السبت 2018/12/15

آخر تحديث: 00:28 (بيروت)

حيّ الشراونة خارج الدولة وأعيان العشائر غاضبون

السبت 2018/12/15
increase حجم الخط decrease
بينما كانت وسائل الإعلام تفتح هواءها، في الأول من كانون الأول الحالي، لأحداث الجاهلية، التي رافقت محاولة تنفيذ مذكرة جلب قضائية بحق رئيس حزب التوحيد وئام وهاب، فاتها حدث أمني بأبعاد أكثر خطورة في محلة الشراونة في بعلبك، عندما أقدم شبان من حي الجعافرة على حرق حاجز للجيش، كان قد أخلاه استباقياً تحسباً لردات الفعل الإنتقامية على عملية عسكرية، نفذها في اليوم السابق، وأدت لمقتل ثلاثة من آل جعفر، وآخر من آل زعيتر.

الغدر والثأر
عمد المعتدون على الحاجز إلى تصوير عملية حرق الحاجز ونشرها إلكترونيا، في مشهد قصد تقويض صورة الدولة ووجودها في هذه المحلة. لتتوالى من بعدها ردود الفعل، التي وضعت الجيش في موقع "مكشوف"، خصوصاً أن بيان مديرية التوجيه، لم يقدم المبررات الكافية لتنفيذ ما اعتبر "حكم إعدام" أنزل بالشبان الأربعة، مكتفيا فقط بالسيرة الجرمية لجوزف جعفر المعروف بعلي حمدان.  

وعليه ألصقت تهمة "الغدر" بالجيش، لتستخدم كمبرر يجيز تنفيذ شريعة "الثأر" العشائرية بحقه. وأصبح الجيش في هذه المنطقة عرضة لرسائل تهديد علنية، ذكر أن بعضها وجه مباشرة إلى هواتف الضباط، فيما برزت أخرى على شكل "تحد"، من خلال لافتات رفعت في حي الجعافرة بالشراونة، أحدها حمل عبارة "شهداء الغدر"، إلى جانب صور الشبان الأربعة.

إلا أن تطور التهديد الإفتراضي إلى كمين فعلي، نفذ ليل الخميس بحق الجيش اللبناني، حين تعرضت دورية عسكرية لإطلاق نار كثيف، وفقا لبيان مديرية التوجية، تزامناً مع الإعتداء على مركز تابع للجيش، في حي الشراونة، وآخر في المطربة، بمنطقة القصر الحدودية. وكانت المحصلة شهيداً وثلاثة جرحى للجيش، وضعته في حالة إستنفار دفاعية، تطلبت تعزيزات عسكرية دفع بها إلى المحلة، ومزيدا من الإحتياطات في مراكزه، وصولاً إلى إخلاء أحد أكبر حواجزه الثابتة في الحي، ما شكل مجدداً دليلاً إضافياً على "إنقباض" الدولة، وتراجعها أمام نفوذ "العصابات" المستولية على صورته، حتى لو جاء إخلاء المركز بذريعة حماية عناصره من الإعتداءات.

الخطأ القاتل
في التحليل الذي لجأ اليه عارفو "المنتقمين"، فإن هؤلاء أرادوا أن يبادلوا كل "ضحية" لديهم بآخر من الجيش اللبناني، ومن هنا برزوا في دور المبادر بتحديد الخسائر، من خلال اكتفائهم بفتحة نار واحدة على الدورية، التي ذكر أنها طوقت بالمسلحين من أكثر من جهة، ليلجأوا من بعدها إلى استراتيجية "كثافة نيران" أمنت غطاءً هرب من تحته المعتدون، بعد أن روعوا كل أهالي الحي، وحبسوهم في منازلهم.

ولكن ما لم يكن في حساب هؤلاء ربما، أن يكون شهيد "عدوهم" الجيش اللبناني، رؤوف يزبك، هو ابن عقيدتهم وجارهم في بلدة نحلة، التي ترفع على مدخلها شعار "الجيش والشعب والمقاومة". حينها بدا مشهد أحد لافتات "نعي" الشبان الأربعة الذي قتلوا بنيران الجيش، والذي حمل توقيع شخص من آل يزبك، "سرياليا" للغاية.

سارعت عشيرة جعفر لتتدارك الخطأ الذي أوقعها فيه "إستكبارها" على الدولة وأجهزتها بحق جارتها نحلة، فأصدرت بيانا تتنصل فيه من إرتكابات المعتدين وتلصق التهمة ب "طابور خامس"، بعدما كانت قد أمنت لهم الغطاء اللازم، عندما حمّلت الجيش في بيانها، الصادر إثر مقتل الشبان الأربعة "مسؤولية ما حصل بحق أبنائنا الذين قتلوا في منطقة سهلية في بيت منفرد وهم نيام".

إلا أن اتهام "الطابور الخامس" لم يجد من "يقبضه" في بلدة الشهيد يزبك، لأن ذلك يعني أن عشيرة جعفر غير قابضة على أمن مجتمعها في وسط حيها، وهذه ليست صفة من صفاتها، بل يقول أحدهم، "أن ليس الطابور الخامس، إنما أسطول بحري بحيله لا يمكنه أن يخترق حي الجعافرة في الشراونة من دون موافقتهم أو معرفتهم. لأنه حي معروف بإنتشار السلاح فيه، وبأن الممسكين به أقوى من دولة"

هيبة الجيش والأعيان
صورة الدولة، التي إزدادت ضعفا في الشراونة مع الإعتداءات الأخيرة على جيشها، انعكست في المقابل تقلصاً للثقة بالمؤسسة العسكرية، التي يقدم لها أهالي نحلة الكثير من أبنائهم، خصوصاً بعد ما كشفته العملية الثأرية من ضعف إستخباراتي، لم ينبه للتخطيطات التي سبقت العملية، والحراك الذي رافقها، مع أنه كان على دراية مسبقة بإحتمال تعرضه لردات فعل إنتقامية.

وعليه لم يعد الكلام عن مسؤولية المؤسسة العسكرية عن دماء أبنائها العسكريين في "نحلة" كافياً ليطمئن ذوي الشهيد أن ابنهم سينال حقه بالإقتصاص من المعتدين. ففي ذاكرة هؤلاء، لا تزال راسخة شهادة الجندي سعدالله يزبك الذي قتل أيضاً على يد "مجرمين" من آل جعفر، إلا ان قيادة الجيش لم تبلغهم عن أي قصاص ناله المرتكبون منذ سنة 2008 حتى اليوم.

وعليه كانت ردة الفعل الأولى محذرة أولا للمؤسسة العسكرية، تحت طائلة اللجوء إلى أخذ الحق باليد "لأننا اولياء الدم، ولا نقبل بموت رخيص لزهرة من شبابنا"، وكان رفض في البلدة لإستلام جثمان الشهيد، إلى أن "إستسلم" أعيان البلدة مجدداً لخيار منح الدولة فرصة أخرى، حتى تظهر جدارتها في بسط سلطتها على الشراونة ، بدلا من أن تبقى في موقع من يلجأ إلى رد الفعل.

علماً أن الدولة ليست وحدها من "تقلصت" هيبتها بسبب إرتكابات المعتدين المستمرة، وانما "العشائر" وأعيانها، الذين وصفوا بلسان أبناء "ملّتهم" في الشراونة كما في نحلة، بحماة تجار المخدرات، والمجرمين والسارقين. لأنه حسب أحدهم، عندما لا يعود هناك رأس واحد في العشيرة قادر على فرض قراره على كل أبنائها، ولا يعود قرار العشيرة محترماً، بل يصبح "الغدر" سمة من سماتها، لا تعود العشيرة عشيرة. وصولا إلى إتهام "الجهات السياسية"، التي يحتمون بغطائها بأنها شريكة مستفيدة من حالة الفلتان، التي لا تجد لها دواء في هذه البقعة من لبنان تحديدا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها