الإثنين 2023/05/15

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

سنة على تجربة التغييريين: منظومة أحزاب الحرب تتفكك ذاتياً

الإثنين 2023/05/15
سنة على تجربة التغييريين: منظومة أحزاب الحرب تتفكك ذاتياً
لمواجهة حقيقية وجدية مع هيمنة حزب الله وحلفائه على قرار الدولة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أعلنت لحظة 17 تشرين بدء نهاية نظام أحزاب الحرب الأهلية، ودخول منطق جديد ومشروع سياسي تغييري على الساحة الوطنية. بعد عام من تواجد تلك الحالة التغييرية في المجلس النيابي، تتراكم الخبرات وتنضج الاقتراحات وتتثبت القدرات العملية لتلك القوى في تكوين بديل، قادر على إعادة تكوين السلطة في لبنان. أما منظومة أحزاب الحرب فتتفكك ذاتياً. أحزاب سياسية اختارت الاعتكاف، وأخرى ينهار تأييدها الشعبي، وغيرها وجودها مرتبط بطول عمر زعيمها، وبعده يأتي التحلل.

مقابل ذلك تجد التغييريين بالمرصاد على كل المستويات إعلامياً، وبرلمانياً، وقضائياً بكل شاردة وواردة. وكل فعل من قبل المنظومة يقابله رد فعل معارض، في صفقة المطار، أو حماية رياض سلامة، أو تمرير موازنة، أو تعطيل الإصلاحات التي تسهل الاتفاق مع صندوق النقد، أو التهرب من إجراء انتخابات بلدية.

التطورات السياسية في البلاد، ونضوج تجربة القوى التغييرية حتّمت عليهم اتخاذ قرارات حاسمة وواضحة، خصوصاً في القضايا والاستحقاقات المصيرية. مما فرض فرزاً سياسياً ضمن التغييريين، كان له تأثيره المباشر على تماسك تكتل التغيير، ما أوصل إلى تمايز كبير بين نوابه. ربما كان ممكن تجنب تفكك التكتل لو ارتضى البعض بالنظام الداخلي الذي اقترحناه للتكتل لإدارة الاختلافات، بدل تمسكهم بحق الفيتو الشخصي على قرارات التكتل، الذي أوصل إلى ما نحن عليه اليوم. لكن الضعف التنظيمي جوهره اختلاف بالاستراتيجية السياسية، وبالدور المطلوب من تكتل التغيير.

التغييريون منذ وصولهم إلى الندوة البرلمانية كان عليهم أن يحددوا موقفهم في عدد من القضايا الأساسية بشكل كامل الوضوح. أولاً، في مسألة السيادة وحصرية السلاح. البعض تمسك بمقولة أننا ضد 14 و8 اذار. وهذا كلام فارغ لا قيمة له بالسياسة، لأن بعد اتفاق معراب، ومن ثم اعتزال تيار المستقبل، لم يعد هناك من 14 آذار. وكل محاولة لإعادة تصويرها وكأنها قائمة هو هراء يسهل لحزب الله المهيمن التحجج أن هناك فريقاً يشكل خطورة عليه. إن تمسك بعض التغييريين بتلك النظريات البائدة عن خط ثالث، وانقسام عمره 20 سنة انتفى وجوده، كان أحد أسباب ضعضعة تكتل التغيير، بدل أن يكون موقفهم واضحاً مع السيادة ورفض أي سلاح خارج الدولة بغض النظر عن كل تفاصيل السياسة.

السبب الثاني، كان مسألة دور التكتل في الحياة النيابية. جزء من النواب يريد أن يكون التغييريون صوتاً صارخاً ومعترضاً على كل شيء. يطالب بما يريد ولا يفاوض ولا يساوم ولا يتزحزح.. ولا يرى، هذا البعض من التغييريين، دوراً للتكتل في إنتاج قرارات نيابية، أو انتخاب رئيس، أو في إدارة الدولة، بل تسيطر عليهم قناعة أن التغييريين لن يؤثروا في شيء، ولا دور لهم بتوزيع الأحجام في المجلس الموجود اليوم. نتيجة لوجهة النظر تلك، أصبحت حجة للتهرب من المسؤولية في الاستحقاقات. وبسببها تم تعطيل قدرة التغييريين على أن يكونوا رأس حربة في الضغط لتحقيق اختراقات في السياسة، وتشكيل حالة نيابية يكونون فيها محور حركة اعتراضية مع كتل أخرى.

بينما كان جزء آخر من التغييريين، ونحن منهم، يفتح قنوات التواصل مع آخرين والعمل على تفعيل التفاهم السياسي بين الكتل، لإنهاء الأزمة الرئاسية، وتسريع عملية انتخاب رئيس، بشروط تسمح بالإصلاح وإنقاذ البلاد. فثابرنا على النقاش مع آخرين، وتنسيق المواقف أولاً في انتخاب مرشح قادر على الأقل على تحصيل ثلث أصوات المجلس، وهو ميشال معوض. وبذلك أصبحنا مع آخرين جزءاً من مجموعة قادرة على تعطيل النصاب في حالة فرض مرشح وإخضاع اللبنانيين لست سنوات جدد لهيمنة الأجندة الإيرانية والفاسدين الذين يدافع عنهم حزب الله وحلفائه على المصلحة الوطنية.

كما قام بعض نواب التغيير، عبر مواقفنا السياسية والتواصل المنتج مع كتل سياسية أخرى، بكسب موقف جريء دفاعاً عن التحقيق في انفجار 4 آب، أدى لدخول عشرات النواب إلى قصر العدل مطالبين بالعدالة، ثم أن عدداً كبيراً منهم سهروا طوال الليل في مركز أمن الدولة عندما اعتُقل أهالي الضحايا، وبعدها وقع 46 نائباً على عريضة نيابية ترفض إجراء جلسات تشريعية، وبعدها عريضة أرسلت إلى مجلس حقوق الانسان في جنيف مطالبين بلجنة تقصي حقائق في قضية تفجير 4 آب. كل هذا الحراك السياسي المنتج، أتى نتيجة اجتماعات دورية ونقاشات في العمق مع قوى أخرى في المجلس. انفتاحنا نحن من تكتل التغيريين على قوى اعتراضية في المجلس النيابي فعّل حضور أفكار التغييريين وعمّق النقاش حول الإصلاحات، وفتح الباب واسعاً لمواجهة حقيقية وجدية مع هيمنة حزب الله وحلفائه على قرار الدولة، حتى الأكثر اعتراضا من التغييرين أذعنوا لضرورة التواصل مع الآخرين عند توقيع الطعون أو تنظيم الاعتراض في اللجان وغيرها.

هذا التوجه، الذي اعتمده بعض التغييريين، أثمر تأييداً واسعاً في أوساط القوى التغييرية وعند كل المواطنين الطامحين لرؤية مخرج من الأزمة. ورأيناهم يؤيدون مواقف النواب التغييريين المبادرين معنا مثل ميشال دويهي ووضاح الصادق وغيرهم، وأدى ذلك لتشكيل حالة وطنية تغييرية تواظب على العمل سوية منذ خمسة شهور، تضم عدداً من القوى التغييرية مثل الكتلة الوطنية، تيار التغيير في الجنوب، خط أحمر، تجمع شمال 3، انتفض للسيادة في طرابلس، واتحاد ثوار عكار، وحزب تقدم.

وعليه، بعد عام على التجربة النيابية، يمكن أخذ العبر التالية:

أولاً، على التغييريين أن يكونوا رأس حربة بالوضوح السياسي، يمثلون مشروعهم. هم ليسوا رد فعل على أي فريق آخر، خصوصاً فيما يتعلق بالسيادة. وكذلك في الإصلاح الاقتصادي والمالي، ووضوح المجابهة مع المنظومة المالية المافيوية والطائفية. ويجب أن يكون لديهم أجندة تشريعية واضحة، عناوينها تطبيق اتفاق الطائف، واللامركزية الإدارية الموسعة، واستقلالية القضاء، وإنجاز الإصلاحات لإتمام خطة اتفاق مع صندوق النقد.

ثانياً، على التغييريين أن يشكلوا تقاطعاً نيابياً يسمح بجمع حالة برلمانية واسعة، تواجه سيطرة حزب الله وحليفه حركة أمل، في فرض وجهة على الدولة اللبنانية تمدد حياة نظام يشرّع السلاح خارج الدولة، ويبيح الفساد والتهرب من المحاسبة والعقاب، ويحول لبنان إلى منصة بتصرف المصالح الإيرانية، أو استمرار نهج الفساد أو التبعية للخارج.

ثالثاً، على النواب التغييريين أن يعيدوا توثيق ارتباطهم مع الحالة الوطنية والشعبية لـ17 تشرين، وبناء تنظيم وشبكة سياسية وطنية قادرة على كسب تأييد اللبنانيات واللبنانيين ليس فقط كرد فعل على قوة المنظومة، بل بسبب مواقفهم وممارستهم السياسية وبطرح مشروع سياسي وبرنامج واضح.

رابعاً، التغييريون هم أقوى ليس بعدد نواب التكتل، بل بقدرتهم على تحريك العجلة السياسية من خارج الاصطفاف الطائفي، أو التبعية للخارج. وعليهم رفع سقف المواجهات لتحقيق المحاسبة، ومساهمتهم في مراقبة عمل الحكومة، ومتابعة كل الملفات القضائية الدقيقة، وتطوير قدرتهم على الفرز السياسي من خارج الاصطفاف الطائفي والصراع الحزبي التقليدي.

التغييريون هم الفريق الوحيد الذي لا يحمل وزراً تاريخياً، لا بالحرب ولا سنين الهيمنة ولا سنوات الفساد، بل هم فريق متحرر ويمثل مستقبل البلاد وطموح شبابه. لذا، علينا أن نستمر في توضيح طروحاتنا السياسية ورؤيتنا لدولة مدنية ووطن حر وسيّد. وأن نطرح مشروع حكم متكامل وبرنامج عمل شاملاً، عبر تضافر جهود نوابنا والناشطين في 17 تشرين والانخراط في عمل الدولة على كل المستويات لنصبح بديلاً جاهزاً لاستلام الحكم في الاستحقاقات المقبلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها