الخميس 2022/04/07

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

جبيل: نزاع لاسا والسلاح و"البكيني" في التحريض الانتخابي

الخميس 2022/04/07
جبيل: نزاع لاسا والسلاح و"البكيني" في التحريض الانتخابي
خطابات حزب الله وفارس سعيد تخدم الطرفين ولا تعكس واقع التعايش الاجتماعي في جبيل (Getty)
increase حجم الخط decrease
استعرت الحرب خطابية، مستعملة منازعات قديمة ومتجددة على الأراضي في قضاء كسروان جبيل، وتحديداً في جرود جبيل. إنها حرب انتخابية- عقارية، بأسلحة كلامية، ووسائط التواصل الاجتماعي حاضرة بقوة فيها. ورأس الحربة فيها المرشح للنيابة فارس سعيد ولائحته التي تحمل شعار "حرية القرار"، وحزب الله ولائحته ومرشحيه. ويستعيد سعيد المشكلة العقارية البلدية بين قرطبا والعاقورة من جهة، ولاسا وأفقا وعلمات وغيرها من القرى الشيعية من جهة أخرى. وهي مشكلة مزمنة لها تداعياتها وانعكاساتها على التوازنات الأهلية في المنطقة. وتحضر اليوم في الحملات الانتخابية والسياسية بين المرشحين، في منطقة لها حساسياتها التاريخية والسياسية والانتخابية.

تاريخ المنطقة وقرارها
يستحضر سعيد خطاب الاحتلال الإيراني وهاجس تغيير ملامح المنطقة ثقافيًا. ويحاول القول إن حزب الله يسطو على الأرض والقرار، في جرود جبيل. وهذا نزاع قديم وقائم ومتفاعل، مداره العقارات في لاسا والعاقورة واليمونة، وبين المطرانية المارونية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. والمواجهة تشهدها المنطقة منذ سنين في أروقة المحاكم وعلى الأرض. ويستند سعيد على هذه القضية لإطلاق معركة جبيل- كسروان الانتخابية بخيار سياسي واضح: مع العيش المشترك، وضد حزب الله. ودفاعًا عن هوية لبنان الثقافية كأولوية لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات للحؤول دون تغيير وجه لبنان المتنوع والوطني ومعناه. وهو يقول "نرفض نظام اللون الواحد، وثقافة الموت والحداد. نريد الجمال والموسيقى وحرية الحب والبحور والملبس والـtopless، والـbikini. نحن أحرار في حياتنا". 

لا ينكر سعيد حضور الشيعة في المنطقة، لكنه يرفض فائض القوة التي يستعملها حزب الله، ويعتبره دخيلاً على المنطقة بلغته المسلحة، بالرغم أن المنطقة لم تشهد أي توتر مسلح يذكر. وكان الثنائي الشيعي قد خاض الانتخابات البلدية والنيابية في القرى الشيعية، مع مواجهات داخل "البيت الواحد"، كحال كبرى العائلات الشيعية مثل آل عواد في علمات وآل المقداد في لاسا، وزعيتر في أفقا، الذين يعتبرون أن حزب الله بخياره للمرشح الشيعي إقصاء لتاريخ وكبّر هذه العائلات في المنطقة وتأثيرها في صناديق الإقتراع. وهذا يعني أن لا صبغة واحدة للقرى الشيعية. وهي تضم محجبات وسافرات، ومحبو الحياة والفنون والنشاطات الرياضية والسياحية حاضرون فيها.

حرمان شيعة جبيل
قرأ حزب الله جيداً نتائج انتخابات 2018، عندما لم تفلح في تثبيت وجوده في المقعد النيابي آنذاك، لإيصال مرشحه حسين زعيتر الذي حصد 9369 صوتاً تفضيلياً، واعتبر أن الأصوات التي نالها زعيتر تعبير عن خيارات شيعة جبيل. والثنائي الشيعي لم يقدم أي إنماء فعلي للمنطقة. فأغلب القرى  لا تزال تشهد حرماناً واضح المعالم، بالرغم من جمالية المنطقة وجغرافتيها ومناخها وأماكنها السياحية المتنوعة.
لكن المدارس والمستوصفات والمستشفيات تغيب عن المنطقة، وأزماتها مع التغذية الكهربائية أكبر من سواها من المناطق. ورغم أنها منبع للمياه، تشهد أزمة مياه، خصوصًا مع بداية الموسم الزراعي المتأخر. أما طرقاتها فلا تصلح سوى لسيارات الدفع الرباعي، وهي بحاجة لصيانة ومعالجة فورية نظراً لوعورتها وخطورتها على السلامة العامة.

غياب المستقلين
وشيوع الخطاب الخائف من انقضاض حزب الله على المسيحيين في المنطقة قد يكون مبالغ فيه. ويلفت المخرج جهاد سعادة من بلدة ميروبا، إلى أن خطابات حزب الله وفارس سعيد، تخدم الطرفين وتقوي حظوظهما بالفوز. فيما تغيب الوجوه التغييرية عن المنطقة.

وحسب سعادة، لم تشكل لائحة للمستقلين أو لأي ناشطين في تحركات 17 تشرين، كما حصل في الشمال ودوائر الجنوب. وهو يصف كسروان- جبيل بأنها "مقاطعة مستقلة يهدف المسيحي فيها إلى الاهتمام بجمالها وخدماتها وتأمين جو من الرفاهية، بعيدًا من العمل التشريعي، ومحاربة الفساد. وفي المقابل يحاول الشيعية تكريس وجودهم في المنطقة. من دون أن يستطيع أحد تغيير التاريخ. ومستوى الإنماء في القرى الشيعية وسواها في منزلة الصفر تقريبًا. وعلى كل من الجماعتين تقبل الأخرى، والابتعاد عن النهج الذي كُرس بين 8 و14 آذار".

شيعة لاسا يواجهون الثنائي
ويشرح الناشط الاجتماعي والسياسي في لاسا الدكتور أياد المقداد لـ"المدن"، أن سعيد يمثل الخطاب المسيحي المتطرف وغير العقلاني. ومواجهته من باب الشعور بالخوف من حزب الله والخطر الذي يمثله. ويرى المقداد أنه كان من الأجدى لحزب الله  اختيار مرشحه من قرية لاسا المعروفة بمكانة عائلاتها، وحيث العدد الأكبر من المقترعين الشيعة، ولتثبيت لاسا على الخريطة السياسة. ويضيف أن الحليف العوني تخيفه أو تغضبه كلمة نائب من لاسا. والانتخابات ليست حربًا كونية. والمنظومة السياسية فشلت على مدى عشرين عاماً في تقديم خدمات إنمائية لأبناء المنطقة. ويشير المقداد إلى أن اختيار الثنائي المرشح رائد برو من بلدة عين الغويبة التي كانت حياً من أحياء لاسا ليس في محله. ويصر الناشط المقداد على رفض التحالف مع لائحة القوات اللبنانية، بسبب تاريخ المنطقة التي شهدت تصفيات على الهوية أبان الحرب الأهلية.

وتخوض لاسا للمرة الأولى الانتخابات بثلاثة مرشحين من آل المقداد موزعين على ثلاث لوائح متنوعة. وهذا لإيصال رسالة واضحة للأحزاب الشيعية: لاسا تخوض الانتخابات لرفع التجاهل عنها. وصناديق الاقتراع هي الحكم. وهذا دفع بعض محازبي الثنائي إلى اختيار مرشحي العائلات المقدادية، في معارضة واضحة وعلانية لهما. ويصف أحد مناصري حزب الله في لاسا حزبه بـ"الحزب الديناصور الحاضر في جبيل، ليس من إطار فائض قوة السلاح، بل في محاولة تثبيت وجوده في المنطقة بعدما أقتلعته وهجرته الظروف السياسية والحروب فترة زمنية من المنطقة". لكن خيار نصير حزب الله الشخصي سيكون الولاء العائلي، بسبب فشل الثنائي في تقديم نموذج للعمل النيابي والإنمائي الناجح في المنطقة.

قرطبا: الخوف من الحجاب
في قرطبا جارة لاسا يُواجَه حزب الله فكرياً ومعنوياً وتحريضياً. ويلفت أحد ناشطي البلدة هشام كرم، والحاضر دوماً في رحلات المشي في المنطقة، والتي يقيمها سعيد أسبوعياً، إلى أن حرب المنابر في المنطقة محقة. فالخوف الحقيقي هو من اجتياح مظاهر غير مألوفة على المنطقة. ولدى سؤاله عن هذه المظاهر، يضرب كرم مثلاً: "شكل الحجاب الشيعي الشديد الالتزام. والمنطقة تحتاج لمشهد حجاب كما تكرسه السيدة رباب الصدر شقيقة الإمام موسى الصدر". ويتحدث كرم عن "الحركات الاستفزازية التي يقوم بها بعض الشيعة، ولا سيما في أفقا حين يمنعون وصول المياه إلى قرطبا، ويفرضون الخوات التي ينتفع البعض بها".

زيتون الكسروانية: عيش مشترك
ويشير شخص من قرية كسروان المختلطة، زيتون، إلى أن المنطقة تشهد نموذجاً فريداً في التعايش المشترك، واحترام الشعائر الدينية، ولا سيما المرتقبة في أسبوع آلام المسيح، كالمسيرات التي تجوب أحياء بلدة زيتون وتمر في أحياء المسلمين، بلا أي اعتراض. وكذلك في إحياء مراسم عاشوراء التي لا تشهد أي استفزاز لمشاعر المسيحيين. ويختم كلامه قائلًا: "لكل فرد حرية الانتخاب واختيار من يمثله في البرلمان".

وإن كانت حرب المنابر الحامية ستزداد وتيرتها كلما اقتربنا من 15 أيار، لا بد من التساؤل: لماذا لم تتمكن كل من البطريركية المارونية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من نزع فتيل المشكلة العقارية في جرود جبيل، لتبقى عرضة لاستغلالها في حملات التحريض الانتخابي والنزاعات الأهلية الطائفية في المنطقة؟  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها