الأحد 2021/06/27

آخر تحديث: 20:42 (بيروت)

عن "لقاء خلدة": الأمر ليس لكم بعد اليوم

الأحد 2021/06/27
عن "لقاء خلدة": الأمر ليس لكم بعد اليوم
سنترككم، في ديوانية الإمارة ومجالس البكوات (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease

إن يجتمعوا أفضل من أن يختلفوا. لا أظن يختلف اثنان على وجهة النظر تلك. زهقت دماء علاء أبو فرج، ورامي سلمان، وسامر أبو فراج، وسامو غصن، ومحمد بو ذياب. لم يخسر أحدهم شيئاً، ولم يستحصل أحدهم على حق لشهيد أو حتى محاكمة. بل انتهت الأمور إلى تعطيل العدالة والقضاء، وفرار المطلوبين، وتسليم بعض الأشخاص، والتحضير لإخراجهم بأسرع وقت، هذا اذا تم توقيفهم.

الموحدِّون الدروز، كمجتمع، أصبح واقعهم وتحدياتهم أكبر بكثير من مصالحة زعماء أو اختلافاتهم. لذلك، لم نجد متحمساً لنتيجة لقاء خلدة. ولم يكن لديه صدى سوى عند بعض الحزبيين. بناء على نصيحة أصدقاء، انتظرنا ريثما ينتهي الاجتماع، لربما نرى نتيجة مفيدة، ليكون النقد بنّاء وحول مضمون اللقاء. لكنه كان من المستحيل إيجاد تلك النقاط.

أولاً في الشكل، جلس البيك والمير على كراسٍ. أما المستشارون الثلاثة فجلسوا بالمقابل على الكنبة، يعني لا ثالث للزعماء. ما زالت الأمور تختصر ببيتين وشخصين، وكل الآخرين في الطائفة دونهم. كما لم يكن هناك حتى طاولة اجتماع، أو ورقة، أو خطة أو وثيقة. بل دردشة الزعماء ومتابعة المستشارين، وتصريح مختصر "خفيف".. الأهم هو الصورة. وكأن ما نمر به والمخاطر المحدقة تنتهي نتيجة مصالحة شخصين.

ثانياً في المضمون، كانت قراراتهم عبارة عن تنسيق لتوزيع الخدمات التي تأتي من مالية الدولة (الصحة، الشؤون الاجتماعية، المهجرين)، وتقاسم الحصص الوزارية، وتنظيم أمورهم في المجلس المذهبي ومشيخة العقل. يعني تثيبت احتكارهم ومحاولة الإطباق على كل من هو خارج حضورهم السياسي والخدماتي الطاغي. حتى أنهم توجهوا إلى الاغتراب اللبناني، مؤكدين أنهم هم العنوان الوحيد التي تمر من خلاله مساعدات مجتمع الموحدين، ولو قيلت بطريقة مبطنة. بمختصر، ما أرادوا قوله هو إن الوضع دقيق وسلطتهم مهددة. وعليه، سيتكاتفون على كل المستويات للسطو والسيطرة على كل الموارد الممكنة في لبنان والخارج التابعة للدروز. قد يجادل البعض أنهم يحاولون بما يستطيعون ضمن الظروف، وهذا حكم ظالم عليهم. الجواب بسيط: لو كان لديهم نية حسنة لكانت النتائج بانت خلال آخر 30 سنة على الأقل، عبر مؤسسات تربوية واجتماعية وصحية واجتماعية واقتصادية دعمت تطور المجتمع الدرزي، وحدّت من الهجرات المتتالية. لكن سطوتهم أهم من مصلحة الدروز. هذه حقيقة ثابتة من 1990 وحتى يومنا هذا.

إذاً، لقاء خلدة عنوانه واحد، ورسالته للدروز "الأمر لنا". لكنهم مخطئون. الدروز ثلثهم أصبح خارج لبنان، وحياته مستقلة عنكم ونفوذكم. ومن تبقى في لبنان، فجامعته، ومستشفاه، ومدرسته، وعمله كلها مرتبطة بالمدينة خارج نطاق سطوتكم. وهذا من دون احتساب نتيجة الهجرة الكبيرة، الحاصلة بسبب الانهيار الحالي في لبنان. وأكثر من ذلك، حتى المقيمين في القرى، طموحهم ورؤيتهم أبعد مما تستطيع زعماتكم تقديمه من وظيفة أو عقد مع الدولة لم تعد لها قيمة، أو منصب حزبي. وقد برز ذلك في الانتخابات السابقة عام 2018، عندما حصل أحدكم على 10% فقط من كافة الدروز في قضاء عاليه، وبالكاد أي أصوات في المناطق الأخرى. وتعلمون جيداً أن هذا القانون الانتخابي قد أنهى قدرة الدروز على تشكيل كتلة وازنة سياسية والسيطرة على دوائر انتخابية. وبالرغم من ذلك، تتجهون نحو التقوقع أكثر والانسحاب من الساحة الوطنية نحو زواريب الطائفية، بينما يزحف الدروز بالآلاف نحو الساحات الوطنية، خلال الثورة وما بعدها، بمبادرات فردية وجماعية، بدأت تأخذ حيزاً أكبر من الفضاء السياسي والاجتماعي في الجبل، وما بين مجتمع الموحدين.

كلما اتجه الدروز نحو القضايا الوطنية الكبرى والمساحة الوطنية الجامعة برزوا وتفوقوا، وكلما تقوقعوا انهزموا واندثروا. عندما كانت قيادات الدروز تضم شكيب أرسلان وعادل أرسلان وسلطان باشا الأطرش، كانوا قادة عرب ما بين سوريا والأردن ولبنان. وأفكارهم قدمت للدروز أدواراً وطنية وضمنت حضورهم السياسي المؤثر في أكثر من دولة، بغض النظر عن أعدادهم أو عدد نوابهم. وفي لبنان، مجيد أرسلان، استحق لقبه كبطل استقلال لأنه وقف وواجه الفرنسيين، والإسرائيليين، ووقف بجانب الدولة ضد كل تدخل بشؤون لبنان الداخلية، خصوصاً من حافظ الأسد. حتى آخر لحظة في حياته كان إلى جانب الدولة السيدة المستقلة. وكمال جنبلاط كذلك طرح مشروع الحركة الوطنية الإصلاحي، وأصبح قائداً وطنياً، بالرغم من خسارته مقعده النيابي، قبل الانزلاق في الحروب. وكيف يمكننا أن ننسى عام 2005 عندما اغتيل رفيق الحريري، ومحاولة اغتيال مروان حمادة، كيف أن رأس الحربة في مواجهة نظام بشار الأسد كان وليد جنبلاط.

فكيف كان وليد جنبلاط المواجهة في 2005 ، ليصف وليد جنبلاط التسويات في 2021؟

كلما ارتقى الدروز وقياداتهم في خطاب وطني إلى المساحة الوطنية والمواجهات بوجه الظلم والطغيان والاحتلال، كسبوا أدواراً وطنياً أبعد من مقاعد ومناصب وتقاسم غنائم، وبغض النظر عن عددهم. في 1925، سلطان باشا الأطرش صدم أقوى جيوش العالم في حينه، وواجههم في حرب ضروس. هل حزب الله اليوم أعتى من أقوى جيوش العالم في 1920، الجيش الفرنسي. هل نخشى المواجهة ونظل نبشر بالتسوية بعد أيار 2008، وتسوية بحكومة الميقاتي، وتسوية بانتخاب عون، وتسوية وتهنئة مع طاغية يقتل شعبه كل يوم؟

هذا هو جوابنا نحن العلمانيين الوطنيين المنفتحين على المساحة الوطنية، بعيداً عن أي أشكال تقوقع، ندرك أن الوطن هو مساحتنا وليست الطائفة، ونعلم كم علينا أن نضحي لدولتنا لنحقق الأمن والأمان والاستقرار والازدهار لمجتمعنا. سنترككم، في ديوانية الإمارة ومجالس البكوات، وكأن الزمن ما زال 1800. سنبني مجتمعنا الدرزي المستقبلي المندمج على طاولة عريضة وطنية ، ضمن دولة ومؤسسات تؤمّن لنا حقوقنا كاملة، ونمحي فيها التمييز الطائفي والتعامل معنا كأننا أعداد وأحجام وليس قيمة إنسانية ثقافية. سبيلنا لذلك هو الخطاب الوطني، ضد السلاح، وضد الطائفية والفساد والسكوت عن ظلم الطغاة والتسويات معهم.

لذا، هذه دعوة لكل الموحدين اللبنانيين في الوطن أو الخارج للانخراط في العمل الوطني السياسي من خارج قوقعة الزعامات، وبناء خيارات تشبه ما نحن بحاجة إليه ليكون لنا دور فاعلة ومؤثر وازدهار، يسمح بتطورنا كأفراد وكمجموعة والحفاظ على كل قيمنا وقيمتنا الإضافية في لبنان والعالم العربي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها