الإثنين 2024/03/11

آخر تحديث: 20:21 (بيروت)

نحن وسط مشاريع الآخرين

الإثنين 2024/03/11
نحن وسط مشاريع الآخرين
increase حجم الخط decrease

يجادلني صديق فلسطيني بان أولوية القضية الفلسطينية توجب ترك ما عداها في هذه المرحلة، بما في ذلك مظالم شعوب عربية من إيران وأذرعها، مادامت قد أعلنت وقوفها بجانب المقاومة ضد إسرائيل.

ويقدم الصديق حججاً مهمة جديرة بالانتباه لمطلبه، وهو بالطبع مطلب يمثل رؤية مساحة عريضة من الرأي العام العربي، يشمل فلسطينيين وعربا طالما وقفوا بوجه إيران، لكنهم منذ بدء الحرب على غزة، كرسوا تركيزهم على دعم المقاومة، ومن يساندها بمن في ذلك، خصومهم من الأذرع الإيرانية ما داموا يقفون مع المقاومة في غزة، وربما يمارسون أعمالا عسكرية دعما لها. 

هذا الموقف، ليس عارضاً، ولا هو بالهين، وكذلك الموقف المقابل، ويتبناه على الأغلب سوريون وعراقيون ويمنيون ولبنانيون، يرون أن ما فعلته إيران وأذرعها ببلدانهم وما تسببت به ضحايا ودمار وتهجير وتغيير ديموغرافي لا يقل سوءا عما فعلته إسرائيل وما زالت بحق الشعب الفلسطيني، بل يزيد عن ذلك، وهي لهذا الاعتبار (عدو) لا يمكن التجاوز عنه تحت أي اعتبار بما في ذلك قضية فلسطين، لا سيما وأنهم يرون أن ما فعله هذا المحور (محور المقاومة) في نصرة القسام في غزة، لم يتجاوز الاستعراضات، والمزايدات التي تهدف لتحقيق مكاسب دعائية، تعزز الاختراق الإيراني للوعي العربي، وتجعل من قضية فلسطين، سببا ل (غسيل السمعة) بالطريقة التي دأبت عليها حكومات ومنظمات سياسية عربية طوال عقود.

وجود التيارين، يكرس واقعا من الاستقطاب والانقسام حول قضية فلسطين لم نشهده منذ النكبة عام 1948، وفيما ظلت فلسطين لعقود قضية العرب المركزية، وأبرز ما يتحدون حوله، ويتفقون عليه، ويختبرون وفق معياره، شجاعة الرجال، ونزاهة الحكام، فأنها اليوم تستحيل إلى ساحة انقسام لا يتضمن تخلياً عن فلسطين بالضرورة، لكنه لا يبقيها قضية مركزية أولى، ويتعامل معها كقضية شعب شقيق يتعرض للذبح تحت الاحتلال، إلا أنه جزء فقط من مظالم عربية خطيرة، أنتجت خلال العقدين الماضيين على الأقل، انهيار دول عربية مركزية، وخضوعها لاحتلالات أمريكية وإيرانية مباشرة وغير مباشرة، تسببت بسقوط ضحايا وخراب قد يتجاوز (عدديا) ما حصل في فلسطين خلال 80 عاما.

المشكلة في الجدل الصعب بين التيارين، أن كل طرف تفوته في حمأة الغضب والحماسة والحقد على عدوه، قواعد أساسية في آليات الصراع سواء مع إسرائيل أو مع إيران، وأبرزها، أن الأمن العربي مشترك، وأن انهيار بغداد ودمشق وتراجع دور القاهرة قد منح قوى جديدة فرصا لتمكين إسرائيل، تماما كما منح ايران فرصا للتوغل في الفراغ بتواطؤ أمريكا أو عدم اكتراثها، مما جعل كلا المشروعين (الإسرائيلي والإيراني) هما الوحيدان اللذان يتحركان في منطقتنا، وكل منهما يستخدم عربا لخدمته وتمكين مشروعه مقابل المشروع الآخر،. وهكذا تشاكس العرب من عناصر المشروعين، فيما كانت قنابل الطرفين تسقط على الأبرياء من شعوبنا في غزة والعراق وسوريا واليمن، وتزيد من انحياز كل ضحية لقضيتها، وضد عدوها المباشر (القريب) الذي القى عليها القنابل، لا الآخر الذي قد تتعاطف مع ضحاياه، لا أكثر.

هذه إشكالية خطيرة، لا يمكن حلها بالجدل العقيم، وهي من تجليات الواقع الشرق اوسطي الجديد، ولسوء الحظ فمن الواضح أن كل من طرفيها يلتزم بسرديته وحججه، لا سيما أن القتل على (الطرفين) ما زال مستمرا، ولا يمكن بالطبع انتظار نمط من نكران الذات يتجاوز ما فعله قاتل بغيض بحق شعوبنا، إن كان ما زال يمارس جرائمه، ولا ينوي التوقف، بل إن كلا من إسرائيل وإيران يتحججان ببعضهما البعض لإدامة احتلال بلداننا، وتعزيز جرائم القتل. 

ولكن، كيف يمكن أن تنتهي هذه المعضلة، أو تتطور؟ من الصعب الجزم بأية نتيجة، وما دام هوان العرب باقيا، من غير مشروع ولا رؤية، ولا استطاعة دون استعانة بالآخر، فوجودنا ضمن مشاريع الآخرين سيستمر، وسنظل كذلك هدفا لقنابلهم، مكتفين بالشكوى من بعضنا البعض.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها