"عودة" المخلوقات الفضائية.. والكونغرس يستمع لشهادات ضبّاط

منذ حادثة روزويل عام 1947 في ولاية نيو مكسيكو الأميركية، تنامى شعور لدى العديد من الأمريكيين بأن حكومتهم تخفي عنهم أسراراً تتعلق بمخلوقات فضائية زائرة، وشاعت في العالم قصص عن سرية "موقع 51" المطلقة واستحالة معرفة ما يُطبخ بداخله. على مر السنين تصاعدت نظريات المؤامرة وخفتت داخل الولايات المتحدة وخارجها، لكن بقيت مجموعة كبيرة من "هواة الكائنات الفضائية" تتغذى على روايات الشهود حول الأجسام الطائرة المجهولة UFO وقصص الاختطاف المزعومة من قبل مخلوقات فضائية.

شهادات ذات مصداقية؟
لسنين طويلة، وُصمت الشهادات والتقارير التي تتعلق برؤية الأجسام الطائرة المجهولة بأنها تنم عن جهل وانعدام ثقافة صاحبها وقلة معرفته العلمية. لكن في السنوات الأخيرة حصل تحول في طبيعة الأشخاص الذين تقدموا للإبلاغ عن مشاهدتهم أجسام طائرة مجهولة UFO والتي أصبحت تعرف بإسم الظواهر الجوية المجهولة UAP، أو للإبلاغ عن برامج حكومية سرية متعلقة بهذا الأمر. طيارون وضباط عسكريون وأمنيون ذوو رتب عسكرية عالية، وُصفوا بأنهم شهود موثوقون لا تنطبق عليهم وصمة الماضي. ولكن هل تكفي مشاهدات شهود العيان لتكون دليلاً علمياً؟ بمعزل عن مصداقية وموثوقية الأشخاص، فإن شهادة شاهد العيان تحتل قعر ما يمكن اعتباره أدلة علمية، ذلك أن الادعاءات غير العادية تحتاج إلى أدلة حاسمة وغير عادية أيضاً.

جلسات استماع متلفزة
في الأسابيع القليلة الماضية ظهر ضابط سلاح الجو الأميركي والمسؤول الاستخباراتي السابق ديفيد جروش David Grusch على وسائل إعلامية مختلفة، وأدلى بشهادته في جلسة استماع للكونغرس الأميركي مع إثنين آخرين. زعم جروش أنه أجرى محادثات مع مسؤولين لم يكشف عن هويتهم أدت به إلى الاعتقاد بأن الحكومة الفدرالية الأميركية تدير برنامجاً سرياً لاسترداد الأجسام الطائرة المجهولة (UFO أو UAP) وأنها تمتلك مركبات "غير بشرية" بالإضافة إلى "طياريها الميتين".

في جلسات الاستماع، جلس على منصة الشهود إلى جانب جروش كل من رايان غرايڤز طيار البحرية السابق، والذي أسس جمعية لدعم الطيارين الذين تقدموا للإبلاغ عن الـUAP، وديفيد فرايڤور القائد المتقاعد في البحرية الأميركية، الذي شهد بشكل مباشر على حادثة ما يعرف بالـTic-Tac event.

في جلسات الاستماع كان لافتاً كيف أن النواب الجمهوريين والديمقراطيين على السواء يتعاملون مع الشهود باحترام كبير وتقبل ملفت. جلّ اهتمام النواب تركز على معرفة ما يمكن معرفته حول البرامج السرية، وإذا تم ارتكاب جرائم من قبل هذه المنظمات، بهدف إخفاء أدلة أو حقائق معينة. بالنسبة للكونغرس، الأمر يتعلق بالأمن القومي أولاً، أما بالنسبة للشاهد جروش فهو يقدم حكاية ذات سيناريو متكامل ومحدد، لا تستطيع الأخذ بجزء منها دون الآخر.

شهادة جروش
أمام لجنة الكونغرس برز جروش بمظهر مستعد، حيث نظم ملفاته بعناية أمامه. قام بتكرار روايته من مقابلة News Nation، لكن بحذر أكبر هذه المرة كون شهادته تندرج تحت القسم. أبدى انتباهاً خاصاً لعدم الكشف عما يعتبره أموراً سرية ذات صلة بالأمن القومي أو ما هو غير مناسب للعامة، مؤكداً أنه يمكنه مشاركة بعضاً من هذه المعلومات مع أعضاء مجلس النواب بعد انتهاء الجلسة.

لم يدّع جروش في أي وقت أنه شاهد أي من حطام المركبات التي ادعى وجودها، ولم تكن له أي تجربة مباشرة مع ظواهر الـUAP، هو فقط "كاشف فساد" whistleblower ولديه معلومات حصل عليها من أشخاص آخرين خلال عمله لمدة 14 عاماً في البنتاغون.
ادعى جروش بأن الحكومة الفيدرالية الأميركية تشرف على برنامج سري امتد لثمانين عاماً يهدف لاسترداد الأجسام الطائرة المجهولة، ويزعم بأنها تملك أجزاء من مركبات تحمل تكنولوجيا "غير بشرية" إضافةً إلى جثث بيولوجية غير بشرية. كذلك أشار إلى أن هناك أفراداً ربما قد قُتلوا على يد هذه المخلوقات أو على يد الأشخاص المشرفين على البرنامج السري، بهدف التستر على هذه الأنشطة. هذه الادعاءات تبدو غير متناسبة مع حقيقة أن جروش لم يشاهد أي من هذه الأمور بنفسه.

كيف تكون الأدلة علمية
عالم الفلك ورئيس فريق دراسة الظواهر الجوية المجهولة (UAP) في وكالة ناسا ديفيد سبرغيل David Spergel، علق على جلسات الاستماع الـUAP في الكونغرس، قائلاً: لقد اطلعنا على التقارير المقدمة، وأول ما صعقنا هو انعدام جودة البيانات، فلا يمكنك أن تحدد مصداقية الصورة من دون معرفة مصدرها. وكل الصور التي تم تصويرها بواسطة مقاتلات حربية تعتبر صوراً سرية classified، ليس بسبب ما تعرضه الصورة بل بسبب الأداة التي تم بها التصوير. وأضاف سبرغيل بتهكم: ربما يجدر بالبحرية الأميركية ربط ايفون 6 على مقدمة الطائرات الحربية فنحصل بالتالي على صور لـUAP عالية الجودة بدلاً من الصور غير الواضحة بالأسود والأبيض التي لا يمكنها أن تكون دليلاً علمياً.
اقترح سبرغيل أيضاً إنشاء تطبيق للهاتف خاص بالإبلاغ عن ظواهر الـUAP حيث يمكّن المستخدم من تسجيل فيديو أو تصوير صور مع metadata تتضمن الموقع والوقت، ويمكن مقارنة عدة صور تم أخذها من عدة مواطنين من زوايا مختلفة لكل ظاهرة أو جسم غريب، فيتم بالتالي احتساب الارتفاع والسرعة والحجم إلى ما هنالك من معلومات قيمة غير قابلة للتعديل أو التلاعب.

إن انتشار "حمى الـAliens" في وسائل الإعلام يبدو بدافع التسويق، ولكنه يسهم في التخفيف من التنميط السلبي الذي يواجهه الأفراد الذين يتقدمون بالإبلاغ عن جسم غريب أو ظاهرة غير اعتيادية في السماء. 

لفهم مسألة الـUAP بشكل علمي ومحايد، لا بد من الفصل بين ما هو عسكري وأمني وما هو تشويق إعلامي، وما هو علمي مرتكز على أدلة لا تقبل الدحض. بالتالي، فإن مجرد مشاهدة جسم طائر مجهول (UFO) لا يعني بالضرورة وجود مركبة بتقنيات غير بشرية. يظل الجسم مجهولاً حتى يتم تحديد هويته بأدوات علمية وبيانات موثوقة، بدلاً من الاعتماد على حواسنا أو إسهاب الحديث عن موثوقية الأشخاص.
أما المجتمع العلمي فهو يتناول بهدوء وحزم الادعاءات حول وجود تقنيات غير البشرية أو مخلوقات غريبة تكبدت عناء السفر بين المجرات، ثم تحطمت مركبتها لسوء الحظ في العشرة أمتار الأخيرة!