الأحد 2023/10/08

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

بعد "المثابرة" و"الإبداع": إعادة عينات المريخ تتعثر

الأحد 2023/10/08
بعد "المثابرة" و"الإبداع": إعادة عينات المريخ تتعثر
سيكلف مشروع جلب عينات المريخ ما بين 8 مليارات و 11 مليار دولار (Getty)
increase حجم الخط decrease

بيرسفيرنس روفر (Perseverance Rover) أو "المثابرة" هي المركبة المتجولة الأخيرة التي هبطت على سطح المريخ. بيرسفيرنس ليست مركبة عادية ذهبت لتلتقط بعض الصور للكوكب الأحمر، بل هي مختبر علمي متطور يحمل أحدث الأجهزة التي صممها خبراء ناسا، لتقوم بمهمة العثور على آثار حيوية في صخور المريخ، التي يُظن أنها كانت موجودة عندما كان هناك ماء على سطح الكوكب قبل 3 مليارات سنة.

الإبداع
هبطت مركبة بيرسفيرنس على سطح المريخ بعد رحلة طويلة. بعد ساعات من هبوطها وبعد إجراء الفحص الشامل لأجهزتها، أنجبت إنجينويتي (Ingenuity) أو "الإبداع"، خرجت الهليكوبتر الصغيرة من بطن المركبة حرفياً وكأنها ولادة حقيقية. لقد كانت أول طائرة تحلق في عالم غريب.

إنجينويتي هي طائرة "بسيطة" تحمل لوحة شمسية تمدها بالطاقة وبطارية ليثيوم وكاميرا، ذات مروحتين تدوران بسرعة عالية. وهي على اتصال بالروفر، يستقبل إشاراتها ويرسلها إلى مركز التحكم على الأرض.

رغم بساطتها فإن ما يجعلها إسماً على مسمى، أنها تستطيع الطيران في غلاف جوي يوازي 1% من كثافة الغلاف الجوي على الأرض. تزن إنجينويتي  1.5 كلغ فقط، وباستطاعتها التحليق على ارتفاع عشرة أمتار. ربما لو كانت على الأرض لتمكنت من حمل 150 كلغ.

مهمة إنجينويتي الأساسية هي مساعدة بيرسفيرنس في استكشاف الطريق الأمثل، وتجنب الصخور الحادة والكثبان الرملية. كان من المخطط أن تحلق خمس مرات فقط، لكنها أدهشت الجميع بأدائها، وحلقت أكثر من 60 مرة في سنتين.

تقنيات بيرسفيرنس
تستخدم بيرسيفيرنس نظاماً متطوراً لتخزين وحفظ العينات التي تجمعها من سطح المريخ. هذا النظام يتضمن مجموعة من الأدوات والأجهزة التي تعمل معاً، لحفر وتحليل وتغليف وتخزين العينات في أنابيب خاصة مصممة لحماية العينات من التلوث وتدهور تركيبتها.

تعلم مهندسو ناسا من التجارب السابقة كيف يحسنون من جودة المواد وكفاءة المركبة، خصوصاً الدواليب بعد أن تضررت في الماضي دواليب Curiosity بسبب تضاريس المريخ عندما كانت تجول عليه. ومن الطرائف أن حجراً ظل معلقاً في دولاب بيرسفيرنس لشهور، وكان الفريق يتابعه يومياً ويسميه الراكب المجاني، وأصبح مصدراً للـmemes على الإنترنت.

تعتبر بيرسفيرنس مركبة ضخمة وهي بحجم سيارة رباعية الدفع تقريباً، فإلى جانب ذراع الحفر الذي يمكنه التنقيب برؤوس متعددة وأجهزة تحليل الصخور بالأشعة السينية، وأجهزة تخزين العينات، وأجهزة تحليل تركيبة هواء المريخ، تم تجهيزها بـ23 كاميرا وميكروفونات، مكنتنا من سماع صوت المريخ للمرة الأولى. تعمل المركبة بطاقة مولد بلوتونيوم، وهي المركبة الثانية التي تستخدم هذا النوع من الطاقة بعد مركبة Curiosity، في حين كانت المركبات السابقة تستخدم الطاقة الشمسية.

كل هذه التقنيات مبهرة، لكن الجهاز الأكثر إبهاراً على الإطلاق في بيرسفيرنس هو الكمبيوتر وبرنامج الذكاء الاصطناعي الذي تحمله. فقد استطاعت الهبوط في فوهة جيزيرو حيث تكثر الصخور، لكنها بمساعدة الذكاء الإصطناعي اختارت منطقة ملساء خالية من المعوقات. هذا البرنامج الذي يساعدها أيضاً على تجنب الحواجز والالتفاف من حولها، ورسم مسار افتراضي نحو هدفها التالي. وتجدر الإشارة هنا أن بيرسفيرنس حطمت الأرقام القياسية على سطح المريخ إن الناحية السرعة أو المدى، حيث قطعت 500 متر في رحلة واحدة.

التحكم عن بعد
لدى بيرسفيرنس شقيقة توأم تتواجد في مركز Jet Propulsion Laboratory التابع لناسا في جنوب كاليفورنيا. تُستخدم هذه النسخة المطابقة لإجراء الاختبارات، والتأكد من كيفية تجاوب المركبة مع جدول التعليمات التي ترسل بشكل شبه يومي إلى بيرسفيرنس، عبر شبكة الإتصال المعروفة بإسم Deep Space Network.

يبدأ يوم فريق العمل بالاجتماع لتحليل الداتا التي تم تحميلها من بيرسفيرنس في اليوم السابق، ثم تحديد خطوات المركبة اللاحقة التي يجب إرسالها. يقوم بعد ذلك عدد من العلماء والمهندسين بتحضير هذه الخطوات كل حسب اختصاصه، مثل تحديد مسار الرحلة أو البحث عن عينات صخور محددة أو إعطاء إنجينويتي أمراً بالطيران إلخ. بعدها يقوم فريق البرمجة بكتابة الكود كما تفهمه بيرسفيرنس، ثم يتم فحص الكود على المركبة التوأم. بعد كل هذا، يجتمع الفريق مجدداً للتأكد من جودة التقرير النهائي، ليتم بعدها إرسال التعليمات إلى الفضاء بواسطة شبكة DSN. تستغرق الإشارة من مركز التحكم إلى بيرسفيرنس من 5 إلى 20 دقيقة.
هناك استحالة للتحكم المباشر بالمركبة حتى في أقرب نقطة بين الأرض والمريخ. لذا يتم التحكم عن بعد مجازياً على مرحلتين، إرسال التعليمات واستقبال البيانات، وتكون المركبة في حال سبيلها بين هاتين المرحلتين.

مهمة بيرسفيرنس
حققت بيرسفيرنس إنجازات واكتشافات عديدة في فوهة جيزيرو، ووصلت إلى الدلتا حيث يعتقد أنها كانت ممراً مائياً إلى بحيرة الفوهة. لقد قامت بجمع وتخزين عيّنات من أماكن مختلفة، وإيجاد أدلة على وجود ماء قديم، وتغلبت على العواصف الغبارية وكل التحديات التقنية. 

لقد قامت المركبة بتخزين العيّنات، وإبقاء نصفها بداخلها وإلقاء النصف الآخر على سطح المريخ في أماكن محددة، ليتم التقاطها لاحقاً، وهي مجموعة عينّات مطابقة للنصف الأول.

رغم أن المركبة تعتبر مختبراً على دواليب، إلا أن أي نتائج ترسلها لا يمكن اعتبارها دليلاً علمياً، ما لم يتم التحقق منها عدة مرات بواسطة مختبرات مستقلة.

لهذا تعتزم وكالة ناسا إعادة عينات المريخ إلى الأرض في مهمة تاريخية، تتطلب تعاوناً دولياً وابتكاراً تقنياً غير مسبوق، يتضمن إرسال مركبة تجمع هذه العينات وتضعها في صاروخ على متنها وتطلقه عن سطح المريخ. ورغم أن هذه المهمة تبدو واعدةً من الناحية التقنية حتى الآن، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالميزانية والجدول الزمني والتنظيم.

مهمة MSR بخطر
تعتبر ناسا أن إعادة عينات المريخ بالتعاون مع الوكالة الأوروبية للفضاء، هي أولوية في استكشاف المريخ الذي يعتبر الوجهة التالية الرحلات المأهولة بعد أرتميس. تتطلب هذه المهمة ما بين 8 مليارات و 11 مليار دولار، إذا ما أرادت ناسا تنفيذها بشكل واقعي في عام 2030.

هناك مخاوف أثيرت من جهات عديدة حول ميزانية مهمة إعادة عينات المريخ MSR، وأن تكاليفها المتزايدة قد تؤثر على المشاريع والأولويات الأخرى على المدى الطويل. مؤخراً هدد أحد النواب بالعمل على إلغاء مهمة MSR، في حين من المنتظر أن يحدد الكونغرس الأميركي قريباً جلسة استماع، تقوم الناسا من خلالها بتبرير أهمية المشروع العلمية، وتأثيره على حياة البشر وأحقية الأموال المنفقة عليه.

مهما كان مسار مهمة MSR، فإن مجرد التفكير باكتشاف آثار للحياة على المريخ قبل مليارات السنين، سيكون أعظم اكتشاف عرفته البشرية. الحياة متوفرة هنا وبكثرة، لكن الأرض بطبيعتها لا تحتفظ بالأدلة بسبب حركتها التكتونية، فكل الأدلة الجيولوجية عن نشأة الحياة قبل 4.6 مليار سنة قد طُمست على الأرض، لكنها قد تكون حفظت هناك على الكوكب الأحمر حيث تجمد الزمن وكأنه البارحة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها