الخميس 2017/10/05

آخر تحديث: 09:23 (بيروت)

طرابلس: التنمية والمشاريع حقيقة أو خدعة؟

الخميس 2017/10/05
طرابلس: التنمية والمشاريع حقيقة أو خدعة؟
سيلحق لبنان وطرابلس بعض الفتات من إعادة اعمار سوريا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

ثمة كلام عن طرابلس والشمال هذه الأيام، عن دورها الاقتصادي والتنمية فيها، يدور بعضه في بيروت وكثير منه في طرابلس نفسها. لجهة التوقيت أعتقد أن عوامل عدة أسهمت في ذلك، أهمها:

1-
توسع القناعة لدى أوساط سياسية- اقتصادية بأن الركود الذي يعيشه الاقتصاد اللبناني وتشبع امكانيات الاستثمار وتحقيق الربح السهل في المركز أمور باتت أكثر تقييداً. ما يجعل التوجه إلى الشمال حيث وفرة القوى العاملة والخدمات والمساحات العقارية الرخيصة تشكل عنصر جذب غير قليل الأهمية.

2-
يتعزز هذا العامل الاقتصادي بالمناخ السياسي الناجم عن التسوية بين أقطاب التحالف الجديد الحاكم، المقترن زعم تفعيل المؤسسات والانتقال من "النجاحات الأمنية والسياسية المزعومة" للالتفات إلى النمو الاقتصادي والتنمية. ومع اكتمال تقاسم الغنائم التي كانت موضوعة على الطاولة من النفايات إلى الكهرباء إلى النفط والغاز وغيرها، لا بأس من توسيع الكعكة وشمول مناطق جديدة بهذا التقاسم الغنائمي والاستفادة من مصادر تمويل خارجية عندما يكون ذلك متاحاً.

3-
مناخ الانتخابات النيابية، التي قد تجري وقد لا تجري، إلا أنها مناسبة للتنافس والتسابق بين التيارات السياسية الطرابلسية بالدرجة الأولى. وبالمقدار نفسه، هي مناسبة للتوافق على تقاسم غنائم محلية وتحقيق أرباح لم يتح لهم تحقيقها في السابق، ويمكن تحقيقها الآن تحت ستار التنافس أو التوافق الانتخابي.

4-
التوقعات غير الواقعية عن دور كبير جداً لطرابلس (ولبنان) في إعادة اعمار سوريا، يعززها بعض النشاط الديبلوماسي الخارجي، الذي لن يتخطى دوره على الأرجح الجانب الإعلامي وبعض المصالح المالية الضيقة.

عن دورنا في إعادة اعمار سوريا
أبدأ في التعليق على التوقع الأخير، والسلوك الرسمي والطرابلسي هنا فيه كثير من السذاجة:

أولاً
، افتراض أن الحل في سوريا على الأبواب وأن الاعمار سيبدأ في وقت قريب؛

ثانياً، افتراض أنه سيكون هناك حصة كبيرة للبنان وطرابلس في عملية إعادة الاعمار رغم أن لبنان سينافس دولاً كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وإيران وغيرها. ومع العلم أن لبنان واللبنانيين لن يكونوا محل ترحيب- على الأرجح- لا من مؤيدي النظام الحالي ولا من معارضيه، إذ إن العلاقات مع الشعب السوري الذي لجأ إلى لبنان لم تكن سليمة من الجانبين اللذين يتنافسان في تحميل اللاجئين السوريين كل أزمات لبنان واللبنانيين؛

ثالثاً، سيلحق لبنان وطرابلس بعض الفتات طبعاً. لكن، المستفيدين سيكونون بعض الشركات والمتمولين لا أكثر، إذ لا أحد يتوقع أن يذهب لبنانيون إلى سوريا كعمال في قطاع البناء أو الزارعة. والأمر لن يختلف في مجال الحرف والعمالة الماهرة، ولا في المهن المالية والخدماتية والهندسية. فمن الذي سيستفيد وما هو حجم الفائدة، عدا بعض المشاريع لأصحاب رساميل وشركات، أو بعض الترانزيت، وعلى الأرجح التهريب والكسارات وقضم الجبال في حال توصلت المافيات المشتركة إلى ابتكار وسائل لجعل طبيعة لبنان مصدر ربح كبير ومادة خام في إعادة الاعمار المادي في سوريا.

طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية
في هذا السياق، نشط قطاع الأعمال في طرابلس، لاسيما غرفة التجارة والصناعة النشيطة أصلاً، رافعة شعار تحويل طرابلس إلى عاصمة اقتصادية للبنان. ولا يخفى على أحد أن في ذلك مبالغة غير واقعية من شأنها أن تلحق ضرراً في مسار النهوض في طرابلس. وقد سبق للزميل ميشال سماحة أن علق في صفحته على هذا "الشعار" مقترحاً التركيز على جعل طرابلس العاصمة الصناعية للبنان على سبيل المثال، وهو أكثر واقعية بكثير.

وقد سبق للزميل سماحة ولي شخصياً أن أعددنا في اطار مشروع مشترك بين وزارة الشؤون الاجتماعية والاسكوا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تصوراً عاماً لخطة تنمية مدينية شاملة لطرابلس لفتنا النظر فيها إلى أن النهوض الاقتصادي بطرابلس من شأنه أن يشكل فرصة للاقتصاد اللبناني. وهذه فكرة واقعية تتطلب حشد جهود وطنية وشمالية من أجل تحقيقيها، لا تحويلها إلى شعار غير واقعي. هذا التصور لخطة تنمية طرابلس (التي سبق عرضها مراراً في طرابلس نفسها وتناولتها وسائل الإعلام منذ مطلع العام 2015) يشدد على أن تنمية طرابلس (والشمال استطراداً) يتطلب خطة على درجة من التكامل، لا مشاريع منفردة، ولا حتى حزمة مشاريع مجمعة بطريقة عشوائية. لكن ذلك بدا معقداً جداً- على ما يبدو- للجهات المعنية بالتنفيذ في حينه، ولا يزال، حيث أن ما نسمعه الآن لا يزيد مرة أخرى عن كونه مشاريع عقارية منفردة لا بعد تنموياً لها.

عودة الحديث عن المخطط التوجيهي لطرابلس والميناء
هذا المناخ العام الذي بدأ مع العمل في تأهيل المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، حفز أطرافاً محلية والبلديات والفاعلين المدنيين لفتح النقاش مجدداً في متطلبات التنمية في المدينة والمحافظة. هكذا، بدأت بلديتا الميناء وطرابلس البحث مجدداً في أمور تتصل بالمخطط التوجيهي للمدينة، أو الأصح ببعض المشاريع التي لها طابع عمراني وتؤثر في المخطط التوجيهي أو تتأثر به مباشرة.

بعض المشاريع كان قائماً منذ مدة وتم تسريع تنفيذه في هذا المناخ، مثل مشروع الصرف الصحي على شاطئ الميناء الذي بدأ العمل به أخيراً، وكذلك عودة الكلام على مشروع الواجهة البحرية في الميناء مع دخول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الخط وتنفيذ دراسة للواجهة البحرية هي في نهاية المطاف إعادة تدوير لدراسات سابقة، لاسيما دراسة PACEM وغيرها مما تعرفه المجالس البلدية والناشطون في هذا المجال.

في المقابل، عاد الكلام في طرابلس عن مشاريع بعض رجال الأعمال على الوجهة البحرية المشتركة بين طرابلس والميناء، في القسم العقاري التابع لطرابلس. ويتضمن ذلك على ما يبدو استعادة مشاريع بناء أبنية سكنية مرتفعة (وربما ردم البحر وبناء منتجعات سياحية) كانت قد عرضت سابقاً ورفضت لمخالفتها المخطط التوجيهي والقوانين سارية المفعول. ومع انطلاق البحث في الواجهة البحرية في الميناء ليس هناك ما يحول دون تمدد النقاش والمحاولات إلى طرح إعادة البحث في المخطط التوجيهي نفسه، خصوصاً المطالبة برفع عامل الاستثمار في المناطق المحاذية للواجهة البحرية للميناء وطرابلس، بحيث يتاح بناء أبنية مرتفعة، في محاولة للاستيلاء مجدداً على الأملاك العامة وردم البحر.

مشكلة الصدقية والشفافية
بعض هذا الكلام مؤكد وموثق، وبعضه الآخر غير مؤكد بعد أو لا توجد وثائق قاطعة توضح طبيعته. مع ذلك، يدور سجال لا يخلو من الحدة أحياناً بين المواطنين وبعض الناشطين في تأييد ورفض هذا أو ذاك من المشاريع والأفكار. وثمة نغمة قديمة/ جديدة يعرفها الناشطون في طرابلس، تقول كلما أرادت جهة ما القيام بمشروع تنموي في طرابلس يعترضون عليه لافشاله. وهذا المشروع أو ذاك سيولد 7500 فرصة عمل (هذا هو الرقم المتداول لأحد المشاريع حالياً)...الخ، ويجري إغراق الجميع في نقاش هندسي وعقاري لا يؤدي إلى أي مكان.

هذه مشكلة واقعية لأن صدقية "الدولة" والبلدية وكثير من الجهات الأخرى- لاسيما الرسمية منها- ضعيفة جداً بحكم التجارب المريرة السابقة، وكذلك بحكم ما طبع عمل البلديات من ارتجال وخلافات أدت إلى تعطيل عمل المجالس البلدية لفترات طويلة. أضف إلى ذلك غياب الشفافية وعدم نشر المعلومات الرسمية الكافية بشكل واضح وغير ملتبس. ما يعزز الشك ويجعله مشروعاً. وزاد من ذلك عملية إزالة الخيم والأكشاك من الكورنيش البحري وسط عراضة كبيرة جداً، وتوافق غير مسبوق بعد خلافات، تدفع إلى الريبة.

ففي وضع من هذا النوع، فإن قلق الناشطين المدنيين مشروع تماماً، وكذلك قلق المواطنين. وعلى الجهات الرسمية الوطنية والبلديات أن تبدد هذه المخاوف من خلال نشر المعلومات وبشكل مستمر ومتسق، واتاحة المجال أمام مشاركة فعلية للمواطنين في مناقشة قضاياهم. وهذه أيضاً مسؤولية الجهات الدولية التي تقدم الدعم التزاماً منها بقواعد عملها. فالخشية أن يتحول هذا الكلام عن التنمية في طرابلس إلى مجرد خدعة، ويتبين أن الموضوع لا يعدو كونه إيجاد مناخ مساعد لبعض الصفقات العقارية هنا وهناك، وينتهى الأمر. وقد حدث أن خُدع مواطنو طرابلس والشمال مراراً. وإلا كيف نفسر الأوضاع المتدهورة في طرابلس والشمال منذ سنوات طويلة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها