الأحد 2020/03/08

آخر تحديث: 00:19 (بيروت)

"الثورة أنثى" في 17 تشرين.. وبعدها لن تسكت امرأة

الأحد 2020/03/08
"الثورة أنثى" في 17 تشرين.. وبعدها لن تسكت امرأة
كان حضورهن طاغياً في معظم التظاهرات (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم تنتظر النساء اللبنانيات هذا العام يوم الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، للتذكير بحقوقهن. فهن بدأن بذلك منذ انطلاق ثورة 17  تشرين 2019، حين سددت ملاك علوية ركلة إلى أسفل بطن أحد حراس الوزير السابق أكرم شهيب في بداية تلك الثورة. وتحولت صورتها إلى رسم انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغدت "أيقونة" عنوانها: "كسر حاجز الخوف والمواجهة".

حادثة بسيطة كانت محفزاً لاندفاع النساء إلى التظاهر بكثافة غير مسبوقة  في المناطق اللبنانية. ليس في وجه الفساد والهدر والسرقات وحسب، بل في وجه القوانين التمييزية وضد النظام الأبوي القاتل المطبق على أنفاس الكثيرات.

الثورة أنثى
"في لبنان الثورة أنثى"، هذا ما كان من أكثر الشعارات رواجاً منذ انطلاق الحراك الشعبي. فنساء لبنان استطعن كسر الصورة النمطية المعروفة عن المرأة اللبنانية، بأنها الجميلة التي لا تهتم سوى بأناقتها وأبرز صيحات الموضة. ظهرت صورة أخرى، ربما كانت لسنوات مخبأة تحت عباءة الذكورية: نساء لبنان محاربات شرسات دفاعاً عن حقوقهن، فبرزن متكلمات في السياسة والاقتصاد والشؤون المعيشية.

لم تكن النساء  في مقدمة التحركات فحسب، بل شكلن في كثير من الاعتصامات دروعاً بشرية، سواء في المواجهة بين المتظاهرين والقوى الأمنية، أم في مواجهة "أزلام السلطة" و"شبيحة" الأحزاب السياسية.  وعليه لم تسلمن من أنواع العنف الذي تعرض له الثوار. وكان حضورهن طاغياً في أطول سلسلة بشرية من شمال لبنان إلى جنوبه.

نسوية أم أنثى؟
لم يكن لثورة 17 تشرين الأول قائد موجه، ولكن نساء لبنان استطعن مرات أن يكن في قيادة التحركات، ويرفعن الصوت عالياً. وهي لم تستجدِ حقوقاً نالتها في معظم بلدان العالم، بل خرجت إلى الشارع تطالب باسم كل الشعب اللبناني، إلى جانب الرجل وضده في الآن نفسه. لماذا ضد الرجل؟ لأن معاناتها الأساسية هي في القوانين التمييزية بحقها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من أن دستور لبنان يدعو إلى المساواة بين جميع أبنائه.

ولعل أبرز التحركات النسائية كانت مسيرة 13 تشرين الثاني التي انطلقت النساء فيها من المتحف الى ساحة الشهداء في بيروت للمطالبة بحق المرأة بإعطاء الجنسية لأولادها وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، وكذلك مسيرة 7 كانون الأول ضد التحرش الجنسي.   

وقالت نساء لبنان: "لا للحرب الأهلية مجدداً" وقمن بمصالحات بين أهالي منطقة عين الرمانة والشياح بتاريخ 27/11/2019، وبين المتظاهرين وأهالي "خندق الغميق" في 30/11/2019.

لكن الناشطة النسوية علياء عواضة ترفض مقولة "الثورة أنثى"، لتقول إن"الثورة في لبنان نسوية، لأن النسوية تتحدث عن العدالة الاجتماعية بين الطبقات والشرائح المجتمعية وجميع الأشخاص على الأراضي اللبنانية".

وترى أن"المشاركة الفاعلة والمميزة للنساء هذه المرة" نتيجة جهود المنظمات والجمعيات النسوية في السنوات العشر المنصرمة، في حملات المناصرة والمدافعة. وقالت: "لا يمكن إخفاء أن النظام اللبناني يقمع النساء اجتماعياَ واقتصادياً وقانونياً، ووجدت النساء الفرصة في هزّ هذا النظام وإثبات وجودهن وحجم القمع الذي يتعرضن له".

ورأت أن "ما يميز المسيرات في هذه الثورة عن التظاهرات السابقة، أن مطالب النساء باتت جزءاً من مطالب الثورة". وظهر لدى الناس "وعي" بأن البلد لن يبنى من دون المرأة على طاولة الحوار.

ومن مطالب عواضة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: "قوانين عادلة وغير تمييزية وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية".

صمام أمان
ورأت سعاد غاريوس أن مسيرة النساء من عين الرمانة إلى الشياح ومن جسر "الرينغ" إلى الخندق الغميق هي من أبرز التحركات نساء في الثورة، لأنها "نجحت في وضع حداً لفلتان أمني كاد أن يقع، فشكلت النساء في هذه الخطوة صمام أمان حقيقي".

أما الناشطة مريم نبيل فاعتبرت أن ما دفع المرأة اللبنانية هذه المرة إلى المشاركة بكثافة، "تطويرها الدائم لنفسها. واكتسبت في الآونة الاخيرة خبرات من الثورات في دول مجاورة. وهذا شجعها على خوض التجربة بثقة".

ورأت أن "مسيرة قرع الطناجر" كانت من أبرز التحركات، سيما وأنها استمرت لأسابيع و"شارك فيها أطياف الشعب والناس بقرعهم الطناجر يومياً في الساعة الثامنة مساءً من على شرفات المنازل وفي الساحات".

واعتبرت الناشطة نضال مقداد أن دورالمرأة لم يعد يقتصر على المشاركة الشكلية، بل باتت تقود التحركات، وتهتف وتقوم بإجراء مصالحات رفضاً للحرب الأهلية. وقالت: "جاءت ثورة 17 تشرين لتطلق المرأة اللبنانية المكبوت في داخلها. فهي لم تنل حقها في ما يتعلق بالعنف الأسري والتحرش الجنسي ومسألة الحضانة".  

أما الناشطة هبة المصري فتؤيد مقولة "الثورة أنثى" لأن "المرأة شاركت في التحركات التي حصلت وتحصل. ورفعت المرأة اللبنانية مطالبها ومطالب أفراد عائلتها". وهي رأت في الثورة أمهات وزوجات يعانين من هجرة أبناءهن وأزواجهن، ويحلمن بوطن يقنعهم بالعودة. ورأت أمهات يشرحن لأطفالهن أسباب المشاركة في التحركات.

الحق بالجنسية
في اليوم العالمي للمرأة، لا تزال المرأة اللبنانية عاجزة عن منح أبناءها الجنسية. وهذا حق طبيعي في دول العالم، إلاّ قلّة قليلة منها لبنان. ولم تغفل الثورة عن هذا الحق بل أكدت عليه. ذلك أن حرمان المرأة منه يجعلها تعاني من مواطنة منقوصة مع أبنائها مدى الحياة.

وفي حديث مع عزة قباني من حملة "جنسيتي كرامتي" قالت: "يحق للمرأة اللبنانية منح جنسيتها لأولادها، ومعالجة وضع مكتومي القيد. لتتساوى المرأة والرجل. أكدنا على هذا منذ إنطلاقة الثورة".

ولفتت قباني إلى نساء لا تعرفن أنه لا يحق للمرأة اللبنانية إعطاء الجنسية لأبناءها، ولا تعرفن ماذا يعني "مكتومي القيد" أو"قيد الدرس". وهذه الثورة أسهمت في التوعية.

..وبالحضانة
وقبل نحو أسبوع من يوم المرأة العالمي اعتصمت نساء أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيروت وأمام المحكمة الجعفرية في صور. وذلك بعد انتشار فيديو لإمرأة تنتحب خلف سياج فاصل بينها وبين قبر ابنتها، بعد حرمانها من

حضانتها. ومعاناة الأمهات عامة والشيعيات خاصة في مسألة الحضانة ليست بجديدة على مسامع الناس، بل هناك تاريخ من عذابات النساء في أبسط حقوقهن: حضانة أبنائهن.

"حضانتي ضد المحكمة الجعفرية؟" هو شعار رفعته المناضلة النسوية نادين جوني لسنوات من أجل حقها بحضانة وحيدها كرم، وسواها من النساء اللواتي أسكتهم الخوف من المجتمع الذكوري ومن سطوة المحاكم الدينية وغطرستها في التعامل مع المرأة.

رحلت نادين وفي قلبها حسرة بأنها لم تتمكن يوماً من تجهيز ابنها للمدرسة أسوة بالأمهات. لم تتمكن يوماً من احتضانه بعد نهار دراسي طويل والاستماع إليه وهو يروي نهاره ومغامراته. رحلت نادين بعد أن كانت صوت المئات من النساء اللواتي خضعن لغطرسة المحاكم الدينية.

لكن ثورة 17 تشرين الأول انتزعت الخوف من أعماقهن، وما عاد بالإمكان إسكات إمرأة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها