الإثنين 2016/06/06

آخر تحديث: 16:58 (بيروت)

رجال الدين فوق القانون

الإثنين 2016/06/06
رجال الدين فوق القانون
لا يوجد نص في القانون اللبناني يقر بـ"حصانة لرجل الدين" (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease

"بكل صراحة المشايخ ما بروحو عالتحقيق، في مشيخة عقل الطائفة الدرزيّة بدّكن إذن منها". هذا ما قاله قبل أيام الوزير السابق وئام وهّاب، في حديثه عن أحد المشايخ الدروز الذي أستدعاه القضاء اللبناني إلى التحقيق بعد الانتخابات البلديّة في الشويفات.

من يسمع كلام وهّاب يخيّل إليه أنّ هناك نصّاً في القانون اللبناني يعطي شرعيّة للطوائف تخوّلها تأمين حصانة لرجال الدّين وتعفيهم من الحضور أمام القضاء، إلّا بإذن من مجلس الطائفة أو ما شابه. لكنّ، الحقيقة ليست بهذه البساطة، فوجهة النظر التي طرحها وهّاب في موضوع محاكمة رجال الدين في لبنان، والتي بناها على حجّة أساسيّة مفادها أنّ "هذا ما يحصل في كل الطوائف"، يقابلها ثلاث وجهات نظر أخرى مختلفة وتناقض بعضها.

فوفق الباحث في القانون الدستوري وسام لحّام، لا يوجد نص في القانون اللبناني يقر بـ"حصانة لرجل الدين". لكن موقف الطوائف من ملاحقة رجال الدين أمام القضاء المدني هو "عرف ويعبّر عن حالة معنويّة ينتجها الواقع الاجتماعي اللبناني وليس بالقانون". فحتّى لو كان للطوائف شرعها وقوانينها الخاصّة في محاكمة رجال الدين، إلا أن ذلك لا يعني أن القانون اللبناني ينصّ على شرعيّتها.

ويلفت لحّام إلى أنّ هناك شعوراً بعدم المساواة أمام القانون بين رجال الدين المسيحيين ورجال الدين المسلمين (والدروز منهم)، فيظنّ البعض أن المسيحيين لا يحاكمون أمام القضاء لأن المؤسسات الدينية المسيحية غير مرتبطة بالدولة إدارياً ومادياً، في حين أنّ المسلمين والدروز يحاسبون لأنّ مؤسساتهم الدينية مرتبطة بها إدارياً ومادياً. لكنّ لحّام يؤكد أن هذه الاعتبارات "معنوية، فمحاسبة أي مواطن لا علاقة لها بكيفيّة تقاضيه راتبه أو بحقيقة كونه موظّفاً في الدولة أم لا، بل لمجرد كونه مواطناً".

لكنّ ما ذكره لحّام ناقضه كلام الدكتور ميشال السّبع، وتحديداً في ما يخص الفرق بين رجال الدين المسيحيين ورجال الدين المسلمين. فالسّبع الذي يرفض أن تطلق عليه صفة "الأب"، يميَّز بين الشيخ والخوري، على اعتبار أن الأول موظّف لدى الدولة وينال أجره منها وهو تابع لها، في حين أن الخوري لا يتبع للدولة.

ففي حالة الكاثوليك مثلاً يتبع الخوري للفاتيكان، ولا يحقّ للمحكمة أن تحاكمه إلّا بإذن منه، باستثناء حالات الجرم الجزائي. ويقول السّبع إنّ هناك بروتوكولاً بين الكنائس المسيحيّة والدولة اللبنانية لا يسمح للدولة بمحاكمة رجال الدين المسيحيين. ففي حالة الكاثوليك أيضاً هناك بروتوكول بين الفاتيكان والدول التي تتبادل معها التمثيل الديبلوماسي ومن ضمنها لبنان، ينص على أنّه لا يحقّ للدولة التدخّل في حال ثبت حكم ما على رجل دين، بل يجب رفع المسألة إلى الفاتيكان. ويستشهد السبع في كلامه بمثال عن مطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدس هيلاريون كابوتشي، الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن لمدّة 12 سنة بعد ثبوت نقله السلاح بسيّارته إلى الفلسطينيين عام 1974، ثم أفرج عنه بعد 4 سنوات بعد تدخّل الفاتيكان، ليقضي بعدها عقوبته في دير في روما.

في المقابل، يميز السيّد محمّد حسن الأمين بين رجل الدين المسلم "القاضي" ورجل الدين "غير القاضي". فإذا كان رجل الدين مخوّلاً بأن يكون قاضياً في المحاكم الدينيّة (التي تتموضع تحت سقف المحاكم الإستثنائيّة)، فإن له حصانة مثل القاضي المدني في القضاء اللبناني. هذه الحصانة تأتي من كونه موظّفاً في السلطة القضائيّة، وبغضّ النظر عن كونه رجل دين أم لا، في حين أنّ رجل الدّين الذي ليس قاضياً لا حصانة له.

بين وجهة نظر أولى تقول بمحاكمة الطوائف رجال دينها، وثانية تضع رجل الدين أمام القانون كأي مواطن بغضّ النظر عن علاقته الإداريّة والماديّة بالدولة، وثالثة تميّز الخوري عن الشيخ بسبب إرتباط لبنان ببروتوكولات مع الكنائس المسيحيّة، ورابعة تميّز بين رجل الدين القاضي ورجل الدين غير القاضي، يبقى موضوع حصانة رجال الدين أمام القضاء اللبناني جدليّاً، ومحكوماً بالعرف وقوته. كأنّ من مصلحة قوى النظام اللبناني الابقاء على الضياع والإلتباس في هذه المسألة لتبقى محاكمات رجال الدين مجالاً لتثبيت النفوذ واستغلاله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها