الإثنين 2020/06/01

آخر تحديث: 17:35 (بيروت)

فخ الانتخابات النيابية المبكرة

الإثنين 2020/06/01
فخ الانتخابات النيابية المبكرة
لا يمكن القبول بانتخابات تتم في ظل حكومة منحازة وقمعية وبوليسية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

مطلب الانتخابات النيابية المبكرة الذي يطل برأسه مجدداً، بما في ذلك على لسان بعض المشاركين في ثورة 17 تشرين، هو بمثابة الفخ للثورة. يشبه هذا المطلب بمفاعيله مطلب "حكومة التكنوقراط"، الذي ساهم في اجتزاء خريطة الطريق التي طرحتها ثورة 17 تشرين منذ أيامها الأولى، وخلق إرباكاً في صفوف الثوار والمجموعات، والتباساً بين مطلب الثورة ومطلب بعض القوى السياسية من مكونات المنظومة الحاكمة التي انتقلت إلى المعارضة. وقد استغلت السلطة هذا الأمر لتشكيل حكومة دياب، التي هي حكومة ظلال وواجهة للتحالف السياسي الحاكم راهناً، بعد إسقاط التسوية الرئاسية في الشارع. كما سهل على السلطة وأجهزتها الدعائية أن تقدم الحكومة كما لو أنها حكومة المستقلين التي طالبت بها الثورة، في حين هي حكومة الانقضاض عليها.

ثلاث خطوات متكاملة
جرى ذلك بالتدرج، وساهم الأداء الإعلامي المسيس والمنحاز والسطحي في ذلك.

أولاً، جرى اجتزاء مطلب الثورة في التغيير الشامل وإعادة تشكيل مؤسسات السلطة الدستورية على أسس جديدة، من خلال التركيز حصراً على إسقاط الحكومة (السابقة)، في حين أن ذلك كان المدخل إلى التغييرات الأخرى.

ثانياً، دعت الثورة إلى تشكيل حكومة مستقلة، أي من خارج الأحزاب المكونة للسلطة، يكون الوزراء فيه أصحاب كفاءة سياسية ونزاهة واختصاص في مجال عمل الوزارات التي يتولونها، نظراً لحساسية المرحلة التي يمر بها لبنان.

ثالثا، طالبت الثورة بأن تكون لهذه الحكومة صلاحيات استثنائية تشريعية، تتيح لها تنفيذ برنامجها الذي يجب يكون محدداً ومعداً بعناية. وعلى رأس مهام هذه الحكومة كان تشكيل لجنة خبراء مستقلين من أجل إعداد قانون انتخاب ديموقراطي جديد يصدر بمرسوم تشريعي، ثم تشكيل لجنة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، تكون كاملة الصلاحية، تصدر أيضاً بمرسوم أو قرار من الحكومة، يليها بعد ذلك – مع التشديد على بعد ذلك – إجراء انتخابات نيابية جديدة، ثم انتخاب رئيس جمهورية جديد.

الخلط والتجاهل
كان هذا المطلب قد ترافق مع مطالبة بعض القوى السياسية (أبرزها القوات اللبنانية التي كانت قد خرجت من الحكومة)، بحكومة تكنوقراط. وحصل خلط بين ما تدعو إليه الثورة وبين شعار "حكومة التكنوقراط"، ساهم فيه الإعلام والسجال السياسي بين أطراف السلطة، ما أدى إلى تجاهل مطلب الاستقلالية ومطلب الصلاحيات التشريعية، كما تم تحريف مضمون مطلب الثورة الذي لم يقل يوماً أنه لا يريد وزراء سياسيين، بل حدد انه لا يريد وزراء سياسيين من أحزاب السلطة. فكان أن استخدم ذلك من قبل أطراف السلطة القوية للإتيان بحكومة التكنوقراط التابعين للزعماء، والذين لا يتناسبون إطلاقا مع مواصفات من يفترض به أن يُخرج لبنان من أزمة هي الأقسى في تاريخه.

عنوان المرحلة الثانية
ثورة 17 تشرين شديدة التنوع اجتماعياً وطبقياً ومهنياً ومناطقياً وسياسياً.. إلخ. وهذا سر قوتها ونجاحها في إسقاط التسوية الرئاسية، وحكومتها (تحالف المستقبل، حزب الله، التيار الوطني الحرب، حركة امل، الحزب الاشتراكي، حزب القوات اللبنانية...). كما أن ثورة 17 تشرين في طرحها الراديكالي بالتغيير الشامل في منظومة الحكم ومؤسساته، لم تكن خارج المسار الدستوري والصيغة الجمهورية للبنان، ولا حتى خارج المعنى الأصلي لاتفاق الطائف. لا بل إن قوى كثيرة فيها كانت ترى إمكانية ان يكون الطائف – الدستور نفسه هو آلية المرحلة الانتقالية. كما أن غالبية هذه القوى ترى أيضاً أن الثورة لها أهداف سياسية واضحة (التغيير السياسي وفي المؤسسات)، وأن الانتخابات هي آلية للتغيير وهي أيضاً من وسائل العمل السياسي الشعبي، التي سوف تستخدمها قوى الثورة عندما يحين الوقت.

إلّا أن ما نسمعه اليوم من دعوات يفهم منها أن المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة يجب أن يكون المطلب شبه الحصري والجامع لقوى الثورة، والعنوان الأبرز للجولة الثانية منها. هو فخ سوف يكون له مفاعيل مشابهة لما حصل مع مطلب حكومة التكنوقراط. إن قوى الثورة لا يمكن، ولا يجب أن تحشر نفسها في هذا المطلب، ولا أن تختزل طرحها وخريطة الطريق إلى مطلب جزئي قد تكون بعض القوى السلطة تريده (لا ننسى أن مثل هذه الدعوات تصدر عن أطراف في السلطة – المعارضة، بما في ذلك ما صدر بعد لقاء بين الرئيس بري والسيد وليد جنبلاط منذ أشهر، أو ما يرغب به بعض المعارضون والوجوه المستجدة من ضمن المنظومة بافتراض إمكانية وراثة قسم من جمهور الأحزاب التي خرجوا عليها).

حكومة منحازة وقمعية وبوليسية
لا يجب تكرار خطأ التسليم بإجراء الانتخابات في أي ظروف وفي ظل أي قانون انتخابات مهما كان، تحت وهم إمكانية إحداث اختراق فعال في المجلس النيابي. لا يمكن القبول بانتخابات تتم في ظل حكومة منحازة وقمعية وبوليسية، وفي ظل قانون غير ديموقراطي. وعلينا أن نتعلم من تجربة الانتخابات الماضية، وألا نعطي بمشاركتنا غطاء ومشروعية لتجديد النظام، وتمديد فترة احتضاره.

جهدنا يجب أن يصب في توفير متطلبات نجاح الموجة الثانية من انتفاضة 17 تشرين التي بدأت طلائعها، وأن نحرص على فرض ميزان قوى جديد في الشارع، يمكننا من إسقاط هذه الحكومة الرديئة، وفرض تشكيل حكومة مستقلة انتقالية بصلاحيات تشريعية، متحررة من سلطة قوى الأمر الواقع، تكون مسؤولة عن مسار الخروج من الأزمة وتنظيم الانتخابات، وفق ما سبقت الإشارة إليه.

شعار الانتخابات المبكرة فخ خطير، يمكن أن يساهم في تفتيت الجهود، وحرف ضغط الشارع عن مطلب إسقاط المنظومة الحاكمة واستبدالها بأخرى متجاوبة مع مطالب الثورة وروحها.

وهذه مهمة واقعية أمام الجولة الثانية من ثورة تشرين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها