الأربعاء 2020/11/25

آخر تحديث: 12:25 (بيروت)

متطوع لبناني بـ"أطباء بلا حدود" في كينيا: كورونا وكوليرا

الأربعاء 2020/11/25
متطوع لبناني بـ"أطباء بلا حدود" في كينيا: كورونا وكوليرا
"تغيرت نظرتي إلى الأشخاص المدمنين" (منظمة "أطباء بلا حدود")
increase حجم الخط decrease
في زمن كورونا الذي يجتاح العالم، تتابع منظمة أطباء بلا حدود مشاريعها وحملاتها حول العالم. والمنظمة الطبية الدولية تتيح دائما لمتطوعيها رواية تجاربهم وشهادتهم عن الحملات التي يشاركون فيها. وهنا تجربة المتطوع اللبناني في المنظمة، إبراهيم اللحام.

كورونا والرعاية الصحية 
وصلتُ إلى كينيا منذ سنة ونصف السنة تقريبًا. لم تكن هذه البعثة الأولى لي مع منظمة أطباء بلا حدود. فقد بدأت مهمتي في جنوب السودان، ثم انتقلت إلى ملاوي. وها أنا اليوم أكمل بعثتي الثالثة في كينيا، متنقلاً بين نيروبي وإيمبو وإيليرت. ولكل منطقة من هذه المناطق حضور في قلبي، وسأروي شيئاً عن عملي في كل واحدة منها.

نعمل في كينيا على التأهيل والمساعدة في تجهيز مراكز الرعاية الصحية الأولية. وكما في دول العالم كله، أثرت جائحة كورونا بشكل كبير على النظام الطبي في كينيا. ونحن كلوجستيين وكفريق طبي في أطباء بلا حدود، نعمل بجهد كبير لتأمين الأدوية للجميع.

في عملي لا أتعامل مباشرة مع المرضى المصابين بكورونا، بل أعمل في مهام تشمل تدريب ومساعدة المستشفيات ومراكز الحجر والرعاية الصحية الأولية في المناطق، وكيفية إدارة المستشفى أو العيادة.
عندما وصلت إلى كينيا بدأت رحلتي في العاصمة نيروبي. في الأشهر الثمانية الأولى بدأت التحديات.

علاج مدمني المخدرات
كان عملي الأول في عيادة كبرى متخصصة في التأهيل الريادي وعلاج المدمنين على المخدرات. كانت العيادة تستقبل ما بين 300 و350 مدمناً نيروبياً يومياً. قمنا بتجهيز العيادة وتدريب الطاقم وكل ما يتعلق بالأمور اللوجستية التي تحتاجها العيادة والطاقم العامل فيها.

تعلمت في هذا المركز الكثير من الأمور العمَلية. وهي تجارب لن أنساها، وغيرت نظرتي إلى الأشخاص المدمنين. تعلمت أن الإدمان ليس خياراً. وأن الشخص المدمن ليس مجرماً ولا سيئاً. ولكن يجب منحه فرصة جديدة ليستأنف الحياة، حياته. وقد يكون شعوري بأنني أساعد شخصاً في اكتساب أمل جديد في الحياة، من المشاعر التي لن أنساها. كم تغمرك السعادة حينما يكتسب شخص ما حياة جديدة ويرضى عن نفسه أمام ناظريك.

مكافحة الكوليرا
وبما أن عملي في منظمة أطباء بلا حدود مليء بالمغامرات والمفاجآت، طُلِب مني - وأنا في منتصف مهمتي في عيادة نيروبي - الانتقال إلى منطقة إيلريت Illeret التي تقع شمال كينيا. وهي قرية في مقاطعة مارسابيت.

هنا الحياة مختلفة تماماً عن نيروبي: قرية بسيطة نائية تقع على الشاطئ الشرقي لبحيرة توركانا شمال منتزه سيبيلوي الوطني، وبالقرب من الحدود الأثيوبية.
في إيلريت بدأنا التدخل السريع  لمكافحة الكوليرا. هنا على الحدود الكينية - الأثيوبية كانت مهمتي تدريب طاقم وزارة الصحة على كيفية التعاطي مع وباء الكوليرا، وكيفية تنظيف المياه وتعقيمها.
ومن التحديات الكبرى في هذا العمل أنها كانت تجربتي الأولى في إدارة فريق طبي كامل. والأهم أن هذا الطاقم كان يمتلك الثقة بعملي وإدارتي للأمور. وهذ إنجاز في مسيرتي مع أطباء بلا حدود، ويزيدني شغفاً بهذا العمل اللوجستي والإنساني.

معالجة النفايات الطبية
أنهيت مهمتي السريعة في ايلريت وعدت مجدداً إلى نيروبي. وبدأت العمل مع فريق العمل الخاص بالعيادة على مشروع معالجة النفايات الطبية. وهذه كانت من أكبر التحديات. أنا فخور جداً بهذا العمل، خاصة أننا استطعنا كفريق ابتكار تصميم جديد لمحرقة خاصة بالنفايات الطبية. بعدما كان يجري التخلص منها بشكل خاطئ ومؤذٍ للبيئة. كانوا يستهلكون الكثير من الحديد في المحرقة بلا فائدة.

لقد انجزنا تصميماً جديداً لمحرقة صديقة للبيئة. ووافقت عليها إدارة أطباء بلا حدود، وكذلك وزارة الصحة الكينية. وهذا كان من أجمل الانجازات لنا في كينيا.

رعاية مصابين بأمراض غير معدية
بعد نيروبي توجهنا إلى سفوح جبال كينيا الجنوبية الشرقية، وبالتحديد إلى منطقة إيمبو التي تبعد حاولى 125 كيلومترًا شمال شرق نيروبي، باتجاه جبال كينيا.

في هذه المنطقة بدأنا مشروعاً تجريبياً يركز على اختبار نماذج رعاية المصابين بالأمراض غير المعدية. وذلك في مرافق رعاية صحية أولية قائمة. كانت مهمتنا إكمال هذا المشروع من خلال تجهيز عيادة خاصة بأمراض متعددة، مثل الصَرَع، السكري، والضغط.
في إيبمو كان العمل مختلفاً. لناحية المرضى وجغرافية المنطقة. في العيادة دربت الممرضين والممرضات على كيفية إدارة المرضى، وتنظيم مستودعات التخزين. وخصوصاً تخزين الأدوية وكل ما له علاقة بالأمور الإدارية واللوجستية، وصولا ألى كيفية الاستفادة من مياه الأمطار لإعادة استعمالها. ولاقى هذا المشروع رواجاً كبيرا في المنطقة. 
كانت العيادة تستقبل نحو ستة ألاف مريض من أعمار مختلفة، ولكن غالبيتهم ما فوق سن الأربعين. 
تجربتي في كينيا كانت مكللة بالشغف والحب. وأعتبر أنَّ هذه البعثة من المحطات المميزة في حياتي، بعد عملي داخل سجن في ملاوي، ومنطقة الصراع في جنوب السودان.

أما اليوم، فأنتظر البعثة الجديدة مع أطباء بلا حدود بشغف كبير. ومن خلال تجربتي الكينية بت أعرف مهامي. وأنا اليوم أفضل أن أكون مدرباً، وليس مدير مشروع، لأكون أقرب إلى الناس والعاملين والعاملات والطاقم الطبي للمنظمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها