الثلاثاء 2022/09/06

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

طريق بعلبك يتحول "مصيدة": عصابة تقتل تاجراً من عرسال

الثلاثاء 2022/09/06
طريق بعلبك يتحول "مصيدة": عصابة تقتل تاجراً من عرسال
الحادثة ليست الأولى التي يتعرض لها تجار عرسال والعاملين في مقالعها (المدن)
increase حجم الخط decrease
في متابعة لمسلسل التفلت الأمني، الذي ما عاد يجد له رادعاً، لا سياسياً ولا أمنياً ولا حتى أخلاقياً، اعترضت مجموعة من قطّاع الطرق ليل أمس الاثنين، ثلاثة شبان من بلدة عرسال في شمال منطقة البقاع، كانوا عائدين مع غلة من بيع حجارة الزينة بعد يوم عمل مرهق. فقتلت أحدهم، وأصابت الثاني برجله، وأصرت على عدم مغادرة مسرح الجريمة إلا مع الغلة التي كانت تطمع بها من عرق جبين الضحايا.

كمين قاتل
محمد نايف رايد شاب ثلاثيني كان الضحية هذه المرة لكمين مسلح نفذ على طريق عام بعلبك- اللبوة بمحلة يونين، بينما كان عائداً مع كل من إبني بلدته عرسال، نايف حسين رايد، وحسين صالح رايد، من رحلة إلى الجنوب استغرقتهم نحو عشر ساعات ذهاباً وإياباً، حيث أفرغوا حمولتهم من حجارة الزينة التي يتعاطى كل من نايف وحسين بتجارتها، عائدين بثمنها الذي قدر بنحو ستين ألف دولار. وعلى بعد كيلومترات قليلة من بلدتهم عرسال، اختار مجموعة من البلطجية أن ينهوا رحلتهم بمأساة، فتعقبوا سيارة ضحاياهم، وطاردوهم، وعندما وقعت المواجهة معهم قتلوا أحدهم واستمروا بإطلاق النيران تصويباً وليس تخويفاً. إذ ذُكر أن نايف أصيب بطلق ناري في رأسه، ليستولوا على كامل المبلغ الذي كان بحوزتهم مخلفين نايف رايد مع إصابة برجله أيضاً فيما نجا حسين بأعجوبة.

إذاً، وعكس الروايات الشائعة، عمل الصيرفة ليس السبب الوحيد وراء مقتل نايف، الذي تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً له وهو يمتشق السلاح حين كان يعمل مرافقاً أمنياً للنائب السابق جمال الجراح.

بل ذكرت المعلومات أن نايف الذي يعمل أيضاً كصراف في منطقة شتورا، كان متواجداً مع إبني بلدته، اللذين قاما بتصريف مبلغ من المال، نشروا صوراً لهم مزهوين بالأموال على مجموعات تضم صرّافين، الأمر الذي دفع للتربص بهم من قبل أفراد عصابات  كمنوا لهم ابتداءً من شتورا، بعد أن كانوا عالمين بالمبلغ الذي بحوزتهم.

الحادثة ليست الأولى التي يتعرض لها تجار عرسال والعاملين في مقالعها. بل تكر سبحة الأخبار عن اعتداءات مشابهة تعرض لها العديد من أبناء عرسال، بينما كانوا في طريق عودتهم على طرقات بعلبك، التي تحولت إلى مصيدة للضحايا من كل الطوائف. فمن مفرق رياق حتى الهرمل بات القلق من السلب المسلح يرافق معظم من يجتازون المسافات الطويلة الفاصلة بين البلدات، ولم تفض الشكاوى التي تقدم بها الضحايا إلى استرداد ولو جزء من حقوقهم، أو أقله القبض على فرد واحد من قطاع الطرق.

تطول قصص الضحايا وتتنوع، وتتحدث المصادر أيضاً أنه في بعض الأحيان تخطئ توقعات قطاع الطرق حول الأموال المحملة، فيقتصون من ضحيتهم بالتعدي أما عليه شخصياً أو على ممتلكاته.

مسلسل طويل
وما حصل ليل أمس الاثنين، كما تؤكد المصادر، ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل، لا يطال فقط أبناء بلدة عرسال، بل يكاد "بيزنس" السطو والتشليح والتهريب والإتجار بالمخدرات يتحول إلى حلقة لاقتصاد متنام في المنطقة، يحظى بحماية بعض المجتمعات، التي تحمي ظهر المعتدين وتؤمن لهم البيئة الحاضنة. بيئة تمتدح المعتدين لـ"أعمالهم الخيرة" تجاه أبناء بلدتهم والمحيطين بهم.

إلا أن المخيف في الاعتداء هذه المرة أن سقوط قتيل أثناء عملية المواجهة مع المعتدين لم يردعهم عن إتمام عمليتهم، بل أصروا على عدم مغادرة مسرح جريمتهم إلا مع الأموال التي كانت بحوزة الضحايا، مخلفين وراءهم بحراً من الدماء.

تتحدث أوساط عرسالية في المقابل عن المأساة المستمرة لأهالي البلدة، الذين يُحسدون على حجر الزينة والمقالع والمراعي الموجودة في جرود بلدتهم، فيما أهالي عرسال العاملين في هذه المصالح تكاد أرباحهم لا توازي حجم التعب والمخاطر التي يتعرضون لها. إذ لا يوجد شخص يعمل في هذه المقالع إلا وأصيب بعطل دائم في أحد أطرافه أو حواسه. وتقول الأوساط أنه لو كانت أرباح هذه المقالع كبيرة فعلاً لوجدنا منازل البلدة ملبسة بحجر الزينة، بينما أهالي عرسال يبيعون هذا الحجر ولا يطمحون بتلبيسه لحيط من حيطان منازلهم الإسفلتية.

عصابات محمية
وتأسف هذه الأوساط لطريقة تعاطي الأجهزة الأمنية مع قطاع الطرق، على رغم ما قد تتسبب به بعض الاعتداءات من تشنجات بين أبناء القرى المتجاورة. فغالباً ما يختتم محضر الشكوى المقدم من الضحايا بتسجيل إفادة المعتدى عليه من دون أي متابعة، لا بل يحث بعض الضباط الأمنيين المعتدى عليهم على أخذ حقهم بيدهم، لاعتبارهم بأن هذه العصابات عصية على القانون، بينما لا يلمس أي من الضحايا جدية كافية من قبل الأجهزة الأمنية لردع العصابات ولو لمرة واحدة.

هذا في وقت يؤكد الكثيرون أن أفراد العصابات ورؤوسها معروفون تماماً. وبعضهم يتحرك بحرية تامة في مجتمعاتهم، التي تتحمل برأيهم جزءاً من مسؤولية حمايتهم، وخصوصاً تلك العصابات المتواجدة داخل بيئة الثنائي الشيعي، الذي يملك برأيهم قوة ردع هؤلاء لو شاء، معترفين بذلك بانعدام الثقة بالدولة وأجهزتها، وبإمكانياتها في هذه المنطقة.

فهل يكون سقوط قتيل جديد هذه المرة دافعاً كافياً لردع هذه العصابات ولو لمرة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها