الأحد 2018/11/11

آخر تحديث: 00:35 (بيروت)

تاكسي خمس نجوم

الأحد 2018/11/11
increase حجم الخط decrease
 
ثمة ما يُغريني لركوب سيارة الأجرة. أشعر برغبة جامحة لدخول هذه المركبة الإعلامية المتنقلة، والإستماع إلى أخبار السائق – المذيع الباحث دوماً عن كل ما هو شيّق وجديد.

في السيارة، أستمع بنهم إلى ما يفيض به السائق حول الحب والجنس والرغبة والسياسة والاقتصاد والدين، وحول أمور شخصية كعلاقته مع محيطه أو المدينة. ولا تتوقف الأخبار عند السائق، بل تمتد إلى الركاب الباقين. أتلصص على قصصهم وأحاديثهم الهاتفية.

تطوّرت قصتي مع التاكسي فصرت، أكتب عما يدور في السيارة، وأوثّق حكايات عن المدينة وأهلها ومشاكلهم. لكن رواية السائق محمد فايز، تختلف عما رأيته سابقاً. الرجل قليل الكلام وكثير الحركة والابتكار.  


يبتسم السائق العشريني ونحن نستعد لتصويره. يتصرّف كنجم سينمائي، ويسأل عن كادر الصورة، وما نريده تحديداً من حديثنا معه. يتأمل السائق خيراً، متمنياً أن يُعجب حديثه القارئ والمشاهد معاً.

بعد معاناة في إيجاد وظيفة، وكثرة الوعود من وجهاء منطقته (شحيم)، فقد الأمل في أن تتغيّر ظروفه، فراح يعمل سائق أجرة في محيطه.

قد يبدو الرجل عادياً، لكن أفكاره نيّرة ومبتكرة. بدأت قصته حين قرّر تزويد سيارة المرسيدس القديمة، بمياه باردة. فتوصل إلى صنع خزان يحافظ على برودة المياه، وضعه في صندوق السيارة الخلفي، وزوده بالثلج. ومن خلال فتحات التهوئة الخاصة بالمكيف ثمة "نبريش" يزوّد محمد وراكبيه بمياه باردة.

وبما أن وراء كل رجل عظيم إمرأة، طلبت منه زوجته تزويد السيارة بنرجيلة، فعمل فوراً على ذلك. ثبّت واحدة في صندوق السيارة الأمامي الصغير، وإستعان مجدداً بفتحات التهوئة الخاصة بالمكيف، مع حرصه على السلامة العامة. فالجمر لا يتحرّك ولا يقع من رأس النرجيلة، لأن محمد إبتكر غطاء يحتضن الرأس ويمنع وقوع الجمر.

للأب الفقير ثلاثة أطفال، وهو وحيد على بنات أربع. يعمل طوال النهار خارج المنزل لتأمين الاحتياجات الضرورية لعائلته.

ولكن ماذا لو ثُقب إطار السيارة، وإضطررت إلى إستبداله في منطقة مقطوعة، أين ستنظف يديك؟ إبتكر محمد لهذه الغاية حلاً بسيطاً، فإستبدل هوائي السيارة بنبريش مياه، يعمل عبر كبسة قرب المقود. ويخطط حالياً لإضافة دوش للاستحمام، كما إستبدل زجاج السيارة بثلاث طبقات عبارة عن شبك وكرتون وزجاج.

والهدف من ذلك، حجب رؤية المارين عمّا يدور داخل السيارة، وتمكين السائق من متابعة ما يحدث خارجها، إضافة إلى التهوئة اللازمة.

وللإستمتاع بالرحلة في السيارة القديمة، زوّدها محمد بنظام صوت متطور لبث الأغاني ومقاطع الفيديو، والرد على الاتصالات الواردة.

لمحمد زبائن كثر، يطلبونه لإيصالهم والإستمتاع بما يقدّمه من خدمات داخل مركبته. يتحدث الشاب العشريني عن أحلامه، وضياعها في بلد لا يقدّر المبدعين فيه، فمحمد لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وبسبب فقره فقد فرصة تطوير موهبته، وربما العمل في إحدى شركات السيارات.

لا يمل محمد من تقديم أفكار جديدة، بيد أن هذه الأفكار "دمّرته"، حسب قوله، لأنها تكلفه وقتاً وجهداً إضافياً. يعتبر سكان المنطقة الشاب الطموح مجنوناً، لكنه لا يتأثر بذلك، على أمل أن تصل تلك الابتكارات إلى من يقدّرها، مشيراً إلى أنه سيحاول عرض أفكاره على بعض السفارات الأجنبية، عله ينجح في الهجرة.

لا يخبرنا الشاب الطموح عن كل أسراره، فلديه طريقة لإنارة المنزل وتدفئته على الغاز، وأخرى لتوفير الوقود، وبعض الحلول للدراجات النارية العاملة على الكهرباء.

محمد ليس بمجنون، هو سائق ينشر الفرح والمتعة في شوارع منطقته، وأحلامه أكبر من منطقته ومحيطه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها