الثلاثاء 2024/04/09

آخر تحديث: 12:48 (بيروت)

اغتيال باسكال سليمان: طلب الفتنة في معرض التحذير منها

الثلاثاء 2024/04/09
اغتيال باسكال سليمان: طلب الفتنة في معرض التحذير منها
تلقى القوات احتضاناً شعبياً مسيحياً كبيراً ولديها القدرة على احتواء شارعها (Getty)
increase حجم الخط decrease
لا تُقرأ جريمة اغتيال منسق القوات في جبيل، باسكال سليمان، من خارج السياسة، مهما اجتهد "المخرجون" في ابتداع حبكات وسيناريوهات؛ فكيف الحال وقد جاء السيناريو ركيكاً ومبتذلاً؟

خطورة الجريمة ليست في قتل باسكال فقط، على فظاعة الأمر، بل في ما تستحضره من مخاوف وترسله من تهديدات وتؤججه من فتن، نارها تكاد لا تخبو.

ويُسجَّل لـ"القوات اللبنانية"، سرعة احتوائها لتداعيات الجريمة وقدرتها على ضبط شارعها، الذي كاد بالأمس يتفلّت تحت وطأة الاحساس بالغضب والاستهداف. وقد بذل نوابها ومسؤولوها جهوداً كبيرة في كل المناطق، لمنع الاعتداء على أي من المواطنين السوريين، بعد أن حصلت ثلاثة اعتداءات في مناطق مختلفة.

والبيان الذي أصدرته وطالبت فيه "ترك الساحات وفتح الطرقات وبخاصّة أنّ يوم الأربعاء هو أول أيّام عيد الفطر المبارك"، يعكس ليس فقط موقفاً سياسياً ووطنياً، إنما موقفاً "محترماً"، حيث لم يمنعها مصابها عن التفكير بـ"فرح" الآخرين.

وكلام زوجة المغدور، ميشلين وهبه، بعد أقل من ساعتين على مقتله، وتمسكها "بالإيمان والرجاء والاستمرار في النضال ضمن الخط السيادي المقاوم"، في حضور مسؤولين كنسيين في دارتها، يندرج في سياق القناعات نفسها.

تستند "القوات" في موقفها هذا إلى احتضان شعبي مسيحي كبير. وإذا كان فتح التيار الوطني الحر مكاتبه في جبيل لمناصري القوات والمتظاهرين، يعتبره البعض "تضامناً مناطقياً"، فإن التعاطف وتبني خطاب القوات، يذهب أبعد من ذلك بكثير في كل الأوساط المسيحية، ومن ضمنها أوساط مناصري التيار.

وحتى في بكركي، التي بقي خطها مفتوحاً مع معراب أمس، لم يقتنع البطريرك بشارة الراعي بكل ما سيق من معلومات حول عملية الخطف والقتل. ويفترض أن يترأس بنفسه في كنيسة مار يوحنا في جبيل صلاة الدفن، وهو "متمسك بالترفع على الجرح المؤلم في سبيل المصلحة الوطنية العليا"، وقد عكس بيانه اليوم الحرص البطريركي التاريخي على لبنان وسلمه الأهلي.

الفتنة في معرض التحذير منها
في المقابل، بدا لكثيرين أن موقف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، يحرّض على الفتنة والحرب الأهلية في معرض التحذير منها، واتهام القوات والكتائب بالعمل عليها. وتؤكد مصادر مطلعة أن نصرالله، عند إلقاء كلمته، كان قد علم بمقتل سليمان، في حين أن تبليغ القوات حصل بالتدرج من الانتقال من كونه حياّ إلى "أخبار غير مطمئنة"، وصولاً إلى تبليغهم بمقتله قبل إصدار الجيش بيانه بدقائق.

وبالتالي، نبرة نصرالله العالية والاتهامات واستحضار الحرب الأهلية، وكلامه عن تهديدات لبعض أبناء جبيل من الشيعة، تبيّن عدم صحتها وفق أكثر من مصدر، كلها مواقف ترمي زيت الفتنة على نار الخلافات اللبنانية الجذّرية، التي تضع "العيش المشترك" و"الوحدة الوطنية" موضع الاختبار والشك.

وقبل الإعلان عن مقتل سليمان، لم تحمّل القوات ولا الكتائب حزب الله مسؤولية اختطافه. تحدثوا عن سلاح متفلت وعن أمن غير ممسوك. تطرق المسؤولون في الحزبين عن الحماية الذاتية إذا تعذّر على الدولة حماية الناس. لكن لم يأتِ أي مسؤول على تحميل حزب الله مسؤولية اختطاف سليمان. وقد كان الهاجس الأول من عدم الكلام الأمل باستعادته حيّاً.

صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي ضجت بالتصريح والتلميح لدور لحزب الله، واستعادة خطاب الأمن الذاتي والفيدرالية، لكن هل يبني السيد نصرالله مواقفه بناء على "العالم الافتراضي"؟.

أما إذا كان نصرالله قد حاول استباق موقف القوات من خلال "الترهيب" intimidation، فهذا دليل آخر على عدم معرفته العميقة بالبيئة المسيحية اليوم، وموقفها من "حزب الله"، وصولاً إلى "فكرة لبنان" نفسها.
ولعل تساؤل أحد نواب الأطراف وهو يعزي بسليمان، يعكس بعضاً من القلق العميق. قال "قُتل الياس الحصروني، قلنا منطقة خارجة عن سيطرة الدولة وفي بيئة حزبية معينة، أما أن يُقتل مسؤول قواتي في قلب منطقة جبيل، فما هي الرسالة التي يُراد إيصالها؟ وماذا على أبناء الأطراف المسيحيين مثلنا أن يفكروا وأن يفعلوا؟".
قد لا يعني السيد نصرالله الإجابة على هذا السؤال أو، ربما، قال ما لديه بين سطور خطاب الأمس.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها