الأربعاء 2022/08/17

آخر تحديث: 19:41 (بيروت)

هناء خضر استسلمت لحروقها: مسلسل الوحشية ضد النساء يتفاقم

الأربعاء 2022/08/17
هناء خضر استسلمت لحروقها: مسلسل الوحشية ضد النساء يتفاقم
ينضمّ اسم هناء لقافلة النساء المعنفات المقتولات (السوشيال ميديا)
increase حجم الخط decrease

بعد ما يقارب عشرة أيام على نقلها إلى مستشفى السّلام في طرابلس، فارقت الشّابة العشرينية هناء محمد خضر الحياة حوالى السّاعة الواحدة من ظهر اليوم الأربعاء، متأثرة بآلامها وحروقها الخطيرة، بعد أن قام زوجها، عثمان عكاري، من محلة باب الرَمل في طرابس، شمالي لبنان، بإضرام النار بزوجته الحامل في الشهر الخامس، داخل مطبخ منزلهما، بسبب مشادات كلامية حصلت بينهما، لإجبارها على إجهاض جنينها، بحجة الضائقة المالية، وذلك بتاريخ 6 آب الجاري.

والحادثة المروعة بكل ما تحمله من ملابسات وشبهات، قد أثارت جدلاً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما تداول البعض مقاطع فيديو وصور لعملية الإحراق التّي وثقها الزوج عند قيامه بالإعتداء عليها جسديًا ولفظيًا ثم بحرقها، وساد جوّ من الغضب العارم في أوساط المواطنين، فضلاً عن الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان والمرأة، خصوصاً أن الشّابة التّي تبلغ الواحد والعشرين من عمرها، قد أجبرت على الزواج، وهي قاصر ولا يتعدى عمرها الأربعة عشر عامًا.

ملابسات الحادث
يبدو أن مسلسل العنف الأسري في لبنان قد تطور ليشمل أساليب جديدة لتعذيب وإذلال الضحايا من النساء، بقصد التشفي وانتهاك الكرامة الإنسانية، بل وبات حدثًا دوريًا ومكرراً في مختلف المناطق (راجع "المدن"). فهناء التّي قررت الانفصال عن زوجها وهربت إلى منزل والدها قبل أيام من اعتداء الزوج الوحشي عليها، بسبب العنف المستمر وسوء المعاملة، فضلاً عن كونه مدمناً للكحول والممنوعات، كما أشار مقربون من العائلة لـ"المدن"، الذين أكدوا بأن الزوج قد قام باستدراج هناء، للرجوع إلى منزلهما ليلة الاعتداء، طالبًا منها الصلح، وتحت تهديد السّلاح! وإذ به يقفل عليها أبواب المنزل ويقوم بحبسها داخل المطبخ وانهال عليها ضرباً بالعصا وتسديد اللكمات على مرأى من والدته، ليقوم لاحقًا بحرقها ثلاث مرات بقارورة الغاز المشتعلة. ووثق فعلته هذه عبر تقنية الفيديو.

وقد حاولت هناء الهرب عبر القفز من نافذة المطبخ والنيران مشتعلة في جسدها، محاولة إطفاء نفسها من خلال التدحرج على التراب والرمل قرب منزلهما. لكن الزوج عثمان عكاري كان يلاحقها بإسطوانة الغاز، وقام بالدوس على بطنها للتأكد من إجهاضها الجنين قائلاً: "بدي شوهك وعلمك كيف تطلبي الطلاق مرة ثانية"، وذلك حسب ما أشار قريب لهناء في حديثه مع "المدن"، والذي أكدّ أن والدة الزوج هي شريكته في الاعتداء الإجرامي، والشهود من الجيران وعائلة الزوج لم يتحركوا بالرغم من كونهم وقفوا ليشاهدوا هناء تحترق. وقد أكدّت مصادر "المدن" الأمنية في طرابلس توقيف الزوج الذي هو قيد التحقيق اليوم.

وسرعان ما نُقلت الضحية لمستشفى السّلام في طرابلس، بعدما زحفت نحو مركز الصليب الأحمر المحاذي لمنزلها الزوجيّ، بحروق من الدرجة الثالثة، تغطي مئة في المئة من جسدها حتى تحولت إلى معالم بشرية مجهولة، وقبل وصولها أجهضت هناء جنينها على الطريق. وفي هذا السّياق يُشير الدكتور غابريال السّبع مدير عام المشفى ومسؤول قسم الجراحة والذي تابع حالة هناء منذ وصولها: "وصلت الشّابة السّبت الماضي بحالة حرجة جدًا. فقد كان جسدها متفحمًا، والحروق التّي أصيب بها بحاجة لمعجزة كي تشفى، ناهيك عن الفرص شبه المستحيلة لإنقاذ حياتها، وقد خضعت طيلة فترة العلاج والإنقاذ لأهم وسائل الإنعاش والجراحة". وأضاف "عائلة الضحية في حالة مادية متعثرة جدًا، ولم يتمكنوا من تسديد فاتورة العلاجات والتّي تجاوزت الثمانية آلاف دولار أميركي، وقد ناشدوا أصحاب الأيادي البيضاء لمساعدتهم، وجُمعت التبرعات التّي غطت تقريبًا نصف المبلغ، وقد حاولت المشفى تخفيض الفاتورة نظرًا لظروف الحالة الإنسانية".

ثأر عائلة هناء
وهناء خضر هي أمّ لطفلين، فتى بعمر الأربعة سنوات وطفلة بعمر السنتين. وهي بالأصل من عرب العشائر الذي يسكنون في وادي خالد، وقد تزوجت بعثمان عكاري منذ ست سنوات -كان عمرها لا يتجاوز الأربعة عشر عامًا-  تحت ضغط والدها الذي انتزعها من زوجته السّابقة، وقد كانت تتعرّض منذ سنوات للعنف المعنوي والجسدي، والتهديد المستمر بالقتل من قبل زوجها وعائلته، كما أشارت والدة الضحية عائشة الشّيخ في مقابلات صحافية سابقة، والتّي صرّحت بأن الزوج قد حرم الضحية من التواصل معها منذ ستة أشهر. والضحية حاولت مرارًا الانفصال عن زوجها غير أنّه كان يهددها بحرمانها من طفليها وإلحاق الاذى بهما.

يُذكر أن الطفلين الآن في منزل أهل الزوج ولا معلومات إضافية عن مصيرهما.

وحسب المقربين من عائلة الضحية، فإن العائلة تنويّ الأخذ بثأرها من الزوج بوصفهم من العشائر العربية، وذلك بعد تشييع إبنتهما ودفنها في مسقط رأسها وادي خالد- عكار، شمالي لبنان، اليوم. وللآن لم يتابع القضية أي وكيل قانوني أو محام لأن عائلة الضحية من المتعثرين ماليًا، والتركيز الآن على سداد ما تبقى من الفاتورة الاستشفائية المتوجبة عليهم. وقد تمنى المقربون من العائلة أن تأخذ العدالة مجراها ويُحاسب الزوج على جريمته الوحشية بالقصاص العادل والمُعبر.

اسم جديد في سجل الضحايا
في حين أسلّمت هناء روحها، بعد منازعة آلامها وحروقها العميقة، لإثني عشرة يومًا، وأودعت الثرى في مدفن قريتها في وادي خالد، تاركةً وراءها عائلة مفجوعة وطفلين لمصيرهما المجهول، ينضمّ اسم هناء لقافلة النساء المعنفات اللواتي قُتلن بغير حق أو مسوغ سوى واقع إرتهانهن للأوصياء عليهن من الرجال، المبدأ الذي كرسته المنظومة الأبوية القاتلة في لبنان. فحياة النساء في لبنان اليوم في خطر كبير وداهم، وفي ظلّ غياب أجهزة المحاسبة القضائية والأمنية، والخوف الدائم على مصيرهن وكرامتهن قد بات آلية الدفاع والمواجهة الوحيدة لهذا الواقع الصفيق. والتعويل اليوم على الجسم القضائي والأمني في طرابلس للبت في الحكم العادل، وإنتزاع طفلي هناء من كنف العائلة التّي كانت شريكة في قتلها، وإيداعهم في المكان الصحيّ والسّليم والآمن، لعلاجهم من الصدمة كما، وتجنيبهم مصير والدتهم ضحية الذكورية المستفحلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها