السبت 2019/03/23

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

لا مسلخ بلدياً في البقاع.. واللحوم على ذمة الجزّارين

السبت 2019/03/23
increase حجم الخط decrease
تطرح الملاحقة التي تقوم بها "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني" للمسالخ، الملوثة للنهر في البقاع، إشكالية كبيرة. فذبح المواشي وكيفية إدارتها تخضع بالمبدأ لسلطة البلدية، التي تحدد قواعد تنظيمها. لكن من الناحية العملية، لم تتمكن بلديات البقاع من إيجاد هيكلية واضحة لهذه الإدارة، رغم جميع المحاولات التي قامت بها منذ سنوات عدّة، خصوصاً أنها عملت على إنشاء مسلخ بلدي موحد في مدينة زحلة، ولم يتمّ تشغيله أبداً، فتهالكت تجهيزاته من دون أن تستخدم.

غياب رسمي
تتخطى قضية المسالخ في منطقة البقاع كارثة تلويثها للنهر، التي أدّت إلى ملاحقة نحو 19 مسلخا أمام القضاء اللبناني، بدعوى الحق العام المرفوعة من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني. فهناك غياب تام لأي رعاية رسمية لهذا القطاع، المعني بالسلامة الغذائية وبصحة المواطنين بالدرجة الأولى، خصوصا أن معظم هذه المسالخ غير مرخص. هذا فضلاً عن كونها لم تجهز أصلاً كمسالخ، وإنما هي عبارة عن غرف تستخدم لذبح المواشي، كخدمة إضافية، داخل مزارع بيع الأبقار والأغنام. ما يعني أن محافظة بكاملها تعيش على "ذمة" اللحّامين، وأصحاب المزارع، ونواياهم الصادقة، في الحفاظ على سلامتها الغذائية. ولم تنجح، حتى الساعة، أي بلدية في قضاءي زحلة والبقاع الغربي، في وضع مشروع لإنشاء مسلخ مركزي، ضمن خططها المستقبلية. إذ يعتقد  رئيس بلدية زحلة- المعلقة أسعد زغيب، في حديث إلى "المدن"، أن المسألة تلقي بأعباء مالية باهظة على كاهل البلديات، التي لا تستطيع تحملها، من دون الحصول على التمويل، من قبل الجهات المانحة.

قصّة المسلخ
لزحلة تاريخ طويل في مسعاها لإنشاء المسلخ البلدي، بدأ في عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، وكادت تحوز على مسلخ حديث. لكن عشوائية تنفيذ مخطط البناء، أدّت إلى عدم إستخدام المسلخ أبداً. وبات عبارة عن مكان مهمل حاليا، وضاعت الأموال التي انفقت في سبيله، هدراً. 

وللعودة بالتاريخ إلى الوراء، فقد شيّد هذا المسلخ مجلس الانماء والاعمار في العام 1997،  كبديل عن المسلخ القديم، الذي إجتاحته الفئران، والذي أقفلته بلدية زحلة بعد تحوّله إلى عبء بيئي وصحي على المدينة. لكنه شُيّد فوق عقار كان يستخدم كمكب عشوائي للنفايات. ورغم استدحاث مطمر في مكان آخر، شكّل المكبّ القديم عائقاً بوجه تشغيل هذا المسلخ. فبعد نقل 204 الاف متر مكعب من النفايات من المكبّ، اكتشفت البلدية أن المسلخ قام على جزء من هذه النفايات المردومة، كما يشرح زغيب. وأكّد له أحد الخبراء أن انبعاث الغازات من النفايات لن يتوقف في المدى المنظور، إلا إذا تمّ عزلها، من خلال تحويلها بواسطة تمديدات خاصّة إلى مكان معيّن. لكن هذا السبب ليس الوحيد الذي منع تشغيل المسلخ. فبالإضافة إلى المواصفات الأساسية غير المطابقة، تبين أن مجلس الإنماء لم يأخذ بالاعتبار معالجة كميات الدماء الناتجة عن المسلخ، القائم أساساً على مجرى نهر البردوني، وفق زغيب.

فشل المعالجة
أتت اقتراحات لمعالجة المسلخ بعد سنوات عدّة على إنشائه، إذ أوفدت البلدية أخصائيين إلى فرنسا في محاولة لتعلّم طرق الإدارة السليمة لمسلخها المدعو "حديثا". واستعانت في سنة 2006 بمهندسين زراعيين متخصصين، لتقديم دراسة لتأهيل المسلخ، كي يصبح صالحاً للاستخدام. واقترحوا تعديلات عدّة عليه، منها إنشاء محطة لتكرير الدماء، وطرق للتخلص من البقايا الحيوانية، عبر نقلها إلى مطمر زحلة الصحي. لكنها أهملت مع تبدّل المجالس البلدية، إلى أن تداعى مبنى المسلخ كليا، وبات من المستحيل "إنعاشه". ثم تلقت البلدية في العام 2016 عرضاً من وزارة الزراعة، لتمويل بناء مسلخ جديد، وعبر هبة مخصّصة لهذه الغاية، شرط تأمين قطعة الأرض. حددت البلدية عقاراً صالحاً، لكنها تمهّلت بشرائه ريثما يتأمن التمويل من الوزارة، الذي بقي حبراً على ورق.

حسب زغيب إنشاء المسلخ يتخطى إمكانيات البلديات المادية، ليس لناحية تأمين التجهيزات المطلوبة فحسب، بل لناحية إدارته، التي تحتاج إلى موظفين دائمين، وطبيب بيطري. هذا فضلاً عن تأمين الكهرباء بشكل متواصل، وسيارات مبردة لنقل اللحوم. زد على ذلك أن الدولة غائبة عن رعاية هذا القطاع، ولم تلجأ حتى إلى تحديث رسوم الذبائح، المحددة منذ زمن بعيد بست آلاف ليرة عن كل رأس غنم، وعشرة آلاف للبقر.

لا رقابة


في ظل غياب تنظيم هذا القطاع من قبل البلديات، وعدم وجود تنظيم ورعاية رسمية له، باتت "المسالخ الخاصّة" (غرف في المزارع)، تتسيد عليه. ومع عدم وجود رخص لها، بات بيع اللحوم غير خاضع لأي نوع من المراقبة، التي يجب تتمّ من خلال رصد حالة المواشي قبل 24 ساعة من سوقها للذبح، كما يؤكّد المهندس الزراعي سليم معلوف. ويضيف، أنه يجب أن تؤخذ عينات من المواشي بعد الذبح، للفحص المخبري قبل البيع. كذلك يجب وضع نظام تتبع للمواشي في الأسواق، الذي يسمح بمعرفة المزرعة التي أتت منها، وتاريخها الصحي الكامل، عند وقوع أي طارئ.

لكن هذه الآلية مفقودة كلياً. إذ يستيقظ المواطن على مشاهد ذبح المواشي على أبواب الملاحم، أو على رؤية تلك التي تُذبح في المزارع، وهي مساقة في صناديق السيارات، ومن دون رقابة مسبقة على صحة الذبائح. بل يقتصر دور وزارة الصحة، كما تؤكد مصادرها، على التدخّل اللاحق، إذا وقع نوع من التسمم.

لا قوانين تردع حاليا ذبح المواشي أمام الملاحم، مع ما يعنيه ذلك من تصريف لدمائها مباشرة في أقنية الصرف الصحي، الأمر الذي يجد فيه مقدمو خدمة السلخ تناقضا كبيرا، إذ كيف يسمح للحام أن يذبح الخروف ويصرف دماءه مباشرة في الأقنية، فيما هم يلاحقون إذا فعلوا ذلك.  

اعتراض أصحاب المسالخ
طبعاً لا يحق لأي كان تلويث النهر كما يؤكد زغيب، الأمر الذي اقتنع به بعض أصحاب المسالخ، الذين باشروا بتركيب الفلاتر في مسالخهم. لكن معالجة الأمر لا تتمّ بين ليلة وضحاها. والدولة التي غضت النظر عن هؤلاء عشرات السنوات، ملزمة بإمهالهم بعض الوقت لتسوية أوضاعهم، خصوصا في ما يتعلق بتطبيق المعايير البيئية، بما يتعلق بكيفية التخلص من كميات الدم الناتجة التي تخلفها عملية الذبح، كما أكّد بعض أصحاب المسالخ لـ"المدن".

خدمة لا يمكن الاستغناء عنها
وفق زغيب، "خدمة الذبح" التي يقدمها تجار المواشي، أتت نتيجة وجود نقص في تقديمها بشكل رسمي. والحل يجب أن يكون، إما من خلال تأمين التمويل اللازم لإنشاء مسلخ مركزي في كل محافظة أو قضاء، أو من خلال فرض الدولة على مسالخ بيروت وبعلبك استقبال مواشي البقاع وذبحها، شرط تأمين التجهيزات اللازمة لنقل اللحوم بشكل صحي. غير ذلك، إلغاء هذه "الخدمة"، التي لا غنى عنها، في ظل غياب البدائل، عبارة عن تعنتٍ غير مقبول.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها