الأحد 2024/01/07

آخر تحديث: 07:26 (بيروت)

الغزاويون بين البحر والمعبر

الأحد 2024/01/07
الغزاويون بين البحر والمعبر
increase حجم الخط decrease

ليس من بين خيارات المستقبل في الشرق الأوسط، خيار العودة إلى اوضاع ما قبل السابع من أكتوبر 2013، فتلك مرحلة صارت من الماضي، ونحن اليوم في سياق تشكيل واقع جديد، ما زالت ملامحه تعتمد على نتائج الميدان، في غزة، وما بعد غزة.

واذا كانت وقائع المعارك قد أعادت بناء مخيال القوة والقدرة في المنطقة، فإن ما يوازيه أهمية هو قضية سكان غزة المهجرين من ديارهم إلى جنوب القطاع بسبب العمليات العسكرية وتدمير مناطقهم، فواقع هؤلاء، بل ومستقبل جميع سكان القطاع، هو في واقع الامر حجر زاوية مهم في تقرير شكل التسويات المقبلة، وكذلك طبيعة ما سينتج عن هذه الحرب.

قضية غزة وتهجير أهلها، وعودة الاستيطان إليها بدأت تصبح منذ الان جزءا من حملات الاستقطاب السياسي والانتخابي في اسرائيل، ولا يمكن اعتبار تصريحات وزير الأمن الاسرائيلي ايتمار بن غفير أو وزير المال بتسلئيل  سموتريتش مجرد رأي شخصي خارج السياق، أو حتى نمطا من المزايدات الانتخابية، ذلك أن تصريحات الوزيرين اليمينيين تزامنت مع ما نشرته قناة 12 الاسرائيلية حول زيارة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إسرائيل وتكليفه هناك بالإشراف على الوساطة مع دول غربية لفتح أراضيهم أمام الهجرة (الطوعية) لسكان غزة الذين يبلغون نحو مليونين و400 ألف نسمة.

ورغم أن بلير نفى ما جاء في تقرير القناة الإسرائيلية، إلا أن طرح الموضوع بهذا الشكل المتكرر والمتزامن، هي بالونات اختبار واضحة المعالم تستهدف قياس ردات الفعل المحتملة من قبل مختلف الأطراف، قبل الشروع العملي بمشروع التهجير الذي سيقدم على أنه (لجوء انساني طوعي) سمحت به بعض الدول لغرض انقاذ سكان غزة من أوضاعهم الانسانية الصعبة، وليس عرض ممر وحيد للخروج الآمن يقود إلى خارج غزة، سيرتبط باستمرار التدمير، والحياة القاسية والظروف غير الانسانية التي تجبر النازحين على القبول بحل اللجوء (المؤقت) الذي يتحول لاحقا إلى دائم.

مثل هذا السيناريو، يبدو ممكنا كنتيجة تحسم أمر غزة بكاملها، وليس فقط ما تعتبره إسرائيل تهديدا من حركة حماس، وهذا الهدف، لا يتعلق فقط بهذه الحرب، أو بما حصل يوم السابع من أكتوبر، بل يعود إلى ما أبعد من ذلك، حيث ظلت غزة تمثل مشكلة أمنية وديمغرافية ضخمة، دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين إلى القول في عام 1992 إنه "يتمنى أن يصحو ذات يوم ليجد غزة وقد ابتلعها البحر".

هذا التحدي الذي تمثله غزة هو الذي أجبر ارئيل شارون على سحب قواته منها عام 2005 وتصفية المستوطنات هناك، وهو الذي جعل القطاع يخضع لحصار طويل وقاس منذ ذلك الحين في سبيل السيطرة عليه، حتى جاءت حكومة نتنياهو اليمينية الحالية لتطرح خيارها الراديكالي المتمثل بالتهجير، وربما بمساعدة من بعض الدول في المنطقة وخارجها.

ولكن هل يبدو هذا الخيار ممكنا، أو واقعيا، لا سيما مع رفض معلن من جانب الولايات المتحدة؟ هنا لا بد من مراجعة المراحل التي مرت بها الحرب، والأهداف العامة التي طرحت خلالها، وتطورت حتى وصلت إلى مرحلة طرح خيار التهجير كحل (نهائي) للأمن من وجهة نظر وزراء اليمين الإسرائيلي، لكن الأهم من ذلك، هو نمط الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر، الذي أدى لتدمير جوهري وشامل لشتى مناطق القطاع، حتى اقترب عدد النازحين من مساكنهم من مليوني شخص، أي الغالبية العظمى من سكان القطاع.

وجود هذا العدد الهائل من السكان بلا مأوى، في بقعة محدودة من الأرض، ومن غير امدادات إغاثية كافية، وسط المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة، حسب التصريحات الأممية، كل ذلك، يمكن أن يجعل حياة النازحين غير ممكنة عمليا على وفق الحدود الدنيا للعيش الآدمي خلال فترة قصيرة، وحينها سيقدم فتح طريق الهجرة إلى دول أخرى، على أنه حل (إنساني مؤقت) الى حين انتهاء القتال واعادة الإعمار، وهو ما سيكون بمثابة واقع يحقق هدف التهجير لأكبر عدد ممكن من السكان، وربما تغلق بعدها طرق العودة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها