الإثنين 2022/11/21

آخر تحديث: 14:33 (بيروت)

رسالة الاستقلال والوزير الحلبي: التنصل من المسؤولية

الإثنين 2022/11/21
رسالة الاستقلال والوزير الحلبي: التنصل من المسؤولية
وجه الحلبي بالاستقلال رسائل متفرقة تدين كل الأفرقاء المعترضين على آداء الوزارة (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
تحمل رسالة الاستقلال التي وجهها وزير التربية عباس الحلبي، بهذه المناسبة، مضامين لا علاقة لها بالاستقلال. تتضمن رسائل كثيرة. الأولى تتعلق بإبعاد شبهات الإهمال عن وزارته ومسؤوليته المعنوية عن مقتل التلميذة ماغي محمود وإصابة زميلتيها، وذلك من خلال إصدار حكم مبرم بحق صاحب المبنى والمتعهد قبل صدور نتائج التحقيقات. والرسالة الثانية موجهة إلى الجهات المانحة، وربما المعني الأول فيها اليونيسف، لأنه بات واضحًا تعثر علاقتها مع الوزير. وتمثل الأمر بإلغاء الاحتفال الذي كانت تنظمه اليونيسف في قاعة المؤتمرات في الوزارة، قبل أيام قليلة من موعده. وكان يفترض أن يتم برعايته وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة نجاة مجيد. ألغي الاحتفال وتم الاستعاضة عنه بزيارات مجيد المقررة مسبقاً للمسؤولين. وأبعد الوزير والوزارة نفسهما عن مواجهة أطراف المجتمع المدني والتربويين، الذين كانوا سيشاركون في المؤتمر. فهم غاضبون من أداء الوزارة والحكومة، وكانوا سيعلنون مواقف تصعيدية في المؤتمر.

مناهج غير تربوية
أما الرسالة الثالثة التي حمّلها الوزير لرسالة الاستقلال فهي إعلان أن الإطار العام للمناهج قد تم التوافق عليه من مختلف الأطراف السياسية والطوائف والأحزاب و"بإجماع وطني تربوي" كما ورد في الرسالة. علماً أن "الإطار" لم ينشر، ولم يتم دعوة المجتمع المدني والأكاديميين المعنيين لنقاش مضمونه. بل تم استبعاد كل رأي مخالف لمقاربة الوزارة والمركز التربوي للإنماء والبحوث. وقد تم تضمينه مقاربات تربوية ملتبسة، وتربية وطنية مغلوطة، وسط غياب كامل للمتعلم/ة من جوهر "الإطار". والمؤسف أن أسماء شخصيات مرموقة في اللجنة العليا للمناهج سمحت بإنتاج هذا الإطار العام من دون اعتراض، وبضغوط من الوزير الحلبي ومستشاريه، لإيهام الممول بوجود توافق شامل عليه للإفراج عن المستحقات المالية الخاصة بالمناهج. 

مظلومية الوزارة
إلى هذه الرسائل الآنفة الذكر، هناك رسائل متفرقة تدين كل الأفرقاء المعترضين على أداء الوزارة. هذا فضلاً عن التركيز على مظلومية الوزارة، وبأنها مستهدفة لتعطيل مسيرة استعادة قطاع التعليم الرسمي وتطويره. فالوزارة تعتبر نفسها مستهدفة من المعلمين/ات المعترضين، على أدائها، فقط لأنهم/نّ غير خاضعين للإملاءات، من أمثال النقابيين/ات نسرين شاهين وتحرير عودة وحسن مظلوم وأقرانهم، الذين يسائلون ويطالبون بالحقوق البديهية. فتلجأ الوزارة مجددًا إلى الترهيب وقطع أرزاقهم.
وتدافع الوزارة عن نفسها وتعتبر أنها مستهدفة، فقط لوجود مساءلة طرحها مركز الدراسات اللبنانية، الذي نشر أعداد المباني المدرسية المهددة بالسقوط، ونشر حول الأموال المخصصة للترميم والتي لم تنفذها الوزارة وشروط المراقبة والتقييم المحددة في عقود المنح الدولية. أو أيضاً لوجود تعليقات وانتقادات من الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية ومن الدكتور عدنان الأمين وغيرهم على الإطار العام للمناهج، وكيفية صياغته.

التنصل من المسؤولية
يتطلع الوزير "إلى ترسيخ اللحمة الوطنية من خلال التربية، ويراهن على الأجيال الشابة وعلى المعلمين والمؤسسات التربوية الرسمية والخاصة، لصون الاستقلال وتمتين دعائمه في الفكر والممارسة واحترام القانون والنظام"، كما جاء في رسالة الوزير في عيد الاستقلال. بينما "المعرفة المدنية والوطنية" في الإطار العام للمناهج لم تذكر دور وواجبات الدولة في تأمين الحقوق الأساسية للمواطنين إلا في هذه الجملة الملتبسة: " تزيد وعي المتعلمين بهويتهم اللبنانية وحقوقهم وواجباتهم ومسؤولياتهم كمواطنين أعضاء في بيئاتهم المحلية وفي المجتمع اللبناني، ومسؤولية الدولة في رعاية مصالح المواطنين كافة". والجملة الأخيرة لا تزيد من وعي المتعلمين على واجبات الدولة تجاه المجتمع، بل تقرّ بدور رعائي لمصالح الأفراد، وليس للمجتمع من خلال تأمين الحماية الاجتماعية، ونمو وازدهار المجتمع ككل. وبهذا المعنى، يخرج المتعلم معتقدًا أن لا دور للدولة ومؤسساتها في تأمين الحقوق الدنيا للمواطنين، ولا يكتشف تنصلها بشكل كامل من أي دور في رعاية شؤون المجتمع.
المعرفة المدنية والوطنية المقترحة في الإطار العام للمناهج تحاكي هذه المقاربة لتنصل الدولة من مسؤوليتها كما تريد الحكومة ووزارة التربية. فالمسؤولية، أي كانت معنوية أو مادية أو قانونية، لا تتحمل وزرها الدولة. بمعنى أوضح، لا مسؤولية للدولة في إنهيار سقف مدرسة رسمية على الطلاب، ولا في إنفجار مرفأ بيروت، ولا في الأزمة الاقتصادية، ولا حتى في نهب أموال المودعين.. الدولة بريئة من أي مسؤولية.

الاستقلال للاحتفال
باختصار، مضمون رسالة الإستقلال، هو دعوة التلامذة إلى تثبيت الشراكة الوطنية مجددًا. أي تثبيت نظام المحاصصة الذي أوصلنا إلى الدرك الحالي والإنحطاط السياسي والأخلاقي للسياسيين والمسؤولين. وتدعوهم إلى الاحتفال بالاستقلال ليعود لبناننا نظيفًا جميلاً مستقرًا نحقق فيه أحلامنا، ولا نعرف كيف!

المفارقة أن الوزير لم يدعُ المتسربين من المدرسة، أو غير الملتحقين بالمدارس، إلى الإلتحاق بها. فالأرقام تقول إن أقل من 50 بالمئة من الملتحقين بالمدارس في العام الماضي تسجلوا هذا العام. وهؤلاء الأطفال (نحو 150 ألف طفل لبناني و300 ألف طفل سوري) لن يسمعوا ولن يعرفوا رسالة الوزير ولا رسائله الموجهة إلى غير الأطفال والمتعلمين. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها