الإثنين 2018/08/20

آخر تحديث: 00:08 (بيروت)

عرسال بعد سنة من تحريرها: بين الدولة واللاجئين

الإثنين 2018/08/20
عرسال بعد سنة من تحريرها: بين الدولة واللاجئين
يقدر عدد اللاجئين في عرسال اليوم بـ50 ألفاً (Getty)
increase حجم الخط decrease

عندما حددت ساعة الصفر لانطلاق معركة فجر الجرود في 18آب 2017، كانت الارضية في بلدة عرسال قد أصبحت جاهزة لاحتضان الجيش اللبناني في اتمام مهمته، بتخليصها من طوق "المجموعات المسلحة" الذي خنق المدينة وأهلها، منذ أسر العسكريين اللبنانيين على أيدي تنظيمي داعش والنصرة في آب 2014، وقبله قتل النقيب بيار بشعلاني والرقيب إبراهيم زهرمان في كمين ارهابي اثناء تنفيذ الجيش مهمة في البلدة.

عام مر على انطلاقة تلك العملية، لم ينس أهالي عرسال "الكابوس" الذي عاشوه قبلها. فهم من جهة واجهوا الرعب الذي فرضته عليهم المجموعات المسلحة في الداخل، ومن جهة ثانية التخوين الذي تعرضوا له من جيرانهم في الخارج، لاسيما بعدما سيطرت صورتا الحجيريين علي "أبو عجينة" والشيخ مصطفى "أبو طاقية" وخطابيهما على مجمل صورة البلدة.

كانت واقعة أسر العسكريين وتعاطي الحجيريين معها، "الرذيلة الكبرى" التي أدخلت عرسال في المجهول. فقبلها كان بإمكان أهالي البلدة أن يدافعوا عن استمرار احتضانهم "الإنساني" للاجئين السوريين، إلى أن اكتشفوا أن بين هؤلاء تسرب الارهاب إلى بلدتهم، فأسرها وأسر الدولة. تتذكر نائب رئيس بلدية عرسال ريما فليطي عشرات الاتصالات التي انهمرت على القيادة العسكرية، والتي تطالبها فوراً بالعمل على تحرير العسكريين، محذرة من تداعيات ابقائهم في أيدي التنظيمات الارهابية، إلا أن القرار السياسي لم يكن قد اتخذ بعد.

بعد خطف العسكريين، تدهور الواقع الأمني في عرسال. واكتسب الأهالي خبرة في التمييز بين المجموعات المسلحة. كان الكل بالنسبة إليهم سابقاً دواعش، لكن منذ آب 2014 صار في إمكانهم أن يميزوا بين مواقع انتشار داعش، وتلك التي تسيطر عليها النصرة، بين وادي الرعيان وشبيب، وخربة داود، وخربة يونين ووادي الخيل، وتجنبوها. فامتنعوا أو منعوا من التوجه إلى أرزاقهم في البساتين ومقالع الحجر، في وقت كان حزب الله يسيطر على منطقة الرعيان ويمنع تجاوزها إلى الجرود، والجيش اللبناني يشدد الطوق على المدخل الرئيسي للبلدة. هكذا، صار 40 ألف عرسالي مع أكثر من 100 ألف سوري أسرى الواقع الأمني المتردي في البلدة.

في المقابل، وجد الارهاب، وسط كثافة مخيمات اللجوء، أرضية ملائمة له، حمسته على فرض ارادته على بعض مرافق الحياة اليومية لابناء البلدة، الذين صاروا أقلية في عرسال. فأنشأ داعش "محكمة شرعية" له، في غرفة لبئر المياه، وأخرى في مبنى غير مكتمل، وراح يصدر الأحكام بالتصفيات.

22 شخصاً من أهالي عرسال قتلوا على أيدي هذه التنظيمات، لا لسبب، إلا لأن حكمها سقط عليهم. بعضهم بتهمة علاقات بنساء، وبعضهم لأنه يحتسي الخمر، أو بتهمة العمالة للجيش، أو قربه من حزب الله. فكان أبرز الضحايا نائب رئيس البلدية السابق أحمد فليطي، الذي قتل بصاروخ استهدف سيارته اثر تكليفه التفاوض لتحرير العسكريين. أما آخر الضحايا، فكان قبل أيام من انطلاقة معركة الجرود، وهو خالد عزالدين الذي قتل لأنه عسكري.

لم يكن سهلاً على أبناء عرسال حينها أن يكسبوا عطف جيرانهم، فالصوت الأعلى الذي كان يخرج من البلدة كان يدعشن كل أبنائها الصامتين، وقد لعبت بعض السياسة كما بعض الإعلام الدور الأبرز في تعزيز هذه الصورة. وجرى استغلال بعض التقاصيل، لوضع البلدة بكاملها في دائرة الاتهام.

تذكر فليطي أنه في الجلسة نفسها، التي سرب فيها كلام لأبو طاقية، وهو يدعو إلى قتل العسكريين، كان هناك وفد من أعيان البلدة توجه إليه يطلب وساطة مع أبو مالك التلي، تقضي بأن يسلم كل منهم نفسه مقابل كل من العسكريين الأسرى ويبقوا رهائن في يده إلى أن تتحقق مطالبهم، ولكن هذا الجزء من الكلام لم يسرب طبعاً، ربما لأنه كان مطلوباً ترسيخ الصورة النمطية لعرسال في أذهان اللبنانيين.

ليس سهلاً على أهالي عرسال أن يتذكروا تلك الأحداث التي شكلت طريق جلجلتهم حتى وصلوا إلى الخلاص. مع ذلك، تتحدث فليطي عن عرسال حالياً على أنها أكثر أمناً وأماناً من بيروت. واستمرار عزلها عن محيطها لفترة طويلة بعد تحرير الجرود، أصبح أهالي البلدة أكثر حرية الآن بالانتقال من البلدة وإليها، وانفتحوا ثانية على الجوار، الذي فتح لهم الأيدي مجدداً، مع تراجع الشحن الطائفي الذي رافق المرحلة السابقة. وعاد الأهالي إلى ممتكلاتهم في الجرود، باستثناء المناطق المزروعة بالالغام، التي ذكرت هيئات مدنية أنها قد تحتاج إلى أكثر من سنة من أجل تنظيفها. فوجدت البساتين أقل تضرراً في الجرد العالي الذي لم تطاله أيدي الارهاب، فيما بساتين الجرد المنخفض تلفت في معظمها بسبب عدم ريها وقطع عديد من أشجارها.

تراجع عدد السوريين في البلدة تدريجاً. وبعدما وصل إلى 90 ألفاً، تتحدث فليطي عن نحو 50 ألف لاجئ لا يزالون يقيمون في البلدة. إلا أن العلاقة معهم لم تعد إلى مجاريها، بل باتت عودتهم مطلباً ملحاً، لأسباب اقتصادية واجتماعية هذه المرة، وللتخفيف من حدة المضاربة التي يتعرض لها أهالي البلدة، من المؤسسات التي انشأها سوريون خلافاً للأنظمة وقواعد النزوح. عليه، تبدو العلاقة على شفير انفجار بين الطرفين، وما يؤجل ذلك هو تعبيد الطرقات أمام قوافل العودة إلى القلمون الغربي، والتي ينظر إليها العراسلة كبوابة للفرج، في غياب الدور الراعي للدولة اللبنانية، وأحياناً للبلدية في مسألة تنظيم الوجود المستمر للنازحين، باستثناء الامن العام اللبناني. وتشير فليطي إلى طلب وجهته البلدية لانشاء مركز لإعداد الطلبات في عرسال، إلى جانب اللبوة، خصوصاً أن العديد من السوريين المخالفين لشروط الاقامة يتجنبون عبور حاجز الجيش الذي يقودهم إلى اللبوة.

تجربة عرسال مع أحداث سوريا إذا كانت درساً قاسياً لابنائها، علمتهم كما يقول الأهالي أنه في لعبة الأمم على "الصغار" أن يحفظوا رؤوسهم، وعدم الانجرار وراء "العواطف الإنسانية" والخطابات السياسية المتبدلة، خصوصاً بعدما وجدت البلدة نفسها وحيدة في مواجهة ما تعرضت له من نبذ وتخوين.

عليه، شكل استحقاق الانتخابات النيابية الذي تلا تحرير الجرود الامتحان الأول لهم، إذ عملوا على ايصال النائب بكر الحجيري، الذي لم يصوت له معظم أهالي البلدة لزيادة حجم كتلة المستقبل، كما تؤكد الفليطي، إنما تضامناً مع ذاتهم، بعدما أدركوا أن أحداً لن يكون قادراً على ايصال صوت عرسال سوى العراسلة، وهم لن يقبلوا بأن يرتهن خطابهم مجدداً بأيدي أي من المجموعات المتطرفة، وسيعملون على اعادة علاقتهم الطبيعية مع الداخل اللبناني، على تنوعه، ويشدون أواصر ارتباطهم به، خصوصاً من خلال اقبال شباب البلدة الكثيف على المؤسسات العسكرية الأمنية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها