الأربعاء 2016/02/03

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

"الأميركية" في عيدها الـ150: مراجعة تجربة ثقافية متحولة

الأربعاء 2016/02/03
"الأميركية" في عيدها الـ150: مراجعة تجربة ثقافية متحولة
صارت العلاقة بين الطالب والأستاذ سريعة جداً وخفيفة "الروحية" ("الجامعة الأميركية")
increase حجم الخط decrease
في عيدها الـ150 شهدت "الجامعة الأميركية" في بيروت الكثير من حلقات النقاش، التي تم فيها تبادل الآراء عن تغيّر وتطوّر الجامعة في حقول مختلفة من الأكاديميا إلى الثقافة والمهنية وغيرها. ولعلّ أبرز حلقات النقاش في الذكرى الـ150 كانت تلك التي عنونت بـ"الـ2000 وما بعدها: تعريف قضايا اليوم في ظل رؤية المستقبل"، والتي أنتجت نقاشاً حامياً بين الحضور عن التغيّرات التي عرفتها الجامعة، وفيها أشارت الاستاذة في قسم الفلسفة في الجامعة بانا باشور إلى الطريقة التي يعاتبها فيها والدها، الذي كان طالباً في "الأميركية" في السبعينات، عندما يقارن أيام اليوم بـ"أيام المجد"، حين كانت الجامعة "ثقافياً أغنى"، وكان الأساتذة والطلاب يجلسون على المقاعد الخشبية ويفتحون النقاشات الفكرية على مصراعيها.


ففي حين أكّدت باشور على هذا التغير، إلّا أنّها لم تنسبه إلى كون الجيل الأقدم "أذكى" أو "أفضل"، بل إلى تغيّر في ثقافة "الأميركية" التي تحولت من "الفكرية" إلى "الكوربوراتية" (Corporate)، ما استبدل كل الجو الفكري بمحاضرات كبيرة تحوي مئات الطلاب في ظلّ جوّ تقني بحت، لا يؤدّي الهدف الأساسي للتعليم وللجامعة، خصوصاً مع تسارع وتيرة العمل في الجامعة، في العقد الأخير، ما أدّى إلى تسليع الوقت بشكل كبير مترافقاً مع كثافة المعلومات المطروحة في عصر التواصل الاجتماعي.

"أشعر أحياناً أنني آلة درس، تكدّس العلامات العالية فترتفع قيمتها في السوق". هكذا يصف فراس حجّار، طالب الهندسة في السنة الثالثة، حياته في "الأميركية". فلا وقت للنقاشات والأحاديث والنشاطات على إختلافها، وإذا كان هناك وقت، فهو على حساب الأداء الأكاديمي خصوصاً بعد تقصير مدة الفصل الدراسي، ليصبح نحو ثلاثة أشهر. وإذا كان من تفسير لذلك، فإنّ التشركة العالمية التي طغت على السوق الإقتصادية حفزت مؤسسات تربوية وتعليمية كـ"الجامعة الأميركية" على المضيّ قدماً نحو أن تصبح أشبه بمعمل ينتج أكفأ القدرات التقنية التي تحتاجها سوق العمل. وبما أن الطلب على "الأميركية" عال، اتجهت الجامعة نحو الطريق التقني البحت، خصوصاً في اختصاصي الهندسة والطب، اللذين قُلّصت سنواتهما الدراسية ليتسارع العرض جاعلاً وقت الطالب والأستاذ على عداء مع المرونة ومنتجاً لتبعات عديدة.

هكذا، صارت العلاقة بين الطالب والأستاذ سريعة جداً وخفيفة "الروحية". فلا وقت للسجالات الثقافية والأحاديث عن التطلعات ولا مساحات للتسلية لكسر "الأخلاقيات الزائدة" التي تنتجها المهنية باستثناء بعض الحالات، فيصبح الأساتذة كائنات غريبة لا يمكن الوصول إليها. كما تعاني الأندية في الجامعة من ضيق وقت أعضائها ما يؤثّر سلباً على نشاطاتها. لكن هناك من يعارض وجهة النظر هذه، ويقول إنّ النشاط الطلابي، في ظلّ العصر الحديث، زاد وبدأ يأخذ طابعاً آخر له علاقة بأعمال التطوع والعمل مع منظمات المجتمع المدني. ولكنّ الطالب المصري عبد الرحمن طه، الذي يكمل سنته الأولى في العلوم السياسيّة، بعد سنة أمضاها في "الجامعة الأميركية" في القاهرة، يرى أن "هذا ما تتشاركه الكثير من الجامعات الكبيرة والعريقة لأنّ معظم طلّابها، خصوصاً خريجي كليات العلوم والفنون والصحة، يعملون بعد تخرجهم في مؤسسات المجتمع المدني، فيضحي النشاط الطلابي الذي نتحدث عنه جزءاً من أهداف الطلاب المهنية، وليس جزءاً من عملية تكوين الفرد وشخصيته".

على أن "تسارع" الوقت يضاف إليه الدخول في عصر الانترنت والتواصل الاجتماعي، يجعل من الحصول على أي معلومة من أبسط الأشياء. فبإمكان الطالب الجامعي أن يأخذ أهم المواد "أونلاين" في أهم الجامعات في العالم، ويضحي ما يفعله في "الأميركية" لا يتعدى كونه دفع ثمن إمتحان وشهادة. لكن الملاحظ أنّه في ظلّ كثرة المعلومات وإنتشارها أينما كان، يميل الطالب، بحسب باشور، إلى "تبادل المعلومات الأقل تحديّاً والأسهل استيعاباً". ومن هنا يظهر أن دور الأستاذ في "الأميركية" لم يعد في حجم المعلومات التي يعطيها أو يُلقّنها، بل في تعليم الطالب كيفيّة البحث عن المعلومات وكيفيّة إستعمالها ونقلها. فلا بدّ للأساتذة بالتالي أن يعيدوا النظر في كيفية أن يصبحوا عاملاً إضافياً في التعليم في عصر سهولة المعلومة، لأنّ الأمور لم تعد في المعرفة بحدّ ذاتها، بل باتت في كيفيّة التواصل ونقل المعلومة قبل أي شيء آخر.

ولكن ما التحدّي الذي يجب أن تخوضه الجامعة للتعامل مع التغيرات المذكورة؟ يقول سامر فرنجية، وهو أستاذ في قسم العلوم السياسية، إنّ "الأميركية" لم تدخل كليّاً في مرحلة التحوّل لتصبح آلة إدارية، ولا بدّ من الإستفادة من هذا التأخر والإبتعاد قليلاً عن السوق وحاجاته لنعيد التفكير في النهج الذي تريده هذه الجامعة، وبذلك نحوِّل "تأخرنا" إلى "نعمة" تساعدنا على مراجعة أنفسنا، ملمّحاً إلى أنّ وجود منح في اختصاصات الإنسانيات مثلاً هو واحد من الخطوات في طريق ذلك.

في عيدها الـ150، لا بدّ لـ"الأميركية" من مراجعة نفسها، فهل هي مركز تعليمي وتربوي أم مصدر انتاج يلائم توقّعات السوق؟ وما الإضافة التي يقدّمها أساتذتها في ظلّ كثافة المعلومات المتاحة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها