماضي البلد الذي يتحدّر منه والدها، فتلقي هذا الإرث ليس بأمر سهل، بل على العكس. إذ يستلزم منها أن تتعرف عليه، والتعرف على هذا الإرث يعني ألا تكتفي بما نقله لها والدها، إنما أن تُقدم على اختراعه نوعاً ما لتبدد ما يحيط به من إبهام. اختراع الإرث يستوي على إنتاج قصته، مسروده إذا صح التعبير، الذي لا يمكن سوى أن يكون مركباً.

في هذا السياق بالتحديد، يمكن ملاحظة أن رواية الأمين هي رواية-اكتشاف، بمعنى أنها مكتوبة من أجل اكتشاف لبنان. فصحيح أن مقالب من قصة الأمين قد تكون، وبشكل من الأشكال، متوقعة، غير أن ذلك لا يلغي أنّ أهم ما تنطوي عليه ليس وقائعها، إنما سردها ذاته، وهذا، لأنه يستقر على رمي الروائية إلى الاقتراب من بلد والدها، أو من "بلدها الأب". هذا الاقتراب يتّسم بكونه ليس حنينياً، وفي الأصل، لا يمكن أن يكون كذلك، لأن الأمين تكتشف ذلك البلد، وفي النتيجة، لا يمكن أن تغدو على نوستالجيا ما حياله. ذلك الاقتراب هو فعلياً أقرب من قلب ماض موروث الى حاضر له عناوين وتواريخ ووجوه، وبالتأكيد، مشكلات وكوارث متعدّدة. بعبارة أخرى، رواية الأمين بمثابة طريق هذه الروائية من أجل تحويل لبنان من "البلد الأب"  إلى بلدها، إلى "البلد الابنة"، وهي، وبسردها التركيبي، قد حققت ذلك.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها