الإثنين 2022/08/15

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

زوج يصور "حفلة" تعذيب زوجته.. وآخر يحرق زوجته الحامل

الإثنين 2022/08/15
زوج يصور "حفلة" تعذيب زوجته.. وآخر يحرق زوجته الحامل
غنوة وهَنا اسمان في سجل طويل من العنف الممنهج القائم ضدّ النساء (Getty)
increase حجم الخط decrease

مرةً أخرى، تكون جرائم العنف الأسري السّباقة في ركب قضايا الحقوق المهدورة في لبنان. وفي حين لا يبدو أن السّلطة بأجهزتها القضائية والأمنية تبطن أي نيّة لردع الجناة، وبالتّالي الحدّ من هذه الجرائم المستفحلة، التّي دفعت كل من غنوة علاوي وهَنا خضر فاتورة التحامل القانوني وإهمال السّلطات لحقوق النساء وكرامتهن الإنسانية.

ترقد الضحيتان منذ الأسبوع الماضي على سرير المشفى بانتظار العدالة، وهما بوضع صحيّ ونفسي حرج، وبكدمات تغطي أجسادهن وجروح نفسية لا يشفيها سوى الحكم العادل والمعبّر.

والقضيتان -بكل ما يحيط بهما من ملابسات- تعكسان واقع النساء وحقوقهن وكرامتهن في لبنان، وإرتهان حياتهن قسرًا لرحمة "الأوصياء عليهن" من الرجال. وبالرغم من كل القوانين والتشريعات، فضلاً عن الحملات الإعلامية التّي تقيمها الجمعيات المعنية المنددة بالعنف الأسري والزوجي، بوصفه جريمة وسلوكاً ذكورياً همجياً، لا تزال أعداد الجرائم مرتفعة باطراد، كما و"مبررة" اجتماعيًا ومتستر عليها.

غنوة علاوي.. محاولة انتحار
حاولت غنوة رامح علاوي (41 سنة، لبنانية) وضع حدّ لحياتها، وذلك في 10 آب الجاري، عبر تناول كمية كبيرة من الأدوية وقطع أوردتها، بعد تعرّضها قبل أيام للضرب والتعذيب على يد زوجها المعاون أول في قوى الأمن الداخلي، عياش موسى طراق (42 سنة، لبناني)، الذي عمد إلى تصوير فيديو يوثّق إعتداءه عليها بقصد الإذلال والتشفي وانتهاك كرامتها، ثمّ  قام بإرساله لشقيقته، كما نشره على صفحته على فايسبوك. وقد نُقلت إلى قسم العناية الفائقة في مستشفى البرجي شمالي لبنان لمدّة 24 ساعة. وبعد خروجها، استدعت حالتها يوم السّبت نقلها مجددًا للمشفى، بسبب دخولها في حالة اكتئاب حادّ وصدمة بالغة، أسفرت عن أفكار انتحاريّة وفقدان ذاكرة كما أعراض ذهانية أخرى، كما أشار أحد أقربائها.

وسرعان ما انتشر مقطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يكشف كيف يضرب الزوج غنوة بينما تركع هي على الأرض رافعة يديها، ويُسمع فيه الزوج يهين زوجته وأختها فضلاً عن أمها. كما ونشرت الناشطة سعاد غاريوس على صفحتها على فايسبوك صور لأجزاء من جسدها الذي تغطيه الكدمات. وقد أكدّت الناشطة غاريوس في حديثها مع "المدن" عزمها على متابعة القضية حتّى النفس الأخير، بوصفها قضية إنسانية، ولغنوة الحق في الحصول على العدالة. وقد نشر أبُ الضحية رامح عادل علاوي عبر حسابه على فايسبوك منشورًا انطوى على غضب وتهديد بتصعيد قانوني، ووصف ما تعرضت له ابنته "بأبشع أنواع التعذيب على يدّ زوجها المعاون أول عياش موسى طراق"، وقال إنه وفي محاولة ابنته للخلاص من التعذيب المستمر حاولت الانتحار. وناشد اللبنانين، ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان مساعدة ابنته. ليعود ويزيل منشوراته بعد تعرضه وعائلته لتهديد وضغط من قبل عائلة الزوج المُعنف.

ملابسات القضية
وبعد اتصال "المدن" مع عدد من أقارب الضحية غنوة علاوي، أشار شقيقها بأنها كانت تتعرض للعنف الأسري المسكوت عنه طيلة زواجها أي على مدى 14 سنة. كما وكشف قريب لها أن الزوج المُعنف كان يمنعها من زيارة أهلها، فضلاً عن رؤيتهم في السنتين الماضيتين، ولم يلحظ أهلها أي أثار للضرب والكدمات عليها قبل محاولة انتحارها، فيما صادر الزوج هاتفها لمنعها من التواصل مع أحد. وأكدّ الأقارب والمتابعون لحالتها مباشرةً أن وضعها الجسدي والنفسي لا يزال حرجًا وهي في حالة صدمة وذهول. وبالرغم من كل التهديد والوعيد الذي أطلقه أهل الزوج، الذي أشارت مصادر "المدن" الأمنية أنه تم توقيفه في سرايا الدرك في بشري، أصرّ أب وأخ وأخت الضحية على رفع شكوى على الزوج المُعنف للبت بالقضية قضائيًا لا مسلكيًا، كما تحاول محاميته جعلها. وحتى اليوم -حسب ما أشار المقربين من غنوة- لم يتم توكيل أي محام للدفاع عنها، غير أنهم يعملون على هذا الملف ومتابعته. وفي ظلّ عدم تعاون مديرية قوى الأمن مع أهل الضحية، في ما وصفه المتابعون "تحاملاً واستخفافا مُعتاداً"، يطالب أهلها بعدم حصر الحكم مسلكيًا عبر مؤسسة قوى الأمن، بل تحويله إلى القضاء المختص الذي يعاقب بموجب القوانين مرعية الإجراء.

وغنوة ربّة منزل وأمّ لثلاثة أولاد، (فتاتان وصبيّ)، أكبرهم لا يتجاوز الثانية عشر من عمره، تسكن مع زوجها وأطفالها في منطقة شكا- قضاء البترون، شمال لبنان. وهي أصلاً من بلدة أنفة، وتحمل شهادة ماجيستر في إدارة الأعمال من جامعة القديس يوسف، وقد منعها زوجها من العمل حسب ما أشار مقربون منها، وأهلها في حالة مادية جيدة جدًّا. وأولاد غنوة الثلاثة يقطنون مؤقتًا في منزل عائلة الزوج. يُذكر أن الزوج هدد غنوة بقتلها قبل دقائق من استجواب القوى الأمنية لها وأخذ إفادتها، داخل المشفى، قائلاً "إذا بتجيبي سيرتي إنه أنا يلي خليتك تنتحري، ح تشوفي شي ما بيعجبك"، حسب ما أشار أحد أقربائها لـ"للمدن".

هنا خضر.. حرقها وهي حامل
بالتزامن مع قضية غنوة علاوي، أثارت قضية هَنا خضر (21 سنة، لبنانية)، ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قاست هَنا أفظع أشكال التعذيب والعنف وهي حامل في الشهر الخامس، بعدما تم إحراقها بقارورة غاز، تسببت بحروق من الدرجة الثالثة تغطي مئة بالمئة من جسدها. وقد زعمت مصادر صحافية أن زوج هنا هو الذي أحرقها على خلفية خلافات بينهما. وهي ترقد منذ حوالى الأسبوع في العناية الفائقة في مستشفى السلام في طرابلس، في حين راجت حملات لجمع التبرعات لتغطية تكاليف علاجها المرتفعة، والتّي تخطت في كل ليلة تقضيها هناك، مبلغ 400 دولار أميركي، وحالة عائلتها الاقتصادية سيئة، ولا تملك المبلغ المطلوب لمعالجة ابنتها. وقد حاول المستشفى مساعدتها بتخفيض المبلغ إلى 400 دولار بعد أن كانت كلفة الليلة الواحدة 700 دولار. هذه الكلفة لا تشمل الجراحات الترميمية التّي تتجاوز مدتها ثلاثة أشهر من العلاجات الترميمية والأساسية.

يُذكر أن الزوج قد تمّ توقيفه، وقيد التحقيق حاليًا.

أرواح وحقوق مهدورة
غنوة وهَنا اسمان في سجل طويل من العنف الممنهج القائم ضدّ النساء، وهنّ الآن ينتظرن العدالة كمواطنات في دولة تنصّ تشريعاتها على تجريم العنف الأسري بوصفه عنفًا وتعديًا على الآخرين من دون سبب شرعي أو أخلاقي أو قانوني. فضلاً عن محاولات القتل التّي قام بها الزوجان التّي تندرج أساساً في الجرائم الكبرى التّي يحاسب عليها القانون. لكن للأسف في دولة تعامل فيها المرأة كمواطنة من درجة ثانية يبقى الحديث عن البديهيات واجبًا، ومعالجة القضايا الأساسيّة بات في يدّ المواطنين لا السّلطات المولجة والمعنية. وما التضامن الشّعبي مع الضحيتين سوى دليل على فقدان السّلطة لشرعيتها ومصداقيتها، وإن كان التعويل اليوم للبت في هذه القضايا على السّلطة والقضاء اللبناني الذي يقع على عاتقه الحكم باسم العدالة، وأن لا يرتهن لسّلطة النفوذ السّياسي، لعله ينفض عنه قليلاً من لوثة الذكورية الصفيقة التّي جعلته نظامًا قاتلاً وهادرًا للأرواح والحقوق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها