السبت 2023/12/16

آخر تحديث: 21:19 (بيروت)

حرب غزة والسينما البديلة: التوثيق بمواجهة "الوسيط الحار"

السبت 2023/12/16
حرب غزة والسينما البديلة: التوثيق بمواجهة "الوسيط الحار"
من فيلم "كفر قاسم" لبرهان علوية (أرشيف)
increase حجم الخط decrease
يضيء "النبش" في ذاكرة السينما الفلسطينية واللبنانية والعربية، التي ساهمت في نشر السرديّة الفلسطينية منذ الستينيات وصولاً الى حرب غزة، على أهمية توثيق مراحل زمنية تربط القضية الفلسطينية بقيمة الانسان نفسه، وتحفر في الذاكرة تأثيراً طويل الامد، يختلف في نطاقه عن تجربة البث الاعلامي خلال الازمة التي تُعرف بأنها "وسيط حار" تتمتع فيه الصورة بتأثير قصير الأمد، رغم أنها تستثير الألم والغضب. 

على العكس من ذلك، توثق السينما تفاصيل القضية من خلال حكايا أفراد ومجموعات محددة وأماكن وحيوات، وهو ما يعيد انتاج سردية مختلفة، قاربها "المعهد العالي للدكتواره في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية"، من زاوية نقدية وتوثيقية، وذلك في ندوة حملت عنوان "صناعة السينما البديلة وحرب الإبادة على غزة".

تناولت الندوة محاور عديدة عن صناعة السينما الفلسطينية من منظور أكاديمي، قدّمها كل من عميد المعهد العالي للدكتواره محمد محسن، وعميد كلية الفنون الجميلة والعمارة هشام زين الدين، عُرضت خلالها مفاهيم السينما البديلة كقوة تأثيريّة في مواجهة الهيمنة الإعلامية العالمية، والسينما والقوى الناعمة، ومحاربة العدو بسلاحه. 

سينما وإعلام
السينما البديلة، التي حاول المتحدثون التأكيد على أنّها ليست وسيلة إعلامية، بل هي حاجة مُلحّة، سيطرَ عليها التدفّق الإعلامي من الغرب إلى الشرق. ومشكلتها المعقّدة ليست في حجم المادة والرسائل الإعلامية الموجّهة، بل في موضوعاتها وعلاماتها ورموزها التي تظهر أنّها إسقاطات إيديولوجية تقلب الحقائق ولا ترى الحقيقة الناصعة للدولة النامية والشعوب المستضعفة التواقة إلى التطور والتقدم، وفق ما قال عميد المعهد العميد محمد محسن. 

استحضر محسن، تجارب روّاد السينما اللبنانية منذ الستينيات، مثل المخرجين برهان علوية وجان شمعون ومي المصري وسايد كعدو، وآخرين. أولئك الذين بدأوا في سبيعنيات القرن الماضي بخطىً ثابتة ومثابرة، واستطاعوا أن يحجزوا مكاناً بين المؤسسات المحليّة والعالميّة البديلة الأخرى، في مشروع التغيير وفرض وجهات النظر المحقّة والمغيّبة عن قصد وتصميم في الإعلام الاحتكاري والاستغلالي والعنصري. 

من خلال مروحة الافلام، يُذكر برهان علوية الذي "أحاط بتاريخ إجرام الكيان الصهيوني في كفر قاسم رسالة الى زمن الحرب". أما المخرجة  مي المصري، فأجابت في تسليط الأضواء على قضية اللبناني والفلسطيني ومعاناته داخل فلسطين وفي الشتات. فيما عالج زوجها المخرج جان شمعون في أفلامه قضية الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وصُوَرَ النَّاس ومقاومتهم لهذا الاحتلال منذ العام 1982، في "زهرة القندول"، و"لبنان رهينة الانتظار". أما المخرج سايد كعدو فتناول القومية العربية في مواجهة الاستعمار في "ارفع رأسك أخي"، ورصد المجازر التي قام بها العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان وخصوصاً مجزرة قانا العام 1996. وقد حصدت الأفلام جوائزَ في مهرجانات عالمية متنوّعة منها ما هو متخصص في حركات التحرر والإعلام البديل. 

تشكيل الرأي العام
والسينما التي يجب أن تخرج عن السائد بوجه التحديات التي فرضها العدو، وتساهم في تشكيل الرأي العام، لا تقل أهمية عن الأعمال العسكرية. هذا ما قاله الدكتور زين الدين، الذي أعطى مثلاً عن فيلم "عرس الجليل" لميشال خليفي العام 1987، الذي يُعدّ من أهم الأفلام الفلسطينية المعبّرة عن عمق المأساة الفلسطينية في وجهيها، الخارجي أي الصراع مع العدو، والداخلي المتمثل في تركيبة المجتمع الفلسطيني التقليدية التي تشكّلُ عائقاً أمام قيام حركة تحرر حداثيّة تواجه العدو بكافة الأسلحة، وليس فقط من خلال النضال المسلّح والعمليات الحربيّة. ويوجه الفيلم أصابع الاتهام إلى البنية المجتمعية الفلسطينية أو بشكل أشمل العربية الغارقة في التقاليد العمياء ويعدُّها حاجزاً يجب اجتيازه لكي يتحقق الانتصار المطلوب للقضية. 

السينما تُكمل النقل المباشر
السردُ الأكاديمي عزّزته تجارب وخبرات مخرجين مشاركين في الندوة، فتحدّث المخرج مصطفى مشهور، عن فكرة الاعتياد على  الصور والمشاهد (اي مشاهد الحرب والدماء والدمار)، ليتجاوز الواقع ذاته لما هو فوق الواقع، حيث يتوجب البحث في بدائل اللغة وليس فقط لغة الفكرة والفلسفة بل اللغة السينمائية التي تستطيع أن تستوعب، وكيف يجب أن تُقدَّم بطريقة مغايرة وإبداعية.

كما برز تحدٍ من نوع آخر أمام السينما، كتقنيّة مصوّرة أيضاً وهي وسائل التواصل الاجتماعي والبث المباشر من صور وتعليقات وانطباعات من صلب المعركة. فالسينما وفق مصطفى مشهور، "عليها أن تنطلق من النقطة التي انتهى منها البث المباشر، لا سيما المشاهد المؤلمة وتبتعد عن الشهادات الحيّة فقط التي اعتمدت عليها السينما التوثيقية والتسجيلية، وعليها إيجاد لقطة بجعل الذهول أكثر ذهولاً، وتوظيف المادة لصالح الضحية، ولصالح العدالة الإنسانية". واستعرض مشهور مقاطع ومشاهد سينمائيّة وثاثقية من أهم الخريجين اللبنانيين وغير اللبنانيين، كعرب لطفي، وإيليا سليمان، وآن ماري جاسر، وعبد عبدالله.

مبدأ أخلاقي
وفي حين ينشط المخرج هادي زكاك الذي يحاضر في الجامعة اليسوعية، في جميع الفعاليات الثقافية والسينمائية المخصصة للقضية الفلسطينية التي تُقام مؤخراً، فقد أضاء على تاريخ نشوء السينما البديلة، بأعمال المخرجين المذكورين، معتبراً أنه من خلال السينما العربية "نقول إن التزام فلسطين والفلسطينين مبدأ أخلاقي، ومنبر يتسّع لاختبار أساليب فن الصورة المتحركة في مقابة واقع بلد محتل، وأحوال أناسٍ يفرض احتلال بلدهم أنماطاً مختلفة من العيش والتفكير والمواجهة".

ثلاث تجارب مختلفة
والحال أن السينما المؤيدة للقضية الفلسطينية، خضعت لثلاث تجارب مختلفة، بدأت بصورة عن النكبة والتهجير والمظلومية، وانتقلت الى العمل الفدائي المتأثر بأعمال جبهات تحرير فلسطين، ثم انتقلت الى تصوير حيوات الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، ومعاناتهم المعيشية والتمييز العنصري بحقهم، وهو نوع غيّب المشاهد الدموية، وركز على حكايا الناس، التي قد تؤثر وتبقى في الذاكرة الحية.

أما البحث السينما الثالثة لحياة الفلسطينيين، كما سمّتها صانعة الأفلام وأستاذة السينما في الجامعة اللبنانية ربى عطية، فيقوم على الجذر الفكري الإنساني، والمركب الاجتماعي للشخصيات الفلسطينية، وعدم تلوينها وتعليبها. ووفق عطية، ظهر ذلك جلياً في أحد أهم الأفلام الوثائقية "عالم ليس لنا" للمخرج مهدي فليفل، الذي وضع اليد على ما يحدث فعلاً في واحد من أزقة العيش الفلسطيني في مخيم عين الحلوة، حيث لم يُظهر الفيلم مدى الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالشعب الفلسطيني، المتمثل بالخراب والقتل، لكن ركز على الضرر غير الواضح للعيان، بالرؤية البصرية التي رآها المخرج بتمثيل حياة أكثر من 70 ألف شخص في بقعة جغرافية صغيرة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها