الثلاثاء 2018/06/26

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

بحيرة البياضة تكشف عن كنوزها

الثلاثاء 2018/06/26
بحيرة البياضة تكشف عن كنوزها
من أبرز المكتشفات في البياضة تمثال Neptune (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

يغرز جفاف بحيرة البياضة في منطقة رأس العين في بعلبك كسكين في قلوب أهالي المدينة. ولا يداوي "ندوبه" خضوع حوض البحيرة أخيراً لورش تنظيف ورفع توبوغرافي، تمهيداً لتحديث الدراسات حول الآثار القديمة التي كانت تسبح سابقاً في مياهه، والتي بقيت لسنوات تحضن أنواعاً من الأسماك الفريدة، قبل أن يقتلها الجفاف، فيما أفراخ البط تتهافت في أرضيتها الوعرة على بقع نادرة من المياه لري عطشها.

قبل أيام، وبينما كان ناشطو جمعية safe side ومديرها التنفيذي حسين ياغي، ينظفون حوض البحيرة من القوارير والأوساخ السطحية المتراكمة فيه، عثروا على قطعة حجرية ضجت بها المدينة ومعها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الإعلام، التواقة إلى "قيمة مضافة" كانت في الماضي متوفرة بسهولة من خلال غنى البحيرة بالمياه.

ووفقاً للأصول تصرفت الجمعية، فسلمت القطعة الحجرية إلى البلدية، التي نقلتها بدورها إلى اختصاصيي مديرية الآثار. إلا أن المسؤولة في مديرية الآثار في بعلبك لور سلوم نفت لـ"المدن" أن "يكون لهذه القطعة الحجرية أي قيمة تاريخية"، مصوبة النظر إلى العمل الاستثنائي الذي تشرف عليه المديرية، على اثر جفاف البياضة من أجل كشف الآثار التي غمرتها الردميات في البحيرة، بهدف رفعها "تصويرياً" لمقارنتها بصور سابقة، وتوثيق الواقع الحالي للمكتشفات، من أجل تحديد ما إذا كان قد حصل انهيار ما في الآثار يستدعي اعادة ترميمها، خصوصاً أن أي دراسة توضع لترميم الموقع ستحتاج إلى رفع توبوغرافي نظيف أولاً.

تجري هذه العملية بجهود تبذلها البعثة الألمانية- اللبنانية لدراسة الآثار الموجودة في بعلبك منذ عشرين عاماً، بالتعاون مع فريق من الجامعة اللبنانية باشراف الدكتورة جنى عبد المسيح. تمكنت البعثة من الغوص خلال السنوات الماضية في كثير من أسرار "المدينة التاريخية" في بعلبك، وصولاً إلى القاء الضوء على كنوز مهملة فيها، إلى أن حان دور البياضة، بالتزامن مع انتهاء العمل في بستان بيت ناصيف الذي صار مقراً للمديرية.


ليس تاريخ البياضة خافياً على أحد من أبناء المدينة. فإليه يعيدون الفضل في نشوء المدينة الرومانية القديمة في بعلبك، كغيرها من المدن التي كانت تنشأ حول المياه. ووفقاً لعبد المسيح، كانت منطقة البياضة تقع على الطريق الروماني الممتد من القلعة حتى رأس العين. إذ إن امتداد بعلبك لم يكن في المعابد فحسب، بل كانت هذه المعابد من ضمن المدينة الرومانية القديمة. والدليل إلى ذلك ما عثر عليه في البحيرة من مكتشفات ترتبط بعادات وتقاليد العهد الروماني. إضافة إلى ما أظهرته الدراسات عن اعادة استخدام بعض انشاءاتها في منطقة رأس العين، خلال العصر الاسلامي، كمعلمي الجامع الصغير والجامع الكبير.

من أبرز المكتشفات في البياضة تمثال Neptune، وهو إله المياه والبحر في الميثولوجيا الرومانية. ويدل وجود مزاره في البحيرة، على غنى المنطقة بمياه الينابيع، التي تشرح عبد المسيح أن مياهها وصلت قديماً إلى كل أنحاء المدينة والمعابد.

هذا الموقع نفسه خضع في ستينيات القرن الماضي لدراسات أعمق ساهمت في كشف معالمه، على يد مدير مديرية الآثار حينها كالايان، إضافة إلى خضوعه إلى أعمال تنظيف أخرى في سنة 1982 و1990.

إلا أن غنى البحيرة بالمياه حينها، لم يسهل مهمة الاختصاصيين في القراءة "الشاملة" للآثار الموجودة فيها. فيما أمن جفاف المياه حالياً منافذ أخرى لمكتشفات جديدة قد تظهر في البحيرة. لعلها "الحسنة" الوحيدة للجفاف الذي لحق بالبحيرة، والذي يحمّل الأهالي بعض مسؤوليته إلى مؤسسة مياه البقاع التي يتهمونها بضرب "العرق" المغذي للبحيرة عندما حفرت الآبار لتأمين مياه الشفة للمدينة، فقضت على واحدة من أبرز ميزاتها السياحية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها