إذاً، وعكس الروايات الشائعة، عمل الصيرفة ليس السبب الوحيد وراء مقتل نايف، الذي تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً له وهو يمتشق السلاح حين كان يعمل مرافقاً أمنياً للنائب السابق جمال الجراح.
بل ذكرت المعلومات أن نايف الذي يعمل أيضاً كصراف في منطقة شتورا، كان متواجداً مع إبني بلدته، اللذين قاما بتصريف مبلغ من المال، نشروا صوراً لهم مزهوين بالأموال على مجموعات تضم صرّافين، الأمر الذي دفع للتربص بهم من قبل أفراد عصابات كمنوا لهم ابتداءً من شتورا، بعد أن كانوا عالمين بالمبلغ الذي بحوزتهم.
الحادثة ليست الأولى التي يتعرض لها تجار عرسال والعاملين في مقالعها. بل تكر سبحة الأخبار عن اعتداءات مشابهة تعرض لها العديد من أبناء عرسال، بينما كانوا في طريق عودتهم على طرقات بعلبك، التي تحولت إلى مصيدة للضحايا من كل الطوائف. فمن مفرق رياق حتى الهرمل بات القلق من السلب المسلح يرافق معظم من يجتازون المسافات الطويلة الفاصلة بين البلدات، ولم تفض الشكاوى التي تقدم بها الضحايا إلى استرداد ولو جزء من حقوقهم، أو أقله القبض على فرد واحد من قطاع الطرق.
تطول قصص الضحايا وتتنوع، وتتحدث المصادر أيضاً أنه في بعض الأحيان تخطئ توقعات قطاع الطرق حول الأموال المحملة، فيقتصون من ضحيتهم بالتعدي أما عليه شخصياً أو على ممتلكاته.
مسلسل طويل
وما حصل ليل أمس الاثنين، كما تؤكد المصادر، ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل، لا يطال فقط أبناء بلدة عرسال، بل يكاد "بيزنس" السطو والتشليح والتهريب والإتجار بالمخدرات يتحول إلى حلقة لاقتصاد متنام في المنطقة، يحظى بحماية بعض المجتمعات، التي تحمي ظهر المعتدين وتؤمن لهم البيئة الحاضنة. بيئة تمتدح المعتدين لـ"أعمالهم الخيرة" تجاه أبناء بلدتهم والمحيطين بهم.
إلا أن المخيف في الاعتداء هذه المرة أن سقوط قتيل أثناء عملية المواجهة مع المعتدين لم يردعهم عن إتمام عمليتهم، بل أصروا على عدم مغادرة مسرح جريمتهم إلا مع الأموال التي كانت بحوزة الضحايا، مخلفين وراءهم بحراً من الدماء.
تتحدث أوساط عرسالية في المقابل عن المأساة المستمرة لأهالي البلدة، الذين يُحسدون على حجر الزينة والمقالع والمراعي الموجودة في جرود بلدتهم، فيما أهالي عرسال العاملين في هذه المصالح تكاد أرباحهم لا توازي حجم التعب والمخاطر التي يتعرضون لها. إذ لا يوجد شخص يعمل في هذه المقالع إلا وأصيب بعطل دائم في أحد أطرافه أو حواسه. وتقول الأوساط أنه لو كانت أرباح هذه المقالع كبيرة فعلاً لوجدنا منازل البلدة ملبسة بحجر الزينة، بينما أهالي عرسال يبيعون هذا الحجر ولا يطمحون بتلبيسه لحيط من حيطان منازلهم الإسفلتية.
عصابات محمية
وتأسف هذه الأوساط لطريقة تعاطي الأجهزة الأمنية مع قطاع الطرق، على رغم ما قد تتسبب به بعض الاعتداءات من تشنجات بين أبناء القرى المتجاورة. فغالباً ما يختتم محضر الشكوى المقدم من الضحايا بتسجيل إفادة المعتدى عليه من دون أي متابعة، لا بل يحث بعض الضباط الأمنيين المعتدى عليهم على أخذ حقهم بيدهم، لاعتبارهم بأن هذه العصابات عصية على القانون، بينما لا يلمس أي من الضحايا جدية كافية من قبل الأجهزة الأمنية لردع العصابات ولو لمرة واحدة.
هذا في وقت يؤكد الكثيرون أن أفراد العصابات ورؤوسها معروفون تماماً. وبعضهم يتحرك بحرية تامة في مجتمعاتهم، التي تتحمل برأيهم جزءاً من مسؤولية حمايتهم، وخصوصاً تلك العصابات المتواجدة داخل بيئة الثنائي الشيعي، الذي يملك برأيهم قوة ردع هؤلاء لو شاء، معترفين بذلك بانعدام الثقة بالدولة وأجهزتها، وبإمكانياتها في هذه المنطقة.
فهل يكون سقوط قتيل جديد هذه المرة دافعاً كافياً لردع هذه العصابات ولو لمرة؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها