السبت 2022/02/12

آخر تحديث: 11:06 (بيروت)

الطلاب ضحايا: إلى المدارس.. لئلا يكتمل انهيار التعليم

السبت 2022/02/12
الطلاب ضحايا: إلى المدارس.. لئلا يكتمل انهيار التعليم
التلامذة هم الضحايا في معركة المعلمين لتحصيل حقوقهم (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
لطالما اعتبر المعلمون أن حقوقهم المسلوبة يمكن استعادتها بالمطالبة بتحسين الأجور. وهذا أمر طبيعي لأن الأجر أساسي في تحسين مستويات المعيشة المتهالكة، بينما مشاكل المعلمين أكثر تعقيدًا اليوم، ولا سيما المتعاقدون منهم. لقد خسر المعلّم في الملاك مكتسبات الحماية الاجتماعية والاستقرار وديمومة العمل والحماية الصحية مع تفاقم الأزمة. وفي المقابل يخسر المتعلّم في الرسمي خصوصاً، عامه الدراسي الثالث. والانهيار يطال كل مكونات المجتمع، ولا سيما الفقراء والأكثر فقرًا والفئات المتوسطة والدنيا، ومن ضمنهم المعلم. وهؤلاء فقدوا مدخراتهم وقيمة أجورهم، وهي الفئة التي التحق أولادها بالمدرسة الرسمية.

المنظومة وضحاياها
لا نقاش حول حقوق المعلمين والمتعاقدين وضرورة تسوية أوضاعهم القانونية والمعيشية. ولكن مقاربة الموضوع من وجهة نظر التلامذة، هم الضحايا في معركة المعلمين لتحصيل حقوقهم. والجميع، أي المعلم والتلميذ وأهله، ضحايا تراكم أخطاء سياسات الحكومات. ومن الظواهر نستنتج أن المعلم الذي ينتمي إلى الفئة الوسطى الدنيا، وأصبح فقيرًا، يسبب ضررًا مباشرًا لتلامذة الفقراء في القطاع الرسمي. كلاهما متضرر وكلاهما ضحايا منظومة تعزز التوترات والنزاعات داخل الفئة الاجتماعية الواحدة، وتخلق تمايزات وتفاوتات بين مكونات المجتمع الواحد والفئة الاجتماعية الواحدة.

على مستوى المعلمين، لماذا نرى هذا التفاوت في الأجور والتقديمات بين معلمي الملاك والتعاقد، بين الرسمي والخاص، وكلهم معلمون عملهم متشابه ونتاجهم كذلك؟ وعلى مستوى التلامذة نجد أيضاً هوة بين مستويات التعليم بين القطاعين، إضافة إلى انطلاق العام الدراسي بفارق 4 أشهر في الرسمي. فإضرابات المعلمين في الرسمي حالت دون انطلاق العام الدراسي، ولكنه في الحقيقة أعمق من مسألة أجر أو بدلات نقل، بل هو خسارة تقديمات الحماية الاجتماعية والصحية والاستقرار الوظيفي وقيمة الدخل لديهم.

تدمير الملاك التعليمي
المعلمون، كما غالبية المواطنين، متعثرون، وتشكيلاتهم النقابية المتعددة تحاول تصحيح الأجور وبدلات النقل. وهذا مشروع وطبيعي. وهي طروحات آنية تعالج حالة موضعية. فتشكيلاتهم النقابية لم تر أبعد من تحقيق مطلب آني، بينما ما شاهدناه على مدى السنوات العشرين الماضية هو أنماط متكررة تمارسها المنظومة السياسية ولا سيما التربوية والتشريعية: سلب الحقوق وتقديمات الحماية الاجتماعية والصحية لهذه الفئات، وتوسع الفئة الأكثر غبنًا، كالمتعاقدين على حساب الملاك من خلال منع التوظيف في القطاع الرسمي. ما يعني عدم التثبيت أو إبرام عقود شبه ثابتة أو تقديمات توازي معلمي الملاك مع المتعاقدين في المستقبل.

نحن امام معضلة. فالمنظومة تتجه إلى فرط العقد الوظيفي مع معلمي الملاك في القطاع الرسمي. والمعلم هو العنصر المنتج الوحيد في المدرسة. وتتجه المنظومة إلى استبداله بالمتعاقد الذي لا تشمله التقديمات والحماية الاجتماعية ولا الأجر ولا سلسلة الرتب، بما في ذلك حرمان الملاك من هذه التقديمات نتيجة الأزمة، كالتغطية الصحية والتعويض وحتى قيمة الراتب. وهذا يحول دون مطالبة المتعاقد بالانضمام إلى الملاك، الذي لم يعد مغريًا، وربما يصير أسوأ لصالح المتعاقدين بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

عودوا إلى المدارس
أمام هذه المعضلة، وكي لا تدفع الفئات الضعيفة الثمن، على المعلمين المتعاقدين والملاك، وهم من هذه الفئة، التفكير عميقًا بتداعيات إضرابهم الحالي واللاحق (المتوقع مستقبلاً بسبب ارتفاع الدولار والأسعار والكلفة المعيشية) وتأثيره على أخوتهم وعائلاتهم والفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها، أي ثلاثة أرباع المواطنين. فتلامذة القطاع الرسمي هم مسؤولية مجتمعية على الدولة التكفّل بهم وحمايتهم. ولكنها غائبة، بل أن خياراتها تعزز النزاعات وتأجج الصراعات والتفاوتات. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى الوعي لدى المعلمين للمبادرة إلى المشاركة المجتمعية في تأمين حد أدنى من العام الدراسي، لئلا يدفع أخوهم أو ابن عمهم وجيرانهم من تلامذة الرسمي هذا الثمن، فيعززون بالتالي الفوارق بين الرسمي والخاص واضمحلال التعليم الرسمي لصالح الخاص.

عودوا إلى المدارس، ليس استرضاءً ورضاءً بما قدمته المنظومة من فتات، بل انطلاقًا من المسؤولية المجتمعية ولو على حسابكم الشخصي، كسائر المواطنين، علّنا نحدّ من تفاقم أزمة مستقبلية تطال أولادنا جميعًا عند انهيار التعليم انهيارًا كاملًا ونهائيًا، ولا سيما في القطاع الرسمي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها