الثلاثاء 2020/02/04

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

لجنة المحامين والنقيب خلف.. الثورة بثوب العدالة (1)

الثلاثاء 2020/02/04
لجنة المحامين والنقيب خلف.. الثورة بثوب العدالة (1)
شكلت لجنة المحامين خشبة الخلاص من براثن القوى الأمنية (العلاقات العامة - الأمن الداخلي)
increase حجم الخط decrease

بتاريخ 20 كانون الثاني المنصرم أقدم قاضي محكمة الجنايات في بيروت، سامي صدقي، على طرد المحامي مالك عويدات (86 عاماً) من قاعة المحكمة، لأنه كان يتحدث بصوتٍ مرتفع. كان عويدات يجلس في الصف الأخير من قاعة المحكمة، بانتظار أن يأتي دوره عندما اقترب منه أحد أقاربه ليسأله إن كان قد تناول دواءه. ولأن سمعه ضعيف، رد عليه بصوت مرتفع. عندها سأل القاضي صدقي "مين عم يحكي". فأجابه أحد المحامين بأن من يتكلم محامٍ فردّ صدقي: "وإذا محامي.. طلعوه برا خليه يحكي وبيفوت على القاعة وقت تصير جلسته". وعليه أخرج المحامي عويدات خارج القاعة بثوب المحكمة.

وقد بدا الحزن واضحاً على المحامي عويدات، الذي ظهر خلال مقطع مصور، يشرح ما جرى معه لنقيب المحامين ملحم خلف، ليطمئنه الأخير أن حقه لن يضيع "ما حدا بضهّر محامي من قاعة المحكمة"، ثم تأبط ذراع عويدات ودخل معه إلى القاعة، وانتظر انتهاء القاضي صدقي من جلسته، ليعلمه برفضه ما جرى مشدداً أن أحداً لا يخرج محامياً يرتدي ثوب المحاماة من القاعة. وطلب من جميع المحامين مغادرة القاعة. ولاحقاً، أصدر تعميماً بمقاطعة جلسات صدقي، إلى أن يتم احترام "أصول التعامل التي توجبها علاقة التكامل بين المحامي والقاضي في تحقيق العدالة، ووجوب احترام المحامي في تأدية رسالته داخل قاعات المحاكم".

إلى الساحات
خطوة النقيب خلف لاقت تأييداً كبيراً من قبل المحامين، وإعجاباً أكبر من جموع الناس، حتى أن البعض جنح للمطالبة بنقيب على غراره في باقي النقابات المهنية. إذ رأى المحامون أن "خلف أعاد للمحامي مكانته، التي فقدت الكثير من هيبتها في عهد النقيب السابق. وأثبت أنه رأس الحربة ليس في الانتصار على التحالفات الحزبية ضده، بل أيضاً في الدفاع عن نقابته وعن المحامين المنضوين تحت لوائها. كما يسعى بكل ما يمكنه للدفاع عن الثوار والمتظاهرين الذين يتم اعتقالهم منذ بدء ثورة 17 تشرين الأول". كيف لا، وهو في يوم انتخابه وفوزه في 17 تشرين الثاني 2019 حمل لقب "نقيب الثورة"، بعد أن تمكن من الفوز مخترقاً كل الحواجز الحزبية التي تكتلت ضده، لتعلو لحظة الإعلان عن فوزه صيحات الثورة في قاعة "الخطى الضائعة" في قصر العدل في بيروت، وليتوجه النقيب بعد ذلك إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، ليحتفل في خيمة لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين.

بنزوله، قدم دعماً جدياً لـ"لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين في لبنان"، هذه اللجنة التي لم تنشأ مع انطلاقة ثورة 17 تشرين الأول 2019 وإنما يعود وجودها إلى العام 2015 في عز أزمة النفايات وموجة التحركات الاعتراضية التي رافقتها، والتوقيفات التي جرت خلالها واستدعت ولادة طارئة لهذه اللجنة، حين تلاقت مجموعة من المحامين والمحاميات بالتنسيق مع جمعية المفكرة القانونية، وذلك كرد فعل على قمع التظاهرات من قبل السلطة السياسية والتوقيفات التي كانت تحصل بحق المتظاهرين فدافعت عنهم أمام المحكمة العسكرية والقضاء الجزائي. ومع انطلاق الثورة عاودت المجموعة عملها بشكل عفوي نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية وتوقيف أكثر من 130 متظاهراً في أوّل يومين من التظاهرات التي طالت جميع مناطق لبنان.

تضم لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين في لبنان نحو 50 محامياً من مختلف المناطق اللبنانية، تطوعوا لمساعدة المتظاهرين، ولم يكن عملها في العهد السابق يسيراً فهي كانت تعمل من دون أي دعم نقابي.

ثورة داخل النقابة
وعن ذلك تحدثت المحامية مريانا برو، وهي متطوعة سابقة في لجنة المحامين، فرأت أن "أهم إنجاز للثورة هو ما حدث في نقابة المحامين بعد سيطرة حزبية، ووصول النقابة إلى حال من الثورة على العهد النقابي السابق، قبل اندلاع الثورة على الصعيد الوطن. الآن عادت النقابة للسير على السكة الصحيحة. وعدنا إلى العهد الذهبي بوصول أعضاء النقابة الحاليين برئاسة النقيب خلف. فهو عمل على تطبيق نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي لم تكن المخافر والضابطة العدلية تلتزم بتطبيقها. ولم يكن هناك مخالفة للقانون وحسب، وإنما سحق له. وقد بذلت النقابة في هذا السياق جهداً كبيراً برئاسة النقيب خلف كي تطبق ممارسة القوانين. ففي السابق لم يكن يسمح للمحامي برؤية الموقوف، فيما هذا من أبرز حقوقه، وإلا يعد مخطوفاً. إضافة الى حملات التوعية لحقوق الموقوفين أثناء التوقيف. ففي السابق كانت تؤخذ إفادات تحت الإكراه والعنف، بينما الآن بات المواطن يعرف حقوقه، ومنها أن يطلب طبيباً شرعياً. وهو ما عمل عليه النقيب بجدية. وقد ساعد لكي يكون للمحامين قوة مضاعفة، لأن المحامي الذي من وظيفته حماية الحقوق والحريات يتعرض أيضاً للضغوط. وفي السابق كان المحامون يتعرضون لضغوط من قبل نقابتهم السابقة. واختلف الأمر عندما جاء نقيب من وجع المواطنين وقريب من المحامين، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان. وبالتالي، فإن وجوده قدم لهم الدعم". 

تطوعت المحامية نرمين سباعي في لجنة المحامين للدفاع عن حقوق المتظاهرين منذ العام 2015، وعن نشوء هذه اللجنة والعراقيل التي تواجه عملها قالت: "واحدة من الأمور التي أجبرتنا أن نكون موجودين في الحراك الذي نشأ في العام 2015 هو غياب النقابة ودورها أن تكون رأس حربة في الدفاع عن المتظاهرين والحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، في ظل تبعية النقابة وأعضاءها للسياسيين. من هنا لم تكن النقابة فعالة وتقريباً غير موجودة. كان هناك نقص في أداء الواجب، فعملنا على سده. ومع وصول النقيب خلف تبدل الأمر. إذ بات هناك تنسيق معه، طبعاً مع محافظتنا على هامش من الاستقلالية في عملنا. لكن هو أيضاً يملك سلطة تقديرية ويتدخل كلما رأى حاجة لذلك. وقد نشط ميدانياً في عدة أماكن، ما أعطاناً دفعاً كبيراً. لكن الأهم أنه يعطي سنداً للناس، الذين يرون أنه بات لديهم من يحميهم، وأن المحامين يشكلون دعماً وقوةً لهم مما يجعلهم مندفعين أكثر".

في كل مرة يبلغ الغضب الثوري ذروته، يكون الرد باعتقالات عشوائية تطال المحتجين الذين أغلبهم يعجزون عن توكيل محام، من هنا شكلت لجنة المحامين "قشة" الخلاص بالنسبة للعديد من الأشخاص. لكن عمل اللجنة لا يقتصر على ملاحقة الموقوفين في النظارات. وعن مهامها تقول سباعي: "نحن نقوم بتقديم الارشادات القانونية للثوار في الخطوات التي ينوون القيام بها، كما أنه يتم سؤالنا عن الشعارات التي يريدون رفعها وإن كانت تدخل ضمن إطار القدح والذم أو أنها تراعي حدود حرية الرأي والتعبير. ناهيك عن أن اللجنة تهتم بمسألة الاستدعاءات التي تطال بعض الأشخاص إن كان على خلفية حرية الرأي والتعبير أو التعرض لرئيس الجمهورية أو بعض المسؤولين والرموز السياسية وقطع الطرقات. كذلك نشارك في ساحات النقاش من خلال تقديم الاستشارات القانونية، وقد قدمنا الاستشارت في موضوع الصرف التعسفي من العمل. كذلك شكلنا لجنة فرعية منبثقة عن لجنتنا تعمل على موضوع المصارف وهنا يتم التنسيق مع لجنة "مش دافعين" فيما خص المصارف والقروض".

انتهاكات بالجملة
وتنوه المحامية سباعي إلى أن عمل لجنة المحامين ليس باليسير، في ظل عدم تعاون الضابطة العدلية وأجهزتها. وتقول: "مشكلتنا الأساسية هي في عدم احترام الأصول ولا احترام التبليغات. كما أن هناك عشوائية في الاستدعاءات والتوقيفات. يقابل ذلك عدم التعاون من قبل الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية، لا سيما مخابرات الجيش وشعبة المعلومات والشرطة العسكرية. ففيما يخص التوقيفات لا يوجد شفافية ولا تطبيق للأصول الجزائية، ناهيك عن انتهاكات جمة للمادة 47 من قانون أول المحاكمات الجزائية. وبالنسبة للاستدعاءات أحيانا يأتي اتصال شفهي فلا نعرف من أعطى الغشارة؟ وما هو الجرم المنسوب؟ ولماذا هذا مستدعى؟ وإن أصعب ما في التوقيفات هو العنف المفرط الذي يتعرض له الموقوفون، ناهيك عن حالات الخطف والإخفاء القسري، عندما لا يكون بإمكاننا معرفة أين الموقوفين لنحو 30 ساعة، ولا نستطيع تطمين أهاليهم عنهم ولا عرضهم على الطبيب الشرعي. كذلك مسألة خرق خصوصية الهواتف التي تكون أحيانا من دون إشارة النيابة العامة ومن دون احترام للأصول في هذا المجال".
(يتبع)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها