الجمعة 2014/06/13

آخر تحديث: 18:29 (بيروت)

"المفكرة القانونية": التعريف القانوني للمرضى العقليين كارثة

الجمعة 2014/06/13
"المفكرة القانونية": التعريف القانوني للمرضى العقليين كارثة
المشاركون في الندوة أجمعوا على ضرورة إعادة النظر بالتعريف القانوني للمرضى العقليين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

في لبنان، كما تغيب قوانين حماية المرأة من العنف الأسري، وحقوق المثليين والمعوّقين وغيرهم من المهمشين إجتماعياً، يغيب معهم أيضاً قانون لحماية المصابين بمرض عقلي أو نفسي. فالتشريع الوحيد الذي يتناول علاج الأشخاص المصابين بأمراض نفسية في القانون اللبناني، يعود للعام 1983، ويتنافى مع المعايير الدوليّة الحديثة.

 في ظل هذا الفراغ التشريعي، قدمت جمعيّة "إدراك" بين العامين 2008-2009  مشروع قانون يتعلّق برعاية وعلاج وحماية المصابين بمرض عقلي أو نفسي. إلّا أن هذا المشروع، وبالرغم من وصوله إلى البرلمان، بقي مجهولاً من قبل الأطباء النفسيين والرأي العام. لذلك وإيماناً بضرورة أن يكون هناك نقاش عام بكل ما يتعلّق بالقوانين وبكل الإشكاليات، دعت المفكرة القانونيّة مساء أمس الخميس إلى ندوة لمناقشة هذا المشروع ودرس نقاط القوّة والضعف فيه، بهدف بلورة تحسينات لمضمونه، بعنوان "مشروع قانون للمصابين بمرض عقلي أو نفسي: أي حماية ضد التعسف والعزل".

 "هناك ثلاثة أهداف أساسيّة يجب أن يعززها أي قانون يطرح لرعاية الأشخاص المصابين بمرض عقلي أو نفسي"، بحسب الطبيبة المتخصصة في الأمراض العقليّة والاضطرابات النفسيّة د. هلا كرباج. أوّلها الحق في الدمج في المجتمع والحصول على الرعاية المجانية الكاملة. الثاني، تحديد آلية قانونية للإشراف ومراقبة الدخول الإجباري إلى المستشفى، كي لا يحرم المريض من حريّته. أمّا الهدف الثالث فهو منع الإنتهاكات، لا سيّما داخل الأقسام الإستشفائيّة والمؤسسات، خصوصاً أنها غير خاضعة لأي نوع من الرقابة.

 لكن، هل يعزز مشروع القانون الحالي هذه الأهداف؟

 بحسب المادة الثانية لمشروع القانون " يعتبر مريضاً عقلياً أو نفسياً كلّ من يشكو من إضطراب، مؤقت أو دائم، جزئي أو كلّي/ في قدراته العقليّة أو الشعوريّة أو السلوكيّة". التعريف هنا، وفق كرباج، يبدو مبهماً، ولا يرتكز على المعايير الموحدة المعترف بها دولياً، الأمر الذي قد يجعل أي شخص لا يتوافق سلوكه مع المعايير الإجتماعية أو الدينية أو الثقافية الموجودة في المجتمع عرضة لهذا التصنيف.

 أمّا في ما خصّ الإندماج الإجتماعي، فلا توجد بنود تعزّز العلاج خارج المستشفى،  وليس هناك أي خطة تطبيقيّة واضحة عن أهمية إنشاء مراكز علاجيّة للتأهيل. وفي إطار حديثها، شرحت كرباج أنّ وضع المرضى بالمؤسسات هو نتيجة لعدم وجود مراكز تأهيل، فضلاً عن كون المبادرات الفردية الموجودة لا يمكن أن تنفي ضرورة وضع سياسة وبرنامج وطني للصحة النفسيّة يؤمن مراكز في كل لبنان. ما يسهّل إندماج المريض بالمجتمع.

 أيضاً، يغفل القانون أهميّة تغطيّة التكاليف، ولا يذكر شركات التأمين التي تتنصل من تغطياتها بمجرّد معرفتها بوجود طبيب نفسي. فيما يقترح في المادة 9 من مشروع القانون وضع المريض بمؤسسة ولكن دون تحديد المدّة، وبالتأكيد لا توجد اقتراحات بوضع برامج تساعد العائلة معنوياً، ولا حتى تقديم مساعدات إجتماعيّة. و"فيما يصر مشروع القانون في مقدّمته على حرصه في التناسق مع معايير الصحّة العالميّة"، فان المادة 9 تقترح وضع المرضى بالمؤسسات، ولا ذكر في أي بند لإرادة المريض ولا لتعزيز إستقلاليته، كما أوضحت كرباج، مضيفة ان مشروع القانون لا يغلب الإستشفاء الطوعي على الإجباري.

وفي ختام مداخلتها، أكدت كرباج أنّ الواقع الصعب في لبنان يجب أن لا يكون مبرّراً أمام عدم سعينا لتحسين هذا الوضع وتطبيق المبادئ الدوليّة في هذا المجال.

من جهّة أخرى، شرح المحامي نزار صاغية أن هناك نوعاً من الفصام بين الطب والقانون، ووصف القانون الذي وضع في العام 1983 بالكارثة. أضاف انه "بناء على التجربة ومن ناحية مراقبة القوانين وطريقة تطبيقها يبدو واضحاً كيف يستعمل علم النفس كأداة لفرض أفكار أجتماعية عقائدية سائدة، وقمع أي اختلاف بهذا المجال". من هنا "يجب على تعريف المرض أن يكون مضبوطاً كي لا يكون باباً آخر لتقييد الحريّة الشخصيّة فيتحول بذلك إلى أداة لقمع حريات عامة أساسيّة، تمنع الحق بالإختلاف". كما نبّه صاغيّة لأهميّة معرفة هدف القانون، مستغرباً عدم وجود مبادئ تنص على حقوقه كإنسان أو غياب حقّه في المواطنة. وأكدّ أخيراً أنّ "الهدف الاساسي للقانون يجب أن يكون توفير بيئة أقل تقييداً، وليس عزله في مؤسسات، إلّا في الضرورات القصوى".

 

increase حجم الخط decrease