الجمعة 2015/05/01

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

رجل الملابسات الغامضة (1): مطاردة الجُرح

الجمعة 2015/05/01
رجل الملابسات الغامضة (1): مطاردة الجُرح
"صحيح أنه هشّمني، لكني لن أخبره أي شيء" (ريشة: ترايسي شهوان)
increase حجم الخط decrease
بعد توطئة سلسلة "رجل الملابسات الغامضة"، التي ترتكز على سرد متخيل، يحاكي روايات الجيب المصرية واللبنانية، من ناحية الأسلوب والشكل والشخصيات، خصوصاً بطلها (كمال أدهم)... هنا الحلقة الأولى من السلسلة، على أن تُنشر حلقاتها أسبوعياً، كل يوم جمعة.
وشارك في هذه الحلقة: رفيق مجذوب في اختيار الموسيقى الكتابية، وترايسي شهوان في رسم المشهد المكتوب.
ملاحظة: يرجى من القارئ الكريم أن يستمع إلى المقاطع الموسيقية المختارة بحسب تتابعها داخل الحلقة.


موسيقى: مطاردة الجرح1 

أمسكه من رقبته، شدّ عليها، ودفعه إلى الأمام بشراسة. أوقفه للحظة واحدة أمام النافذة، وضربه على رأسه ليلتصق بالزجاج. سُمِع في المكان دوي ارتطام، كأن صخرة وقعت على لوح خشبي وكسرته. سالت الدماء من الفم المشروم، وانضغط الوجه فوقها كأنه ممسحتها، التي تنزل ببطء شديد إلى الأسفل، ووقع الجسم على الأرض... لم يعرف المحقق أنه منذ قليل ضرب أخطر رجل من الممكن أن يصادفه في حياته.

نعم، لم يعرف أنه صادفني، أنا (كمال أدهم). صحيح أنه هشمني، لكنني لن أخبره أي شيء. أصلاً، أنا لا أعلم ماذا يريد هو مني، أما أنا فأعلم، أعلم جيداً ماذا أريد منه. لا، لن أخبره.

ما كاد (كمال) ينهي هذه العبارات في قلبه، حتى صفعه المحقق مرة أخرى، صارخاً: "عليك الآن أن تكلمني عن علاقتك بـ(إيناس حمدي). ضحك (كمال)، وأكمل حديثه مع نفسه: "الأحمق لم يكن في البار أمس البارحة، كي يراني محاطاً بـ(ليندا)، الفتاة الشقراء، التي شربت عشرات كؤوس الويسكي معها". نظر بطلنا إلى المحقق، وقبل أن يتفوه بأي كلمة، دخل المُساعد إلى حجرة التحقيق مذعوراً، اقترب من رئيسه ووشوشه عن أمر ما، لم يقدر أحد على سماعه إلا (كمال) على الرغم من تضرجه بالدم. حسناً، قال المحقق، فالتفت نحو بطلنا بانفعال: "أنتَ، عليك أن تخرج سريعاً من هنا، لقد أنقذك مني تشابه في الأسماء".

الليل حالك، صعد (كمال) في سيارته التي كانت لا تزال مركونة قرب الحانة، نظر حوله، لم يجد شيئاً. لماذا ينظر إذاً؟ اطمأن إلى أن المسدس الفضي موجود تحت المقعد، أدار المحرك، وأسرع في سيارته نحو منطقة (التَلف) حيث قد يحظى بمساعدة رفيقه (عبس البرغي). على الطريق، حاول أن يتذكر حديثه مع (ليندا)، وقبلها مع صاحب الحانة. فجأةً، اكتشف أنه لا يقدر على ذلك، فهو منذ فترة طويلة أصيب بكتمان الذاكرة.

نسيت كيف أنام، هكذا قلت لـ(عبس)، الذي كان جالساً أمامي على الكنبة في منزله المعتم. أضفت: "حتى أنني أسأل نفسي أحياناً هل النوم يتطلب اغماض العيون أم فتحها". فوجئ (عبس) بكلمات بطلنا، وبغضب-نسينا أن نقول أنه سريع الإضطراب-استفهم منه: "ما بكَ، ربما أنت تحتاج إلى بعض الراحة، ومَن تظن نفسك، (ماجد شريف) في قصة (أسوار الموت)؟ صمت (كمال) قليلاً، وباح له:

- لقد اختُطفت (إيناس)

- ماذا؟

- نعم، كما أخبرك، ألقوا القبض عليّ، وهناك، علمت بخطفها، المُساعد أعلن ذلك للمحقق.

- مَن.. مَن خطفها؟

- وكيف بمقدوري أن أعرف؟

- (كمال)، ألم تنتظرها أمس في البار؟ ألم تأتِ؟

- لا، لقد نسيت موعدنا لأنني أضعت وقتي في مشاجرة مجموعة من المغفلين، حاولوا أن يلقوا بطيشهم على (ليندا).

- قاطعه (عبس): ومن هذه؟

- دافعت عنها وعرفتني عن نفسها بهذا الاسم.

- حسناً، حسناً، ماذا علينا أن نفعل؟

- لقد سمعت المُساعد يتحدث عن (بيت الهيام)...

- قاطعه (عبس) مرة أخرى: ماذا؟ معقول؟

- ماذا دهاك؟

- إنه منزل السيد (ف)، أحد لاعبي القمار المشهورين في المدينة.

- سأذهب إليه، لكني أريدك أن تزودني بالعنوان وبعض الأسلحة.

- اختر من الغرفة ما تحتاجه.

أمام (بيت الهيام)، تفرق الحراس ببدلاتهم السوداء وبنادقهم الأوتوماتيكية. بمنظاره، راقبهم (كمال) من بعيد، وضع يده على المسدس، ثم على السكين على خاصرته. فكّر في التقدم نحوهم، واصطيادهم الواحد تلو الآخر، إلا أنه اعتقد أن الأفضل هو دخوله إلى المنزل خلسةً. ما كاد ينهي فكرته حتى بدأت أضواء المرصد من حوله بالتحرك. فالحراس تنبهوا الى اقتراب أحدهم من المنزل، وفي ذلك الحين، سعى (كمال) إلى الإختفاء، غير أنه سرعان ما أخذ قرار التخلص منهم.

ركض صوب الحراس، ومن مسافة قريبة، بدأ تبادل النيران معهم.

موسيقى: مطاردة الجرح 2

الرصاصة الأولى التي خرجت من مسدسه، استقرت في جمجمة أحد الحراس، الثانية، أردت واحداً آخر جثةً، الثالث، والرابع، والخامس، و(كمال) يتسلق البوابة - كان بإمكانه الدخول بشكل سهل لأن المنزل غير محمي من الخلف - ويصل إلى الباحة الواسعة، والتي يُسمع منها جلبة قوية تدل على اضطراب سكان (بيت الهيام).

لو أني ما تأخرت على موعدي مع (إيناس)، ولم أكترث بهؤلاء المغفلين، لما كنت هنا. كيف قادتني (ليندا) إلى الشرب معها؟ كيف سحرتني؟ كيف ارتجف جسدي أمام عينيها؟ كيف نسيت (إيناس)؟ أنا الذي خطفتها، تسببت بخطفها، هي جرحي، الذي سأطارده، حتى آخر رمق.

ركض (كمال) صوب الباب، فتحه، معتقداً أنه سيرى مشهداً لن ينساه طيلة حياته. لا شيء في هذه الغرفة، تسلل إلى الطابق العلوي، شاعراً بوجود حراس آخرين هناك، وبالفعل، تصدوا له برشاشاتهم. قفز عن سياج الدرج الخشبي، وقعت حقيبته، ومسدسه أصبح بعيداً من يده. ركض الحراس وأحاطوه برشاشاتهم، لقد ألقوا القبض عليه. هكذا ظنوا.

ضحكتُ كثعلب، لأنهم وقعوا في شركي.
نظر حارس عملاق إليَّ قائلاً: "لسوف أحطم ذراعيك وقدميك". أجبته: "ماذا تنتظر إذن؟"، فهوَى بسلاحه على رأسي، انحرفتُ قليلاً فارتطمت بندقيته بالأرض، وفي الوقت نفسه، أطلقتُ قبضتي كقذيفة مدفع، فأصبته في معدته. زأر من الألم. رفاقه ينظرون إليَّ، اندفعوا نحوي، بسرعة عمِلَت قبضتي في كل الإتجاهات، طارت قدماي لتصيب مهاجمي في كل مكان، وبسرعة التقطتُ سلاح العملاق وسددتُ رصاصاته نحوهم. صاروا من عداد الموتى، لا أحب هذا المنظر... (إيناس) إنتظريني.

سمع (كمال) صوت صراخ، لحقه، ووصل إلى غرفةٍ، بابها مقفل. صوت كأنه سمعه من قبل ويعرف صاحبه. السيد (ف) داخل هذه الحجرة، يقهقه ويتحدث بصوت مرتفع. اقتحم بطلنا الباب، وإذ يجد المقامر أمامه. وفجأةً، دخلت (ليندا) من ورائه.
يقف السيد (ف) مرحباً به:"أهلاً بك في الجحيم".


في الحلقة المقبلة: الرهان الفاشل
"إيناس، أرجوكِ، لا تقفزي".. "هل تعرف أنك محقون بعقار الصدق؟".. "رصاصة في رأس الشقراء المتوحشة".. "خبط الحائط بقبضته في عنف صائحاً: هذا اللعين، يبدو كأنه رجل خارق".. "كل ما رغب فيه بطلنا بضع ساعات من النوم فقط".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها