الإثنين 2023/12/25

آخر تحديث: 10:40 (بيروت)

التواصل الاجتماعي في زمن الحرب: جيل "زد" ينضج

الإثنين 2023/12/25
التواصل الاجتماعي في زمن الحرب: جيل "زد" ينضج
يظهر جيل "زد" انحيازه إلى المظلومين (Getty)
increase حجم الخط decrease

منذ عامين، اكتشفتُ مغني الراب الفلسطيني اللاجئ في غزة عبد الرحمن الشنطي، الذي يُعرف على يوتيوب باسم MC Abdul. كان مبهراً مستوى الأداء لشاب كان في الثانية عشرة من عمره آنذاك، وكذلك تمكنه من اللغة الإنجليزية في الغناء والتحدث. لفتت الحرب الحالية على غزة الأنظار مجدداً إلى هذه الموهبة الشابة، وانتشرت على يوتيوب الآلاف من فيديوهات "المراجعة" التي تحلل أغنياته ومعانيها وسياقها. ساهمت فيديوهات المراجعة هذه في كشف واقع الحياة في غزة قبل "7 تشرين"، باعتبارها أكبر سجن مفتوح في العالم. يغني "عبدول" في أحد أغانيه "Shouting At The Wall" التي أصدرها عام 2021 "هذه هي الحرب الرابعة في اثني عشر عاماً"، وهو يشير إلى عمره حينها. أعرب العديد من الأميركيين من خلال فيديوهات التحليل والمراجعة تلك عن تضامنهم مع المدنيين في غزة، وشعروا بصدمة ثقافية من تجربة الطفل "عبدول" الذي يستخدم لغتهم وثقافتهم لكي ينقل لهم مضموناً حقيقياً، ووجدوا صعوبة في تخيل أنفسهم مكانه أو التمتع بصلابته ونضجه.

الإعلام الجديد
مغني راب آخر برز مؤخراً كصحافي وهو البريطاني كريم دينيس الشهير بـ"Lowkey"، الذي كرس العقد الأخير من حياته لنصرة القضية الفلسطينية. لوكي (37 عاماً) يحظى بشعبية واسعة بين جيل "زد"، حيث يتجاوز عدد متابعيه على إنستغرام 350 ألف شخص. وهو يمتلك رؤية سياسية متميزة وحادة، ويعي جيداً كيفية عمل الإعلام البريطاني وارتباطاته المالية والسياسية. قام لوكي بنشر فيديو هام قبل أيام عن صلة بيرس مورغان وبن شابيرو وغيرهما بالمخابرات الإسرائيلية والمؤسسات التي تدعم الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. لوكي، على غرار باسم يوسف من قبله، استطاع أن يحجم بيرس مورغان في برنامجه، لأنه كان على دراية بأن مورغان يهدف إلى استجواب الضيوف من منظور أخلاقي وإجبارهم على القول بأشياء تنتهك قوانين بلادهم، وبالتالي يضعهم تحت ضغط مستمر خلال الحلقة. "إعلامك ليس إعلاماً بل إعلام شيرين أبو عاقلة..". هذا ما قاله لوكي لبيرس مورغان في برنامجه.

من الأمثلة الأخرى على الإعلام الجديد المستقل الداعم للفلسطينيين، اليساري الأميركي ذو الأصول التركية "حسن بايكر" المعروف باسم hasanabi وهو صحافي مطلع على التاريخ ويعلق يومياً على الأحداث في بثه على منصة تويتش التي يتابعه عليها 2.6 مليون مشترك و 1.3 مليون مشترك على يوتيوب.

تيكتوك وتقادم الدعاية الإسرائيلية
الدعاية الإسرائيلية على تيكتوك تنم عن جهل مخططيها بميول وتوجهات جيل "زد" الذي لا ينخدع برقصات جنودها المتكلفة. بل إن مؤيدي فلسطين على تيكتوك يكتسحون هؤلاء المهرجين بفارق كبير. وقد وصل الأمر إلى أن بعض اليمينيين الأميركيين والمشاهير الموالين لإسرائيل شنوا هجوماً على تيكتوك ووصفوها بأنها معادية للسامية وطالبوا بحظرها، رغم أن تيكتوك تمنع أي محتوى يؤيد حماس على منصتها. قبل مدة قدمت قناة "The Humanist Report" على يوتيوب في تقرير مفصل كيف أن الدعاية الإسرائيلية أصبحت موضع سخرية على تيكتوك، وأن السبب الرئيسي لذلك هو نضوج جيل "زد" وتعاطفه مع المظلومين في غزة بعد أن شاهدوا مشاهد الإبادة والدمار.

يوتيوبر إسرائيلي يتسلل إلى الضفة
من حيفا، يسافر "سالوكي" The Salukie إلى الضفة الغربية في زمن الحرب، متنكراً بجنسية أجنبية ليتفادى المخالفة القانونية. يقوم بتصوير فيديوهات عن الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعانون من الاضطهاد والظلم من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال. بدأ "سالوكي" قناته على يوتيوب كمسافر ومستكشف، يزور بلدان مختلفة ويتعرف على ثقافاتها وعاداتها. لكن عندما وصل إلى الضفة الغربية، تغيرت نظرته إلى الواقع الفلسطيني فأصبح مهتماً بالتاريخ والسياسة. يتحدث العربية بطلاقة بسبب أصوله العراقية، مما يسهل عليه التواصل مع الفلسطينيين.

في رحلاته إلى الضفة، زار "سالوكي" مخيمات اللاجئين في بلاطة وجنين متخفياً، تجول في أسواق نابلس وتذوق الكنافة، دخل مكتب قناة الجزيرة في رام الله، تحدث عن شيرين أبو عاقلة، الشهيدة التي قتلت برصاص الاحتلال. تظهر فيديوهات "سالوكي" جانباً إنسانياً للفلسطينيين، يعكس كرمهم وقيمهم وطموحاتهم، يسأل الأطفال عن أحلامهم ومستقبلهم.

بعد أن جمع فيديوهاته التي صورها في الضفة الغربية، قام "سالوكي" بإنتاج فيلم وثائقي عن فلسطين، وعرضه في مدينة تل أبيب. تعرض الشاب العشريني للضغوط والترهيب من قبل السلطات الإسرائيلية، التي اعتقلته وأودعته في مستشفى نفسي لمدة 18 يوماً.

بعد هذه الجولة الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي، لا بد من القول أن الحوافز المالية التي تعرضها إسرائيل على المؤثرين في هذه المنصات لكي يقوموا بدعمها، تنم عن جهل في كيفية عمل المنصات نفسها، فالمحتوى الجيد والأصلي يغني صاحبه عن الحاجة لهذه المغريات أصلاً. ورغم التحيز الواضح لمصلحة إسرائيل في كل من "ميتا" و"إكس" عبر حظر عبارات مثل "من النهر إلى البحر" و"انتفاضة"، لكن أغلبية الناس ترى غزة بعيونها وعيون المراسلين الذين يشبهون هذه الناس مثل أنس الشريف ووائل الدحدوح. لم تعد القسمة بين إعلام قديم وإعلام جديد، ولا بين الحياد والتحيز (فكلنا متحيزون)، القسمة اليوم هي بين الموضوعية والهلوسات، بين صورة وائل الدحدوح مستأنفاً عمله بعد تضميد جروحه وصورة "دانيال هاغاري" يشير إلى روزنامة على الحائط ويقول أنها لائحة بأعضاء حماس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها