الأحد 2018/11/11

آخر تحديث: 01:36 (بيروت)

سكان بيروت سيشربون من مياه الليطاني الملوثة؟

الأحد 2018/11/11
سكان بيروت سيشربون من مياه الليطاني الملوثة؟
مياه بحيرة القرعون ملوثة ولا يسمح بإستخدامها لحاجات الإنسان أياً كانت المعالجات.
increase حجم الخط decrease

ينضم نهر الليطاني ومياهه الملوثة، إلى الجدل الدائر منذ سنوات حول إقامة سد في منطقة بسري لتغذية بيروت بمياه الشفة. وبعد سنوات من إهمال المشروع، عاد الحديث عنه مع توفّر التمويل اللازم لإستكمال إنشاء السد، والبحث عن مصدر مياه إضافي من الليطاني، وهو مشروع قديم كان قد أُقر في بدايات القرن الحالي، عندما كان النهر لا يزال يهدر بمياه صافية، وقدرة تخزينية تصل إلى كميات تكفي الحاجة لخمسين مليون متر مكعب يومياً، لتغذية بيروت وضواحيها بالمياه النظيفة.


سموم عائمة 

ووفقاً لما تبلغه المعترضون على إنشاء سد بسري، فإن تمويل المشروع أتى  بقرض من البنك الدولي، على رغم الإعتراضات التي سجلها الاختصاصيون، وتحذيراتهم من خطورة المشروع الذي سينقل التلوث من البقاع إلى بقع أخرى في جنوب لبنان، من دون أن يكون قادراً على توفير مياه نظيفة لسكان العاصمة.

يشرح الدكتور كمال سليم من المعهد الوطني للبحوث العلمية لـ "المدن"، أن "المشروع القديم الجديد" أتى بمرسوم طرح ما بعد عام 2000 ، "أيام عز بحيرة القرعون" الذي كان يفترض جر كمية 50 مليون مكعب من مياه البحيرة يومياً لتغذية سدٍ كان سينشأ في منطقة الدامور.

 

بيد أن تطبيق المشروع اليوم، عبر استجرار المياه إلى سد بسري، لا يبدو واقعياً وفقا لسليم، لا من حيث كمية المياه المتوفرة في القرعون ولا من حيث نوعيتها. علما أن مجلس الإنماء والإعمار تبلغ، أنه حتى لو أنشئ سد بسري، لن تكون مياه الليطاني مصدراً جيداً له، بسبب السموم العائمة في بحيرة القرعون، والتي لا تسمح بإستخدامها لحاجات الإنسان أياً كانت المعالجات.

 

كان سليم أول من حذّر من خطورة "السيانوبكتيريا" (من أوائل الكائنات التي ظهرت على الأرض، قبل وجود الأوكسجين، وذات قدرة على التأقلم والدفاع عن النفس عالية جداً ويمكنها البقاء عشرات السنوات في البحيرة) التي استوطنت في البحيرة، وتكاثرت بشكل غير طبيعي فيه بالسنوات الأخيرة، متسببة بفرز مواد سامة تهدد الأحياء المائية بشكل جدي في البحيرة.

 

ويوضح: "حتى لو سمحت العوامل المناخية بزيادة مخزون المياه الإحتياطي في بحيرة القرعون، فإنها ستحتاج إلى كثير من المعالجة، قبل ضخها للإستخدامات المنزلية، وهذا لن يتحقق من دون إجراءات فعلية تُتّخذ لوقف التلوث في نهر الليطاني، وأولها إنشاء محطات التكرير، ووقف الاعتداءات البيئية عليه من المعامل وغيرها. ويضيف الدكتور سليم، أن الأولوية بالنسبة إلى إستخدام مياه القرعون بعد تنقيتها، تبقى لري الأراضي الزراعية الواقعة في جنوبها، عبر إستكمال مشروع القناة 800 .

 
كذب وتزوير

في المقابل، يشكّل إعادة طرح المشروع بالنسبة إلى الخبير البيئي رجا نجيم، حاجة لتبرير الاستحصال على التمويل، لإستكمال إنشاء مشروع سد بسري، وهو ليس سوى "كذبة كبيرة". ويشرح نجيم لـ "المدن" أن التمويل الأول الذي حصل عليه مجلس الانماء والإعمار جاء تحت عنوان "تغذية بيروت بمياه الليطاني". ولما كانت معظم التمديدات لجر هذه المياه قد سبقت إقامة خزانات تجميعها بعشرات السنوات، فهناك حاجة لإعادة إحياء الحديث عن جر مياه الليطاني، لتبرير هذه التمديدات، حتى لو عنى ذلك اصدار تقارير "مزورة" عن كون مياه الليطاني صالحة للاستخدامات المنزلية.

 

ويشرح نجيم المسار الطبيعي لمياه القرعون بعد سده، لافتاً إلى أنها تنقل بواسطة قناة من آخر بحيرة القرعون وصولاً إلى بركة أنان على طريق عام جزين، ومن ثم يذهب قسم منها إلى شرقي صيدا للري، وقسم آخر إلى محطة "قرقش" لتوليد الكهرباء في أعلى جون، فمحطة "شارل حلو" لتوليد الكهرباء في أسفلها، لتصب أخيراً في البحر بعد إستخدامها لري الأراضي الزراعية الفاصلة.

ويلفت أن اتصال هذه المياه ببركة أنان يظهر التلوث الذي يطفو على سطحها، ما يؤدي إلى تلويث منطقة زراعية واسعة في جزين وشرق صيدا.

 
الجريمة الكبيرة

ووفقاً لمشروع سد بسري، فإن مياه القرعون ستتصل بالأقنية التي تغذيه من نهر الأولي بعد منطقة قرقش، قبل التفرع إلى محطة  شارل حلو، لتنقل المياه بالأقنية المجهزة إلى بيروت مروراً بمحطة الوردانية للتكرير، وهي غير مجهزة  لتكرير التلوث العالي الموجود في بحيرة القرعون، التي يقول نجيم "بأن نقلها إلى خزانات الحازمية والضاحية يعتبر جريمة كبيرة".

 

وعليه، يربط نجيم المخاوف من إعادة الحديث عن ري بيروت بمياه الليطاني، إلى وجود وعد بتأمين المياه إليها تحدد بمهلة أقصاها سنتين، بينما المهلة المعطاة لإنشاء السد، الذي يؤكد بأنه لن ينشأ بسبب الاعتراضات عليه، تمتد حتى عام 2024.

 

ومن هنا يرى نجيم أنه قبل نقل مياه القرعون إلى بيروت، يجب تنظيف ماضيها، وهذا الماضي لا ينظف إلا بإيقاف البحيرة مؤقتاً، والسماح لمياه الليطاني بالتدفق تلقائياً من دون تجميعها، حتى تزول السموم المستوطنة فيها. ويؤكد أن كل الاجراءات هي رهن بطريقة تعامل المعنيين مع الملف، والذين لا يرى نجيم أنهم يبذلون جهوداً جدية لمعالجة التلوث، تبدأ بحماية المياه الجوفية، التي لا تزال تغذي الليطاني والخزانات الطبيعية الجوفية، وبإرساء منظومة التكرير الكثيف، بعيداً من تلزيمات المشاريع الضخمة، التي تتوخى تحقيق السمسرات. 

 
النهر الميت

يتفق نجيم مع الخبير الهيدرولوجي سمير زعاطيطي على خطورة إنفاق  المليارات في مشاريع بناء من دون نتائج. ويتحدث عن تعديل الدراسات لتتناسب مع أهداف إنشاء المشروع، بدلاً من وضع المشاريع المستندة إلى الدراسات غير الدقيقة.

وينتقد زعاطيطي في المقابل ما صرح به مجلس الوطني للبحوث العلمية، حول عدم وجود حلول جزئية لمشكلة التلوث في الليطاني، ويرى أنه يشكل تمهيداً لسمسرات ستعقد على إسم الليطاني، بينما تنوع الأعمال المطلوبة يحتاج إلى متخصصين في كل عمل.

 

ويؤكد زعاطيطي أن جر مياه الليطاني إلى بسري إذا حصل، سيعني خلط مياه ملوثة بمياه أقل تلوثاً في الأولي، بينما الليطاني "ميت"، ومعظم الآراء العلمية تتفق على ذلك. وبدلاً من طرح حل إستجرار المياه الملوثة إلى بيروت، يجب البحث عن البديل النظيف، وهذا لا بد أن يكون جوفياً، لأن كل المياه السطحية حسب الخبير الهيدرولوجي "ملوثة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها