الخميس 2024/04/11

آخر تحديث: 11:38 (بيروت)

التشويش الإسرائيلي: بقع حمراء من مطار بيروت إلى الجنوب

الخميس 2024/04/11
التشويش الإسرائيلي: بقع حمراء من مطار بيروت إلى الجنوب
تعمد إسرائيل إلى التشويش الواسع النطاق على أنظمة تحديد المواقع (Getty)
increase حجم الخط decrease

انتشرت في الأسابيع الأخيرة بيانات عن حالات تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في لبنان. وبينما أفادت التقارير الأمنية العالمية عن قيام إسرائيل بالتشويش بشكل كبير في مناطق الحرب منذ تشرين أول الماضي، فإن موقع GPSJam.org الذي يرسم خرائط الاضطرابات لأنظمة تحديد المواقع العالمية عبر الأقمار الصناعية، يظهر زيادة جغرافية في التدخل فوق لبنان مؤخراً، حيث باتت البقع الحمراء تغطي النصف الجنوبي من البلاد وصولاً الى بيروت ومطارها.
ويحيل الخبراء اعتماد إسرائيل على هذا التشويش واسع النطاق، لتفادي هجمات العديد من الأسلحة والصواريخ الذكية والطائرات من دون طيار، التي تستخدم أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية (GNSS).

تأثيرات تشويش الـGPS
منذ فترة، لاحظ اللبنانيون وجود خلل في خرائط غوغل. فقد قام العديد منهم باستفسارات على موقع Reddit بشأن مشاكل تتعلق بإشارة هواتفهم المحمولة، التي تظهر أنهم في المطار رغم أنهم يبعدون عنه بعشرات الكيلومترات. بالإضافة إلى ذلك، واجه بعض الأشخاص صعوبات في التنقل باستخدام خرائط غوغل حتى داخل العاصمة بيروت، حيث استغرقت رحلة قصيرة مدتها ربع ساعة لدى أحدهم ساعتين بسبب أن التطبيق اقترح طرقًا بعيدة أو غير موجودة. وأظهر تقرير على LBCI تعطل التطبيقات التي تعتمد الـGPS في رسم خرائط المسح العقاري في جنوب لبنان. كذلك، أظهر تقرير في الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس"، وجود خلل في تطبيقات المواعدة مثل Tinder، حيث اقترح المواعدات بين الأشخاص من جانبي الحدود!

ورغم أن بعض الأمثلة المذكورة أعلاه قد تبدو غير مهمة أو مضحكة، فهناك جوانب خطيرة لما تقوم به إسرائيل تتعلق بالأمن القومي والسلامة العامة في لبنان. فهذا التشويش على نظام GPS يعرض الطيران المدني والملاحة الجوية للخطر، ما استدعى الخارجية اللبنانية للإعلان عن نيتها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل على خلفية هذا الأمر.

ما الفرق بين GPS و GNSS؟
عند الحديث عن GPS، غالبًا ما نشير إلى جميع أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية، المعروفة اختصارًا بـGNSS. نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، الذي طورته الولايات المتحدة، هو الأشهر والأوسع استخدامًا حول العالم، ويُستعمل بشكل رئيسي في أنظمة الطيران المدني. بالإضافة إلى ذلك، هناك أنظمة أخرى طورتها دول مثل روسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي تُصنف جميعها إلى جانب نظام GPS تحت مسمى GNSS، أي (Global Navigation Satellite System). تتشابه هذه الأنظمة تقنيًا وتعمل وفقًا للمبدأ ذاته، حيث تتكون من مجموعة أقمار صناعية تتراوح بين 24 و32 قمرًا، تدور في مدارات محددة عبر ستة مستويات مدارية متنوعة حول الأرض. كل قمر صناعي يُعتبر جهازًا لقياس الوقت بدقة عالية، مجهزًا بساعة ذرية، ويتم التحقق من مداراته بانتظام عبر محطات أرضية. النظام الأميركي GPS، الذي بدأ كتقنية عسكرية، أُتيح للاستخدام العام كخدمة مجانية بعد حادث الرحلة 007 للخطوط الجوية الكورية في عام 1983. وعلى الرغم من أن إشارات GPS كانت مُعدلة في البداية لتكون أقل دقة للمستخدمين المدنيين، إلا أنها كانت كافية لتطبيقات الملاحة آنذاك.

أنظمة الطيران والـGPS 
بعد كارثة الرحلة 007 للخطوط الجوية الكورية، والتي كانت الحافز لجعل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) متاحًا للعامة، اعتمدت شركات صناعة الطيران على GPS بشكل واسع. فهو يستخدم بشكل رئيسي لتحسين دقة الملاحة وإضافة طبقة أخرى من الأمان. فالشبكة المعقدة من الممرات الجوية التي نستخدمها اليوم لم يعد من الممكن تحديدها باستخدام أجهزة الملاحة الأرضية القديمة.

أما في المطارات فيتم استبدال أنظمة الهبوط القديمة ILS بأخرى تعمل مع GPS. لكن الدقة الفعلية لنظام GPS لا تضاهي دقة ILS في الهبوط والإقلاع، لذا كان لا بد من دمج GPS مع أنظمة تعزيز إشارات الأقمار الصناعية. يطلق على أنظمة التعزيز هذه SBAS أي (Satellite-based Augmentation System) وGBAS أي (Ground-based Augmentation System). وعلى الرغم مما توحي به هذه الأسماء المختلفة، فإن SBAS وGBAS يعملان بطرق متشابهة جدًا. الفارق أن الأول موجود في الفضاء والثاني على الأرض قرب المطار.
يمكن بسهولة لهذه المحطات الارضية GBAS أن تكون سيفاً ذي حدين، حيث أن قدرة هذه الأنظمة التعزيزية على تقوية إشارات GPS يجعلها أداة للتشويش وحتى التزييف.

الطائرة بين التشويش والتزييف
في حين أن التشويش على نظام GPS قد يؤدي إلى تعطيله أو تأخيره أو منع وصول الإشارة، يعمل التزييف -كما يوحي اسمه- على إصدار إشارة وهمية تحمل بيانات غير صحيحة. وتكون تبعات استخدام الإشارة المزيفة أكثر خطورة. تحتوي الطائرات عادةً على أجهزة GPS متعددة على متنها، وذلك لضمان الاحتياط في حالة فشل واحد منها. ولذلك، عندما يقرأ كل من نظامي GPS الإشارة نفسها المشبوهة، قد لا يكتشفان أن هناك خللاً.

هنا يأتي دور أجهزة أخرى في الطائرة لإدارة الرحلة. غالبًا ما تكون هذه الأجهزة ذكية بما يكفي للكشف عن أي خطأ. على سبيل المثال، يمكن لبيانات GPS أن تتعارض منطقيًا مع سرعة وارتفاع الطائرة. حدث ذلك في رحلة طائرة Airbus A320 عندما كانت تحلق على ارتفاع 37,000 قدمًا، وذلك بفعل تشويش وتزييف واسع النطاق قامت به روسيا خلال حربها على أوكرانيا. في تلك الرحلة، تلقت الطائرة تحذيرًا خاطئًا بالاقتراب من الأرض، ولكن أنظمة الطائرة للأعطال تمكنت من كشف الخطأ الوارد في إشارة GPS وتجاوزها.

أنظمة احتياطية للملاحة
في ظل تصاعد التوترات العالمية والنزاعات العسكرية التي تهدد سلامة الطيران بسبب التشويش على أنظمة GNSS، ما زالت هناك وسائل متاحة تمكن الطيارين من الملاحة الآمنة نحو وجهاتهم. في لبنان، على سبيل المثال، تم اللجوء إلى تقنيات ملاحية تقليدية تعتمد على موجات الراديو لتوفير مراجع ثابتة للملاحة، خصوصاً خلال مراحل الإقلاع والهبوط. ومن بين هذه الأنظمة، يبرز نظام المدى العمودي عالي التردد (VOR)، الذي يستخدم الراديو في تحديد المواقع.

يُنظر إلى VOR كبديل احتياطي لنظام GPS في الملاحة الجوية، على الرغم من تقليص محطات VOR في مطارات العالم بسبب التكاليف العالية لتشغيلها. لكن مع تزايد حالات التشويش والتزييف لإشارات GPS المرتبطة بالصراعات، برزت أهمية هذه التقنيات الاحتياطية مجددًا كوسيلة لضمان وصول الطائرات بأمان إلى وجهاتها.

سابقًا، طورت وكالة ناسا نظامًا يعتمد على الموجات الميكروويفية لهبوط المركبات الفضائية بدقة عالية، وهو نظام لا يشمل العيوب المرتبطة بنظام GPS. لكن، بسبب التكاليف الباهظة، تخلت ناسا عن هذا المشروع واعتمدت في النهاية على نظام GPS.

في المحصلة، يتعين علينا الإقرار بالدور الحيوي الذي تلعبه أنظمة GNSS في حياتنا اليومية. إنها ليست مجرد تقنية تخص خدمات مثل خرائط غوغل وتطبيقات المواعدة وأنظمة الملاحة الجوية، بل هي أيضًا العمود الفقري لعدد لا يحصى من التطبيقات الرقمية التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية. تمتد فائدتها من دعم فرق الإغاثة في أوقات الأزمات إلى توجيه السفن، مما يجعل أنظمة GNSS بمثابة المنارة التي تنير دروب العالم الرقمي. لكن هذه الأنظمة تواجه تحديًا جوهرياً يتمثل في ضعف إشاراتها وبُعد مصدرها، مما يتطلب من أجهزة الاستقبال حساسية عالية لالتقاطها. هذه الحساسية المفرطة تجعلها عرضة للتشويش والتزييف، مما يستدعي بإلحاح البحث عن حلول لتعزيز أمان وموثوقية الملاحة العالمية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها