الجمعة 2020/01/03

آخر تحديث: 00:17 (بيروت)

أشباح يقطعون الطرق لساعات في قضاء زحلة

الجمعة 2020/01/03
أشباح يقطعون الطرق لساعات في قضاء زحلة
في غياب حرارة البشر بدا المشهد عبثياً موحشاً (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، ثمة ثغرة تعيق تقدمها في قضاء زحلة. لم ينجح المحتجون في اعتماد ساحة موحدة لهم، أسوة بباقي المناطق اللبنانية. وكلما حاولوا توحيد جهودهم المشتركة، انتهوا إلى حال أكثر تشرذماً، وتحولت تحركاتهم المشتركة إلى خلافات في وجهات النظر، فأدت أحيانا إلى تقاذف التهم في ما بينهم.

الصمت على الحرمان
لم يجمع محتجو البقاع على تحرك واحد. وعندما تطلّبت بعض المواقف تآزرهم، لم يثبت كثيرون على مواقفهم. لذا تحولوا هدفاً يسهل على مبغضيهم  "رجمه". كارهيهم أو من يدعون أنهم كانوا مع الثورة في أيامها الثلاثة الأولى.

ربما يعود ذلك إلى أن المنطقة الأفقر في إمكانات أهلها المالية، هي أيضا الأفقر في المبادرات التي تحاكي جرح أبنائها المحرومين، وتحرر حناجر الصامتين فيها. والفئة البقاعية الصامتة تعوزها المبادرة، ووقعت أسيرة بين فكي من استولوا على الثروة في المصارف، ومن صادروا الثورة وطوّبوا أنفسهم ناطقين باسمها، وبعضهم جزء من المنظومة نفسها التي بددت جنى عمر المواطنين، وحرمتهم من أبسط حقوقهم في السنوات الماضية.

إضراب هزيل
كان يمكن للدعوة إلى إضراب عام وعصيان مدني في النهار الثاني من السنة الجديدة أن تبدد هذه الصورة عن قضاء زحلة، والبقاع عامة.  فبيان الدعوة صدر في 29 كانون الأول الماضي مشتركاً، وباسم ثوار زحلة والبقاع. ويتحدث عن استعادة الثورة بزخم أكبر في أول يوم عمل رسمي في السنة الجديدة، بعد "هدنة" الأعياد. وذهب البعض إلى دعوة الأهالي لإبقاء أولادهم في المنازل، وعدم تكبد مشقة النزول إلى الشوارع، والالتزام بالإضراب العام والشامل الذي دعا إليه بيان الثوار.

ولكن الدعوة التي اقتصرت على البقاع، لم تقابل بالجدية الكافية من الناس. فالأهالي أرسلوا أولادهم إلى المدارس التي تجاهلت الدعوات إلى الإضراب العام. والمحال التجارية فتحت أبوابها كالمعتاد. ولم يتمكن الشبان القليلون الذين تجمعوا أمام سرايا زحلة الحكومية من شل حركة "الفاسدين الصغار" حسبما سماهم البيان. لذا انتقلوا إلى "أهداف سهلة" في مركزي أوجيرو وليبان بوست. أغلق المركزان أبوابهما، ليقتصر الحراك في ما تبقى من الوقت على إقفال الطرق، ليس بأعداد المشاركين في الاعتصام،  بل  بأكوام الردم وجنازير الحديد والسيارات والشاحنات، وحرق الإطارات المطاطية.

طرق الأشباح
في غياب حرارة البشر بدا المشهد عبثياً موحشاً لدى عبوري بين أكوام الردم. كأنما أشباح أقفلت الطرق واختفت. ما الجدوى من مفاقمة مشقة الناس - تساءلت - في تكبيدهم عناء البحث عن منافذ توصلهم الى أشغالهم في هذه الظروف المعيشية الصعبة.

بدا الحراك بلا وجه في هذا اليوم. وكأن من هم وراءه يحاولون التبرؤ منه. غياب الفئة الصامتة أدى إلى ذلك. فقد تكون حذرة من الوقوع في مخططات الأحزاب والتيارات القادرة على مصادرة الثورة ومطالبها في البقاع، والظهور كراع رسمي لها وناطق باسمها.

عند مستديرة زحلة (لوسي بارسخيان)
 

وعليه كان المشهد البقاعي يوم الخميس 2 كانون الثاني 2020 على الشكل التالي:

في زحلة بدأ النهار بإحكام السلاسل الحديد عند مستديرة المدينة، وتضييق الخناق على أهلها. ثم تقرر فك هذا القيد، والاكتفاء بإعاقة الحركة بالسواتر الترابية والسيارات والإطارات التي أشعلت لاحقاً على الأوتوستراد الذي يربط زحلة ببعلبك شمالاً، وبباقي قرى البقاع جنوباً.

لم يصمد إقفال الطريق طويلاً في سعدنايل. وفي تعلبايا بدا كأنما السواتر الترابية سقطت من السماء. فباستثناء قلة قليلة من الفتيان قربها - وهم فروا إلى خيمة "الثوار" عندما حاولنا التقاط صور لهم - خلا المكان تماماً، إلى أن عاد الفتيان لتوزيع الإطارات وسط الطريق، فتجاوزتها سيارات رباعية الدفع، وشاحنة لقوى الأمن الداخلي.

وفي بر الياس لم يستمر إقفال الطريق طويلاً. ولم يلتزم "ثوار" مجدل عنجر بدعوة اعتبرها بعضهم مشبوهة المصدر. وفي جديتا تولى الجيش إزالة العوائق قبل منتصف النهار. وفي قب الياس بدت مهمة إقفال الطريق شاقة على شابين أو ثلاثة فقط، فيما هم يعيدون تثبيت لافتة معدنية تشير إلى البلدة، وكانت قد اقتلعت من مكانها واستخدمت حاجزاً وسط الطريق.

واختتم المشهد بتدخل سلس للقوى العسكرية التي أزالت العوائق كلها بعيد الثالثة من بعد الظهر، وصارت طرقات البقاع سالكة مجددا.

طريق جديتا (لوسي بارسخيان)


متاريس اجتماعية
لكن هذه العوائق المادية التي أزيلت، يبدو أنها أقامت متاريس اجتماعية، وخصوصاً في مدينة زحلة، فتسببت بتشرذم إضافي بين من يُفترض أنهم ينتفضون لاستعادة حقوق مشتركة. وصدر بيانان متنافران: الأول وُقع باسم "شباب زحلة"، وقال إنهم هم من "أطلقوا شرارة الثورة في زحلة"، معربا عن رفضهم منذ البداية إقفال مداخل المدينة، وعن تفهم "شباب زحلة طريقة التعبير التي اختارها الشباب" الآخرون.  وجاء البيان الثاني باسم "ثوار مستديرة زحلة"،  رداً على  الأول ومشبهاً عمل "هيئة شباب زحلة  بحلقات أبو ملحم التلفزيونية في اتخاذها القرارات والتراجع عنها، وبيع المواقف لهذه الجهة وتلك". واتهم البيان الثاني أعضاء الهيئة  "باقتصار عملهم على التصوير واستغلال المهرجانات سعيا لمآرب شخصية"

في نهاية النهار ظهر مجدداً عند مستديرة زحلة من عرّف عنهم أحدهم بأنهم "ثوار الأرض الذين يتركون عائلاتهم منذ أسابيع وينامون في الخيم والبرد. وهؤلاء هم من يقررون. وليست مجموع الكرافاتات والبدلات والاجتماعات".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها