الثلاثاء 2022/05/31

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

فتيان الجنوح بـ"حرش القتيل": العنف المجاني أحزاباً وكرة قدم

الثلاثاء 2022/05/31
فتيان الجنوح بـ"حرش القتيل": العنف المجاني أحزاباً وكرة قدم
بيئة عمران التهجير الحربي واجتماعه العشوائيين (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
بعد حلقة أولى وثانية عن زمرة من فتيان جانحين لفظتهم ظروف حياة أهلهم والمدارس الخاصة شبه المجانية وسواها الرسمية إلى الشوارع، هنا حلقة ثالثة تنقل محطات من سيرة أحدهم، وصورة عن نشاطهم في حياتهم اليومية الشقيّة.

ابتزاز متبادل؟
لم يخلُ اصطحابي سامرًا -المولود مطالع التسعينات في واحد من أحياء التهجير الحربي والعمران والاجتماع العشوائيين في ضاحية بيروت الجنوبية، وفتى الشقاوة والتسيّب مع زمرة من أمثاله في شوارعها وأمام بوابة مدرسة رسمية من مدارسها- ولا خلت استجابته دعوتي إلى مقهى في شارع الحمراء، من ريبةٍ وابتزاز خفيين متبادلين. قلت له إنني أريد أن يخبرني عن حياته وأقرانه في الزمرة، وعن أسباب تركهم المدارس. ربما أخطأت في محاولتي تبديد ريبته وخشيته من الكلام باستفزازه واستدراجه إليه في المقهى، بقولي له إن خوفه هنا والآن يكذِّبان شجاعته وجسارته اللتين كان يبديهما في العراك والكلام أمام المدرسة. هذا، رغم إدراكي أن انقلاب سلوكه ونبرة صوته بعد جلوسه إلى جانبي في السيارة وفي المقهى، ناجمان عن خروجه من بيئته الأليفة وشعوره بغربته عن نفسه وعن الأماكن التي شاهدها وحلّ فيها للمرة الأولى في حياته. فسلوكه الفظ ليس من صلب حياته وشخصيته، إلا هناك في بيئته التي هو ابنها ووليدها العضوي. وما أن خرج منها حتى ابتلع سلوكه ذاك وكتمه، لشدة ما أحرجه وبعث في نفسه اضطرابًا ووجلًا حلوله في ديار لا يألف مشاهدَها وأشياءها ويجهل معايير السلوك فيها. لذا سرعان ما استدركتُ استفزازِي إياه، وحدست أن رغبته في الحصول على بدل مالي ما، قد تحمله على الكلام وتلبية ما أريد. أوحيت له بحدسي هذا على نحو موارب. لكنه ظل على حاله حائرًا مضطربًا، فأشفقت عليه، بعدما كنتُ قد تهيّبتُ ونفرتُ من فتوته المشاكسة العنيفة أمام المدرسة، وها هو "يخفض جناح الذل" خائفًا مستسلمًا هنا في الأماكن الغريبة عنه. ورغم حدسي العابر بأن حاله ودوره الجديدين لا يخلوان من "مروق" أو "ابتزاز" يتوسلهما للحصول على البدل المالي (البخشيش)، فقد شعرتُ بأنني أستعمل فتىً بائسًا، ضعيفًا ولا حيلة له ولا قوة، استعمالًا لا يخلو من صلافة وقسوة.

في المقهى لم يبقَ من سجية سامر الشقيّ ولغته سوى ظلال بعيدة تذكر بدوره السابق، حينما كان يبدو مندفعًا في مشاكسته الرعناء، ممتلئًا اعتدادًا بنفسه وجسمه، مطلقًا كلامه النمطي الخشن. لقد فقد جسمُه بداهة حركته وسيولتها، فانكفأ واضطربت يداه وحار أين يضعهما وكيف يجلس. وحين تجرّع قطرات من كوب العصير، تجرعها غصبًا وبلا رغبة، كأنه يتناول دواءً. أما صوته ففقد قوة نبرته، ولم يعد قادرًا على لفظ عبارة متماسكة، إذا لم أساعده في لمّ شتاتها. فسامر لم يبادله أحد على الأرجح كلامًا بنبرة عادية أليفة ولم يُطلب منه ولم يجرّب هو أن يتكلم كلامًا عاديًا عما يعيشه ويحدث له. وربما ما يعيشه ويحدث له لا لغةَ لديه ليتكلم عنه ويرويه، لشدة التصاق لغته النمطية التصاقًا كاملًا بحياته العشوائية في بيئة العمران العشوائي، وبدوره في زمرة فتيان الشوارع الأشقياء. وما أن استُدرج للخروج من دوره ولغته هذين، حتى دهمه خوف وفراغ وضياع، فصار بلا لغة، ومادت الأرض تحت قدميه، وشعر أن غلالة تغشى بصره وحواسه، وأن أعضاءه تكاد تتفكك، كأنه محارة أُخرجت من ظلمة صدفتها، فبهرها ضوء الخارج وأشعرها بالعري والرعب.

مجتمع عنف مجاني صغير
والحق أنني ظللت حائرًا بين أن أحمل سامرًا على رواية سيرة حياته في مقهى غربته، حيث يتلعثم بكلمات قليلة عسراء، وبين أن أعيده إلى بيئته الأليفة لتتدفق على لسانه هناك لغتُه ولغتها العضوية. وفكرتُ أن شعوره وأمثاله بالغربة والعري والخوف والانسلاخ والتلعثم، حالما إخراج أي منهم من بيئته وسلخه عن شرنقة حياته ودوره ولغته النمطية فيها، وكذلك عدم قدرة هؤلاء الفتية، أفرادًا وجميعًا، على الكلام والتواصل العاديين مع غرباء عن بيئتهم وشرنقتهم، إنما يصدران عن عوامل متشابكة ومتداخلة. ويمكن تشخيص هذه العوامل على النحو التالي: هؤلاء الفتية أبناء جرح اجتماعي-طبقي عميق، دفين وشبه وجودي ولا يدركونه، ويرقى إلى أهلهم وبيئهم، وولّد فيهم شعورًا باحتقار أنفسهم في مرآة المجتمع العام، العادي أو "السّوي" الذي تركتهم ظروفُ البلاد وأقدارهم الاجتماعية على هوامشه وغرباء عنه. والجرح إياه بعبِّرون عنه في أشكال متباينة: تارة بعنف عشوائي يطلقونه في ما بينهم وضد أنفسهم (بعضهم وسواهم من أمثالهم يجرِّح جسمه بأدوات حادة على نحوٍ استعراضي). وطورًا يطلقون عنفهم استعراضيًا ومسرحيًا ضد غرباء في شوارع غير بعيدة من بيئتهم. وهم يبتلعون ذاك العنف حالما ينسخلون عن زمرتهم وعن تلك البيئة. وفي الحالات جميعًا، يمثُلُ ذاك الجرح الاجتماعي-الطبقي الذي يتخذ تعبيرًا احتجاجيًا ساخطًا عن حياتهم وفتوتهم الشقيتين، فيما هم ينضوون في زمرة أو نواة "مجتمع عنف صغير ونقيض" للمجتمع العادي، منفصل عنه، ومنغلق على لغته وأدواره في بيئة العمران والاجتماع العشوائيين في ضواحي الضاحية الجنوبية. وهي البيئة التي صاغت حركاتها السياسية، والأمنية والعسكرية، أي حزب الله وحركة أمل، مجتمعًا أهليًا منفصلًا، بل نقيضًا لما كان عليه الاجتماع اللبناني العام، في تنوعه وتفاوته، في زمن ما قبل الحروب. لكن هذا لا يكفي وحده لتفسير عدم امتلاك سامر وزمرته لغة سوى لغتهم العضوية والنمطية اللصيقة بحياتهم كفتيان شوارع. فهناك فئات كثيرة من الفتيان والفتيات ومن البالغين في بيئات لبنانية متنوعة، لا يمتلكون لغة وقيمًا عامة مشتركة ولا فردية خاصة للتبادل والتواصل، إلا تلك اللصيقة بدوائر حياتهم في بيئاتهم العضوية. ففي مجتمعاتنا وثقافاتنا الأهلية امتنع نشوء مثالات وقيم مشتركة، متماسكة وجامعة، للتعارف والتبادل والتواصل الفردي الحر في دوائر فعلية للعلانية العامة المشتركة. ذلك أن مجتمعات الجماعات والثقافات الأهلية لا تسمح إلا عنوة، وضد الأهل غالبًا، بتفتح النوازع الفردية والتعبير الشخصي. وهذا يبدو ظاهرة عامة في لبنان الجماعات الأهلية، ومن ملامحها الثقافية والنفسية والتربوية: عُسْرُ ولادةِ وتفتحِ الشخص الشخصي والفردي لدى أبناء هذه الجماعات، فتيانًا وفتيات وبالغين. فالفردي والشخصي يُلجمان ويجهضان أو يُكتمان في حال تأهبهما للولادة. والجماعات غالبًا ما تُفرِد  أفرادها الذين ينسلخون عنها "إفراد البعير المعبّد"، اذا ولّدوا فردياتهم ولادة عسيرة وشاقة.

فكيف ومن أين، إذًا، لسامر وأمثاله ألا يكونوا أبناء بيئتهم المهشمة والمهشمة وفتيانها؟ فهم ولدوا في نهايات أزمنة الحروب المتمادية، ونشأوا وفي بيئة عمران التهجير الحربي واجتماعه العشوائيين، عندما راحت الجماعة الشيعية تستلهم جرحها الاجتماعي-الطبقي المديد، تتوسله وتجيب عليه بإنشائها منظمات "مجتمع أهلي حربي نقيض". والأرجح أن فتيان التسيّب والمشاكسة صاغوا زمرهم "مجتمعَ عنف مجاني صغير"، بعدما فقدوا الرعاية والمثالات البيتية والأسرية، ولفظتهم المدارس المجانية والرسمية الرثة إلى الشوارع، حيث تعارفوا واجتمعوا في عصب تتوسل ذاك العنف وسيلة تعبير على مسارح "المجتمع الأهلي النقيض" الكبير. وهو عنف صنعهم وصنعوه، فالتصق بشخصياتهم ولغتهم وسلوكهم.

وسرعان ما عملت المنظماتُ السياسية، الأهلية والأمنية، في المجتمع النقيض ذاك، على تنظيم وزمْر أولئك الفتيان في فرق تمتطي دراجات نارية، وراحت تستعملهم سلاحًا لتخويف الجماعات الأخرى وترويعها في عراضات وغارات سيّارة، لا يخفى طابعها الأمني والسياسي الأهليين.

أرض التعاسة العنكبوتية
في لغته المفككة تفكك ذاكرته المشتتة، روى سامر أن والده من قرية مجدل سلم الجنوبية التي ولد ونشأ فيها. طوال سنوات ثمانٍ من شبابه في زمن الحروب الأهلية، عمل أوقاتًا متقطعة في السعودية، ثم عاد منها نهائيًا إلى لبنان، فاستأجر غرفة من بيت عائلة من كفركلا تقيم في حي من أحياء الرمل العالي العشوائية، وسكن فيها. تعرّف إلى ابنة مؤجريه الغرفة، فزوجوه إياها. وبعدما أنجب الزوجان سامرًا وأختيه، تركت أسرة الزوجة لابنتها وزوجها وأولادهما بيتها المؤلف من غرف ثلاثة في الرمل العالي، ورحلت عائدة إلى كفركلا قريتها الجنوبية. بعد مدة اشترى أبو سامر من والده وأخيه قطعة أرض في "الحرش" الذي يسقط ساكنوه من اسمه كلمة "القتيل". ويُروى أنه سُمي "حرش القتيل" في العشرينات، بعدما عُثر فيه على جثة رجل اختفى يدعى خضر قهوجي. وكان من أجمات حرج الصنوبر جنوبي بيروت. وفي الأربعينات صار في خراج بلدية الغبيري. وعلى طرفه الشمالي أنشئ مخيم شاتيلا الفلسطيني، ونشأ قربه حي عمران عشوائي شيعي عرف بحي فرحات.

وحين يقول سامر إن والدَه "اشترى" من والدِه وشقيق والدِه قطعة أرض في ذاك "الحرش"، علينا أن نتصور شبكة عنكبوتية من علاقات أهل وأقارب مهجرين هجرات متعاكسة من قرى الجنوب وضواحي بيروت الشرقية المسيحية والجنوبية الإسلامية في أزمنة الحروب وفوضاها، فلاذوا أخيرًا إلى ذاك الحرج الذي اقتطعته وصادرته منظمات عسكرية وأنزلتهم فيه. وحسب قوتهم وشكيمتهم وولاءاتهم في شبكة علاقاتهم الأهلية العنكبوتية التي تربط بينهم وتربطهم بتلك المنظمات العسكرية، راحوا يتقاسمون أرض الحرج، يبيعونها ويشترونها ويشيدون عليها لتعاستهم مساكن عشوائية يأوون إليها وينزلون فيها، أو يؤجرونها من مهجرين أمثالهم. فأبو سامر وشقيقه تعاونا على تشييد أعمدة وسقف على قطعة أرض في الحرج. لكن ضيقًا ماديًا أوقفهما مدة عن أعمال الشييد لإنجاز البيت، الذي هدم رجال الدرك أجزاء منه مرات ثلاث متتالية، قبل أن يتمكن والد سامر، لاحقًا ومنفردًا، من استكمال بنائه، ونقل أسرته من الرمل العالي للإقامة فيه. وفي هذه المدة الطويلة لا يتذكر سامر حضور أبيه في حياته البيتية في الرمل العالي، إلا على نحوٍ متقطع ومتباعد، لأن والده كان دائم التنقل بين مجدل سلم و"الحرش".

مدارس البؤس ودروس دينية
أمضى سامر في الرمل العالي مرحلة تعليمه الابتدائي في مدرستين خاصتين: "غرين لاين" و"الاتحاد"، لقاء قسط سنوي مقداره 300 ألف ليرة لبنانية (مئتي دولار في حساب ذاك الوقت). كانت كل من هاتين المدرستين "منيحة"، وكان سامر ينجح في صفه كل سنة دراسية. لكنه ما أن انتقل إلى مدرسة رسمية متوسطة مختلطة للذكور والإناث دوام بعد الظهر في الشياح، حتى تبدل وضعه الدراسي: رسب في الفصل الأول من سنته الدراسية الأولى في المرحلة المتوسطة، واستمر يرسب حتى نهاية تلك السنة. على عكس نظام التدريس في "الاتحاد" الخاصة، لم يكن في مدرسة الشياح الرسمية المتوسطة نظامٌ وبرنامج يوميان محددان للدروس والمسابقات ولمتابعة فروض التلاميذ المدرسية. وفوق الإهمال والفوضى والتسيّب في برنامج التعليم، كان تلامذة مدرسة سامر الرسمية المتوسطة من "الزعران" في معظمهم، ويقيم أهلهم مثل أهله في "الحرش"، فتعرّف إلى بعضهم وماشاهم في سلوكهم، حتى صار مثلهم ومنهم. ومن أصل 37 تلميذًا في صفه، كان حوالى عشرة سلوكهم عاديٌ وحسن، ويتابعون الدروس القليلة في انتظام، ومعظمهم من الفتيات. وفي وصفه بعضًا من وجوه الحياة في مدرسته هذه، روى سامر أن إدارتها كانت تستدعي رجال الدرك مرة أو اثنتين في الأسبوع إلى المدرسة، إما لفض اشتباك بين تلامذتها الأشداء وزمر فتيان الشوارع الأشقياء الذين يتجمعون في الشارع قبيل انصراف التلاميذ، لمشاكسة التلميذات والسير إلى جانب بعضهن عنوة. وإما لوقف اشتباك بين تلامذة المدرسة أنفسهم. وإما لتدارك وقوع مثل هذه الاشتباكات التي استدعى استفحالها مرات، تدخل عناصر مكتب "حركة أمل" في الشياح. ذلك أن السواد الأعظم من زمر فتيان الشوارع ومن التلامذة المتشاجرين كانوا من أنصار الحركة ومؤيديها، ومن رعاع فتيان كرة القدم وجمهورها الذي يُحسب لاشتباكاته الطائفية ألف حساب أمني، عقب خروجه من مباريات "النجمة" و"الأنصار" في ملعب بيروت البلدي بالطريق الجديدة السنية السكان، وتتكاثر في أحيائها القريبة من الملعب زمرُ فتيان الشوارع السنّة.

ومن أخبار سامر عن بداية سنته الدراسية الأولى في مدرسة الشياح المتوسطة، سماعه من قدامى تلامذتها أن إدارتها اكتشفت ظهور بوادر حمل على تلميذات ثمانٍ في السنة الدراسية السابقة. وبعدما تحققت الإدارة من حملهن طردتهن. وبينت التحقيقات أن عمليات الاتصال الجنسي حصلت في حمامات المدرسة. وأفاد معلمون في بعض مدارس الضاحية الجنوبية أنهم علموا بهذه الحادثة، وأكدوا وقوعها. أما إدارة مدرسة الشياح التكميلية الرسمية فبادرت -حسب سامر- إلى زرع كاميرات في الممرات بين قاعات الدرس وعلى مدخل دورات المياه في الملعب، لمراقبة التلاميذ والتلميذات. ورسب سامر في الصف المتوسط الأول، لكن إدارة المدرسة سجلته في السنة الدراسية التالية في الصف المتوسط الثاني، بعدما أجرت له امتحان دخول قال إنهم "نجّحوني" فيه، لأنهم "لا يسقّطون أحدًا". وفي نهاية سنته الدراسية المتوسطة الثانية رسب سامر، بعدما "تعلمتُ الزعرنة" التي قال إنها شهدت في أواخر التسعينات ومطلع الألفية الثالثة طفرة عارمة في "الحرش" حيث يسكن أهل كثيرون من تلامذة مدرسته وسواها من المدارس الرسمية القريبة.

عقب رسوبه الأخير قال له والده: "خلص معش في مدرسي"، فتوسطت أمه لدى أخيها ليعمل ابنها معه في محله بالمعمورة لتركيب ستائر شرفات المنازل. وبعد أربعة أشهر من عمله، وكان سامر وحده في المحل حينما سرق من أمامه مولد كهربائي، فطرده خاله من العمل. لكن شقيقًا آخر لأمه شغّله في محله المماثل في منطقة الرمل العالي. ولأن خاله هذا "ملتزم" في "حزب الله"، ألزمه بأن يحضر، بعد دوام عمله، حلقات دروس دينية مسائية يقيمها الحزب للفتيان، فتعلم سامر الصلاة وبعض الأدعية. لكن غسل الجنابة وغسل الميت والتّيمّم هي ما رسخ في ذاكرته من تلك الحلقات الدراسية التي تابعها شهورًا ثمانية. ومنعه خاله من معاشرة زمر فتية الشوارع الذين عاشرهم في المدرسة، ومن لعب كرة القدم معهم ومن حضور مباريات فريق "النجمة" بوصفهم من  جمهوره. وحمله خاله أيضًا على قصِّ "غرّة" شعره التي كان يشقّرها بالأوكسجين ويضمخها بالجل لتصير لامعة، قائلا له إن على "الملتزم أن يعلن انتماءه، ويتقيد بتعاليمه". ومن أنشطة "حزب الله" التي شارك فيها سامر مع خاله: ذهابه إلى بعلبك في موكب حافلات في ذكرى استشهاد السيد عباس الموسوي، وإلى الجنوب في احتفالات التحرير بعد سنة 2000، وإلى ثانوية "شاهد" و"منشية" برج البراجنة لحضور مهرجان دعم الانتفاضة الفلسطينية. وحين سئل ما الذي يتذكره من تلك الاحتفالات، قال "حكي، خطابات، ولازم الواحد ينتمي ويلتزم". ولما ترك خاله محله في عهدة الشغيلة وسافر إلى إيران للقيام بـ"دورة" هناك مدتها ثلاثة أشهر، حتى ترك سامر العمل في المحل بعيد شجاره مع أحد الشغيلة الذي ضربه. ثم انقطع عن حضور الدروس الدينية في حلقة "حزب الله" للفتيان، وعاد إلى سابق عهده فتى في زمرة صحبة من فتيان الشوارع.
(يتبع)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها