الثلاثاء 2022/05/10

آخر تحديث: 12:01 (بيروت)

نكبة بعلبك: شبانها المتعلمون خائبون ومقموعون في الانتخابات

الثلاثاء 2022/05/10
نكبة بعلبك: شبانها المتعلمون خائبون ومقموعون في الانتخابات
صار ذكر بعلبك لا يتكرر إلا من خلال أخبار حوادث أمنية (المدن)
increase حجم الخط decrease
في حلقة أولى، نشرتها "المدن" عن تاريخ مدينة بعلبك وهويتها، بعد اشتعال السجال إثر تأهب جيش جمهور الثنائي الشيعي الإلكتروني في بعلبك قبل أيام، ورفعه شعار "بعلبك حرة/ بخاري برا". وذلك بعد نشر السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري صورًا للمسجد الأموي الكبير في بعلبك، أعقبت تغريدة قال فيها: "إلى مدينة الشمس وعجائب الزمان العابرة للحضارات.. علَّ شمس الحياة توقظ الأرض فيحيا البذار".
هنا الحلقة الثانية والأخيرة:

عندما يستعيد البعلبكيون المخضرمون ذكريات عن مدينتهم في الأيام الخوالي، يتذكرون حقبة عز شهدتها مع رئيس الجمهورية كميل شمعون (1952- 1958) ولم تتكرر في السنوات اللاحقة، إلا بعد اتفاق الطائف، واستعادة التواصل بين المدن اللبنانية. فشهدت المدينة وآثارها فورة سياحية، خلقت مفهومًا جديدًا لبعلبك.

أحب الرئيس شمعون بعلبك إلى حد رغبته اتخاذها مقراً صيفياً له. فأولاها اهتماماً لم تشهد له مثيلًا لا قبل عهده ولا بعده: إطلاق عمليات التنقيب عن آثارها، إحياء مهرجاناتها الفنية الدولية بسعي ونشاط لافتين من السيدة الأولى زلفا شمعون. وفي هذه الحقبة انتعشت الحياة الثقافية في المدينة التي لا يزال أهلها يتحدثون عن أول سينما في البقاع افتتحت في بعلبك، والدور الكبير الذي لعبته فنادقها التي كانت تعج بالسياح، والنشاطات الثقافية في منتصف القرن الماضي.

بعد اتفاق الطائف عرفت بعلبك مرحلة شبيهة بالمرحلة الشمعونية، فتحولت مقصدا لشعب يبحث عن الحياة، وتنفس اللبنانيون رائحة الطمأنينة وتدفقوا إلى بعلبك بعشرات الألوف. وفي تلك الأيام يؤكد البعلبكيون أن أحدًا لم يتأذ أثناء زيارته بعلبك. الدولة انتعشت. لا أحد سرقت سيارته ولا اعتُدي عليه.

الكحول والمسيحيون
ولكن الحال تبدلت مع  جيل عايش الانهيار مجددًا، غرر ببعضه فاستدرج إلى مزالق المافيات. وصارت بعلبك عنوانًا لارتكابات جنائية وصمت المدينة بصورة نمطية، لا تشبه طبيعة أهلها التواقون لأيام الماضي.

اشتاق البعلبكيون إلى مدينتهم التي كانت تضج بالسياح الأجانب. يأتون لرؤية قلعتها، ولتمضية أوقات في مطاعمها التي كانت تقدم الكحول بحرية. كان يقصدها ابن برمانا وجب جنين وبعقلين وراشيا. وكان اللحام كما يروى أحدهم يعلق يوم الأحد 37 ذبيحة لتأمين طلب الناس على الصفيحة البعلبكية المميزة وتعتبر الأطيب في لبنان.

لم تعد معظم مطاعم المدينة ومقاهيها تقدم الكحول حاليًا. وصارت بعلبك منمطة على نبذ الخمرة في أماكنها السياحية. ليقتصر تقديم الخمر على مطعم واحد وفندق إلى جانب فندق بالميرا. وعندما نسأل عن خلفيات ذلك، يؤكد العارفون أن لا أحد منع تداول الخمر علنيًا، ولكن ثمة خلفيات تتعلق بما تعرضت له بعض محلات الكحول من مضايقات وأعمال تخريبية، فرضت أنماطًا اجتماعية ودجنت المجتمع على رفض الدخول إلى مطاعم تقدم الكحول. ويربط البعض اختفاء تداول الكحول بتراجع الحضور المسيحي في المدينة، والذي شكل مقدمة لتبدل ثقافي وحضاري. ويشعر البعلبكيون بالشرخ الذي خلفته الأحداث الأمنية بين بعلبك وباقي المدن اللبنانية، والتي قلصت أعداد زوارها اللبنانيين إلى حدودها القصوى، ما انعكس سلبًا على اقتصاد المدينة.

الحروب ورمال سوريا المتحركة
ودفعت بعلبك ثمن الصراعات المتتالية التي شهدها لبنان، بدءًا من مهاجمة عهد الرئيس كميل شمعون من قبل الحركة الناصرية التي نشأت حينها، وصولًا إلى الحرب اللبنانية الأهلية في سبعينيات القرن الماضي وثمانيناتها، مع دخول قمعي لحركة أمل الإسلامية إلى بعلبك، ومن ثم الأحداث التي رافقت خطف أفراد من الحرس الثوري الإيراني في الثمانينيات.

وتأثرت بعلبك بالأحداث العالمية: استهداف البرجين في الولايات المتحدة سنة 2001، واغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبعدها أحداث حرب تموز، التي أخفت أصوات الفرح من قلعة بعلبك ومحيطها، ولم يعد يتردد فيها سوى صدى الرشقات النارية المرافقة لوداع "شهداء" الحرب مع إسرائيل. وبعد حرب تموز تغلغل الحزن الى معظم البيوت البعلبكية، وخصوصًا بعد انغماس شبانها في رمال سوريا المتحركة. ما شكل بدوره ذريعة وغطاء لتفشي حال الفلتان الأمني الداخلي. ولا سيما بعد "استنجاد" أمين عام حزب الله حسن نصرالله بعشائر بعلبك والهرمل لحماية حدود بلداتهم. فاستفحل الأمر فلتانًا أقلق حتى قيادات المجتمعات الحاضنة له. وصار ذكر بعلبك لا يتكرر إلا من خلال أخبار حوادث أمنية، شوهت سمعة  المدينة، بعدما كانت جسراً للثقافات بين الشرق والغرب.

أين السيارة والصاروخ؟
ما يلفت في المقابل أن حزب الله الذي يدير المدينة، لم يول أهمية لاختيار أشخاص يهتمون بشؤون المدينة. فلم تعد بعلبك مثلا تخرج نائبًا من بين أبنائها. وكانت نتيجة ذلك تراجع الانماء على مختلف الصعد في المدينة، مقابل تقدم الخدمات الشخصية الآنية التي ترضي الناس من دون أن تحسن مستوى عيشهم.

الظلم اللاحق ببعلبك يتواصل مع تعميم ارتكابات البعض على الكل. ما يجعل أهلها يدفعون الثمن على مختلف المستويات. ولعل أكثر من دفع هذا الثمن هم الشباب في أول إطلالة لهم على المجتمع الواسع. ومع انتقالهم إلى الجامعة، حيث يكون أول سؤال يوجه إليهم من زملائهم، وأحيانا من الأساتذة عندما يعلمون أنهم من بعلبك: "أين السيارة التي سرقتها؟!". أو: "هل تحمل معك الصاروخ؟!"، في إشارة إلى سيجارة الحشيشة. وأحيانا تكون النظرة إلى إبن بعلبك بعين الريبة، والتعاطي معه بحذر، لما يعتقده البعض حول فورة دم سريعة يعيشها أبناء هذه المدينة، فتجعلهم يشهرون سلاحهم عند أي خلاف على أفضلية مرور، أو على ركن سيارة أو غيرها من الأسباب السخيفة.

خيبة الشباب والانتخابات
لا ينتهي هذا التنميط ليتخذ طابعًا أشد تأثيرًا على مستقبل هؤلاء الشباب الذين غالباً ما يتسبب مكان ولادتهم بردهم خائبين عن أبواب الشركات والسفارات.

مع ذلك كانت بعلبك تنتظر الانتخابات كفرصة. لكن القمع الذي يترافق مع الحملات الانتخابية، سواء بالاعتداء على كل صوت شيعي معارض، أو حتى بقمع الراي الآخر، يشير إلى أن فرصتها لم تحن بعد. ولعل هذه الفرصة لن تتحقق إلا متى انتفى وجود الدويلة وهيمنتها على الدولة. فتتحقق حينها رؤيا جورج برنارد شو الذي قال مرة: "لو كانت بعلبك عندنا في بريطانيا، لألغينا الضرائب واكتفينا بمردودها السياحي موردًا لخزينة الدولة". وحينها لن تصبح المدينة محظرة لا على سفير سعودي ولا على غيره من سفراء الدول ومواطنيها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها