الثلاثاء 2024/02/13

آخر تحديث: 15:15 (بيروت)

الأباتي محفوظ لـ"المدن":لا خوف على لبنان ولا على الموارنة

الثلاثاء 2024/02/13
الأباتي محفوظ لـ"المدن":لا خوف على لبنان ولا على الموارنة
"الرهبانية تحت عباءة بكركي السياسية"
increase حجم الخط decrease
حين يقول رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي هادي محفوظ أن "رهبانيتنا هي، على الأرجح، الرهبانية الوحيدة في العالم التي يحدد اسمها انتماءها الجغرافي، فيأتي لبنان في تعريف هويتها"، فهو لا يحصرها في مكان بل يؤشر إلى عمق جذورها التي يستحيل زعزعتها. ومع ذلك فالرهبانية منتشرة في العالم اليوم.

فهل تخاف الرهبانية على لبنان؟ هل تخاف على "اختفاء" موارنته أو تغيير جغرافيته؟ وهل الانتشار بديلاً عن بلد يوغل في الإبتعاد عن "هويته"؟ أي دور للرهبانية اليوم؟ ولماذا انسحابها من الحياة السياسية منذ سنوات؟

التقت "المدن" الأباتي محفوظ أثناء زيارته لدير سيدة لبنان في لندن، حيث احتفل بعيد مار مارون والتقى بالكثيرين من أبناء الجالية اللبنانية. وهو أكّد جازماً: "لا خوف على لبنان ولا على المسيحيين فيه ولا على الموارنة ولا المارونية، مهما بدا أن الأعداد تتناقص. هذه قناعتي الشخصية العميقة، وليس جواباً شاعرياً. بالتالي، لا أشعر بالخوف مطلقاً على بقاء لبنان وهويته. من كان يقول مثلاً، بعد الحرب العالمية الأولى، وهو يرى صور الموتى جوعاً على الطرقات، أن جبل لبنان الذي مات ثلث سكانه، يعود ويزدهر وتنطلق منه فكرة لبنان الكبير؟". أما الجغرافيا، أما الخرائط، فيسترجع محفوظ "خرائط العالم وتغيّرها. من ينظر إلى خرائط أوروبا منذ ما قبل المسيح إلى اليوم، إلى خرائط فرنسا، والمملكة المتحدة نفسها، وكل العالم يرى تبدلاً في هذه الخرائط. لبنان الآن هو هو".

عباءة بكركي السياسية
يقر محفوظ أن الرهبانية تتجنب الدخول في السياسة. يقول "هو خط انتهجته الرهبانية منذ انتخاب البطريرك نصرالله صفير وقد انسحب على كل الرؤساء العامين". وبسؤاله "حتى في المواقف الوطنية المبدئية؟". يجيب "وهل يفترض أن يكون هنالك فرق بين المواقف الوطنية والمواقف السياسية؟ يفترض أن تكون السياسة ترجمة للمواقف الوطنية، والعكس صحيح، أي أن تُترجِم المواقف السياسية القناعات الوطنية". ويأسف لأن "اللبنانيين لا يلتقون على مفاهيم مشتركة لـ"الوطنية".

ويؤكد إن "الرهبانية اللبنانية المارونية هي تحت عباءة بكركي السياسية والوطنية".

مشروع اللامركزية:إطار أكاديمي
ماذا عن النظام في لبنان؟ وهل وصلت "الصيغة" إلى حائط مسدود ينتج تعطيلاً دائماً؟ يجيب متسائلاً "وهل الصيغة هي التي توصلنا إلى الـblocage؟ في رأيي، عطب لبنان الأساسي في الإدارة. وبصراحة، في سوء الإدارة. والتلطي بالطائفية والطوائف لا يعكس شمولية الصورة ودقتها. فبعض من تعاطوا السياسة، لم يترددوا في القيام بما هو ضد طوائفهم، إذا كان ذلك يعود عليهم بالفائدة. لا دين للدولة في لبنان، بالتالي، فإن احترام معتقد كل إنسان واجب، تماماً كوجوب حسن الإدارة ومساواة الجميع تحت سقف القانون والعدالة والمساواة بين المواطنين".

وعن ملف اللامركزية التي كانت تعمل عليه جامعة الروح القدس-الكسليك يقول محفوظ: "كان موضوعاً أكاديميا بحتاً. بدأ بكلية الحقوق في الجامعة وتوسع. كما قام الطلاب والأساتذة في الكلية سابقاً بإعداد دراسة حول وجوب تعديل بعض المواد في قانون المجلس الدستوري وتطويرها وسلّموها إلى المعنيّين. أطلعنا الأحزاب على مضامين الدراسة، ولكل رأيه بسلبياتها وإيجابياتها. وهنا ينتهي دور الجامعة. بالتالي، انتهى العمل على المشروع".

محنة اللبنانيين والهجرة
للرهبانية اللبنانية المارونية ستون راهباً ينتشرون في العالم، حيث سبقهم إليها موارنة كثر. فهل تخاف الرهبانية من الهجرة؟

مرّة جديدة، يؤكد الأباتي محفوظ أن "لا مكان للخوف مع الإيمان. نعم نحن نعيش أزمة وجودية ومحنة قاسية على كل المستويات. والهجرة الكبيرة، خصوصاً للطاقات والشباب، مقلقة. وقد اختبرناها كرهبانية بالمباشر مع هجرة عدد من الأطباء من مستشفى سيدة المعونات وعدد من كبار الأساتذة في جامعة الروح القدس في الكسليك، وهذا يؤثر حكماً على الجودة والتطور. لكّن الهجرة ليست جديدة على اللبنانيين ولا على الموارنة تحديداً، ويعرف اللبنانيون كيفية التأقلم معها". يضيف أن "ما ميّز لبنان في محيطه، هو الحضور المسيحي، والماروني تحديداً، إلى جانب الحضور الإسلامي، وإن هجرة المسيحيين تشكّل خطراً على ضياء الهوية اللبنانية وغناها".

ويعتبر أن "بقاء المسيحيين في لبنان مسؤولية جماعية مشتركة مسيحية-إسلامية، على الجميع التشارك في تحمّلها".

وكما يفعل في معظم مقارباته للتحديات، يحاول التركيز على الإيجابيات، فيقول "إن الإنتشار اللبناني في العالم مصدر غنى. وها هم اللبنانيون، ورهباننا من بينهم، يذهبون إلى كل العالم، يكتسبون خبرات ويتعلمون ويعودون إلى لبنان لدمجها في المجتمع اللبناني، تماما كما فعلوا عند تاسيس المدرسة المارونية في روما عام 1584، فعاد تلامذتها، ولاحقاً رهباننا، إلى لبنان وعلموا كل اللبنانيين ونقلوا إليهم علوم ذاك الزمن".

الرهبانية بين الرسالة والإدارة
يعرف الأباتي محفوظ انتظارات الناس من الرهبانيات عموماً، ومن الرهبانية اللبنانية خصوصاً. يتفهم ويحب إحساس "المونة" على الرهبانية من قبل أبنائها، لكنّه في الوقت نفسه، يتخوّف من المبالغة فيه. ويشرح قائلاً: "يجب التفريق بين الدور الاجتماعي للرهبانية، وهو في عمق رسالتها وإيمانها، وبين العمل المؤسساتي. لتصمد الرهبانية ومعها شعبها، يجب احترام العمل المؤسساتي وانضباطه وقواعده. فجزء كبير من انهيار البلد، مثلاً، مرده إلى عدم احترام المؤسسات ودورها. الصرامة الإدارية مطلوبة في المؤسسات تحت سقف الجودة والمساواة والشفافية. وهذا ما أحاول تطبيقه في مؤسسات الرهبانية. أما العمل الإجتماعي، مع تأكيدنا على مسؤولية الدولة في هذا المجال، فهو من صلب رسالتنا التي لن نتخلى عنها. ونحن نعرف ظروف مجتمعنا ونجتهد، ونقدم مساعدات كبيرة جداً، من دون إعلان، لنقف إلى جانبه،  من دون أن نحوّله إلى متلق فقط ومنتظر للمساعدة. فمن صفات الماروني وهويته، العمل والاجتهاد وتذليل الصعاب".

نسمع بعض أبنائنا يقولون "قلوبنا قاسية. في الحقيقة قلوبنا وعقولنا في خدمة إيماننا وخدمتهم. تملك الرهبانية ثروة عقارية، تحاول اليوم تفعيلها، ونعمل على تطوير إمكانياتنا من ضمن نظرة مؤسساتية متكاملة لنستطيع أن نخدم أفضل".

يختم الأب العام اللقاء جازماً "من لندن، كما من لبنان ومن أي بلد في العالم، أنا على يقين إننا ذاهبون لأيام أفضل. فلا نكونن فريسة للخوف، بل لنجعل الخوف فريستنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها