الثلاثاء 2023/02/28

آخر تحديث: 06:06 (بيروت)

سنة أوكرانية هزّت العالم

الثلاثاء 2023/02/28
سنة أوكرانية هزّت العالم
increase حجم الخط decrease

من كان ليصدق منذ عام، حين أشعل بوتين حربه على أوكرانيا أن الحرب ستتواصل ويتوقف العالم منبهراً عند سنويتها الأولى. ومن يصدق الآن أن مدينة كييف التي استعصت على حرب بوتين الخاطفة، يحاول الآن، وبعد كل الدم المسفوح والدمار في سنة، أن يجتاحها مجددا، كما حذر مدير المخابرات الأميركية منذ أيام. يعجز بوتين عن تقبل حقيقة أن أوكرانيا التي طوعها البلاشفة في السنوات الأولى لإنقلابهم وأخضعوها طيلة بقاء إمبراطوريتهم السوفياتية، قد إنعتقت الآن ولم تعد سوفياتية كما روسيا، بل راحت إلى الغرب كما كانت تطمح دوماً. 

صمود أوكرانيا بوجه غزو بوتين خلال السنة الماضية، جعل العالم يضع تطورات الحرب اليومية في مصاف أولوياته الرئيسية. بل وغيرت صورة هذا العالم وهزّته أكثر من العشرة أيام التي إفترض جون ريد أنها هزت العالم إثر انقلاب البلاشفة على الثورة الروسية في العام 1917.

لم تترك حرب بوتين دولة أو مؤسسة أو فرداً في العالم خارج تأثيرها. موقع الإذاعة السويسرية الناطقة بلغات عدة swissinfo نشر في 23 الجاري نصاً بعنوان "جنيف الدولية: سنة حرب روسيا ضد أوكرانيا". قال الموقع قد تكون الحرب أصبحت العامل الأكثر أهمية الذي يؤثر على السياسة العالمية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص، عمل وكالات الأمم المتحدة وإداراتها الموجودة في جنيف. كانت هذه الوكالات منهمكة خلال السنة الماضية في معالجة مشاكل الصحة العالمية ومشاكل اللاجئين وسواها، وقد إرتبطت جميع هذه المشاكل في مرحلة ما بعامل الحرب.

عجز بوتين عن فهم طموح أوكرانيا إلى إستعادة إستقلالها والإنعتاق من سوفياتيتها،  والذي يقف وراء صمود شعبها ومقاومته زحف جيوشه، هو المسؤول عن إستمرار الحرب لزمن يتكهن الخبراء والسياسيون في طوله. وزير الدفاع البريطاني يقول بأن الحرب قد تستمر سنة أخرى، وأن روسيا أظهرت تجاهلاً تاماً ليس فقط لحياة الشعب الأوكراني، بل ولحياة جنودها أيضاً الذين فقدت منهم أكثر من 188 ألفاً بين قتيل وجريح بسبب "سوء التقدير الكارثي" لبوتين، حسب ما نقل موقع fakty الأوكراني في 23 الجاري.

في سنوية حرب بوتين على أوكرانيا توجهت "المدن" إلى القائم بالأعمال الأوكراني في لبنان فاليري غريغاراش (منصب السفير شاغر) بعدد من الأسئلة.

في رده على السؤال حول صمود الأوكران وهزائم روسيا في السنة المنصرمة، وما إن كان يعزى إلى الإختلاف في دوافع القتال بين العسكريين الأوكران والروس، قال القائم بالأعمال بأن هدف العدوان الروسي ليس إحتلال الأراضي، بقدر ما هو تدمير الهوية الأوكرانية والإبادة الجماعية للشعب الأوكراني. فالدولة الروسية وأيديولوجية العنصرية التي يمارسها الساسة الروس تنكر رسمياً وجود الأوكران كأمة منفصلة، ومن لا يوافق على ذلك يتعرض للأذى الجسدي. 

يستخدم الأوكران تعبير "الغزو الشامل" للإشارة إلى الحرب الراهنة، وذلك لإعتبارهم أن حرب بوتين عليهم مستمرة منذ العام 2014 وقرر السنة الماضية تصعيد حربه إلى غزو شامل لأوكرانيا. ويقول غريغاراش أن مقاومة الأوكران لهذا الغزو أظهرت وحدتهم بوجه "عدو وحشي" يفوقهم عدداً وسرّعت عملية ترسيخ الأمة الأوكرانية. ويرى أن وقف تقدم الجيش الروسي في بداية الحرب جاء نتيجة إنخراط الأوكران في الجيش والحرس الوطني وحركة المتطوعين الجماهيرية. 

يرى القائم بالأعمال أن مقاومة الأوكران ليست فقط كفاحاً من أجل بقاء الشعب الأوكراني على قيد الحياة وحرية أوكرانيا، بل هي دفاع عن خيارها الأوروبي وقيمها كجزء من القيم الأوروبية. والأوكران يبذلون دماءهم من أجل حرية أوروبا وديموقراطيتها.

ويقول بأن الأوكران يعبرون عن إمتنانهم لحلفائهم على الدعم العسكري والسياسي والإقتصادي والمالي والإنساني القوي. ومع ذلك، من أجل تحقيق النصر النهائي، تحتاج أوكرانيا إلى مزيد من التضامن والمساعدات، خاصة في المجال العسكري. لقد حان الوقت لتزويد أوكرانيا بكل الأسلحة اللازمة كي تتمكن قواتها الدفاعية من إنهاء الحرب وتحقيق النصر على المحتل الروسي، وهو ما يعني إنتصار أوروبا والعالم الحر.

وعن الأفكار الصينية التي لا يعتبرها الغرب وأوكرانيا خطة، وما إن كانت تصلح كبداية لنهاية الحرب، قال القائم بالأعمال بأنه ليس من السيء إطلاقاً أن تتحدث الصين عن أوكرانيا. لقد تضمنت الأفكار الصينية تحديد موقف الصين الشامل من الحرب ودعت إلى وقف إطلاق النار وإستئاف المحادثات، لكنها لم تتضمن خطوات محددة. فإذا كان مبدأ إحترام وحدة الأراضي لا ينص على إنسحاب جميع القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، "فهذا لا يناسب دولتنا". ثمة نقاط واضحة لقيادة أوكرانيا، لكن ثمة أفكار لا تتفق معها. يدرس الجانب الأوكراني مقترحات الصين لتسوية حرب روسيا الشاملة ضد أوكرانيا، لكنها، كغيرها من المبادرات المماثلة، يجب أن تمتثل لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وعما إذا كانت تتوقع أوكرانيا أن تحتذي الدول العربية مثال لبنان في إتخاذ موقف أكثر وضوحاً من الحرب، قال القائم بالأعمال بأن لبنان كان أول دولة عربية تدين بشدة الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا وصوت لصالح أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. عدد الدول العربية التي صوتت أيضاً في الجمعية العامة لأمم المتحدة وإعتبر هذاً مهما جداً للمجتمع الأوكراني. وأضاف بأن أوكرانيا تتوقع أن ترى جميع الدول العربية موحدة عند التصويت على قرارات لصالح أوكرانيا ليس فقط في الجمعية العامة للمم المتحدة، بل أيضاً في المنظمات الدولية الأخرى، والإنضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا لحرمانها من أي موارد لتمويل الحرب.

ورأى أن على الدول العربية أن تدرك ان لا مكان للحياد عندما يتعلق الأمر بالأخلاقيات، فلا يمكن لأي دولة أن تتجرد من الأخلاقيات من خلال وقوفها على الحياد في هذه الحرب الإجرامية. وأمل أن تنضم الدول العربية إلى تنفيذ بعض نقاط صيغة السلام الأوكرانية والمشاركة في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب في مشاريع واعدة في مجالات الإستثمار والصناعات الزراعية والطاقة. 

وعن المساعدات الغربية، وما إذا كانت أوكرانيا تتوقع تلقي الطائرات العسكرية اللازمة لصد الهجوم الروسي المتوقع في الربيع، قال القائم بالأعمال بأن إستعداد بعض شركاء أوكرانيا للمباشرة في تدريب طيارين أوكران يعد خطوة أولى مهمة لحصول أوكرانيا على طائرات مقاتلة غربية. فقد بدأ بالفعل تدريب الطيارين الأوكران على طائرات F-16 في بريطانيا وبولونيا، والمفاوضات جارية أيضاً مع العديد من الدول الأوروبية الأخرى بشأن تدريب الطيارين الأوكران. و يدرك شركاء أوكرانيا الغربيون أنها تريد إستخدام طائرات عالية الجودة لحماية "أجوائنا وبنيتنا التحتية والمدنيين". 

وعن تقييم أوكرانيا الإختلاف الكبير في مقاربة المجتمع الدولي لجرائم حرب بوتين في أوكرانيا وسوريا، يقول القائم بالأعمال الأوكراني بأن لدى النظر في هذه المسألة ينبغي الأخذ بالإعتبار الإختلافات في دور نظام بوتين في الحربين الأوكرانية والسورية. في أوكرانيا يقوم بوتين منفرداً بالعدوان ضد اوكرانيا، ويحاول الحصول على دعم مختلف الأنظمة الشمولية. وهذا يعني باللغة القانونية ان بوتين هو المجرم المباشر والواضح. أما في ما يتعلق بسوريا، وعلى الرغم من حجم الفظائع التي إرتكبها الجيش الروسي في سوريا، إلا أن الروس في هذا البلد عملوا كشركاء مع بشار الأسد في جرائمه بحق شعبه. لذلك ليس مستغرباً أن يسعى المجتمع الدولي أولاً إلى معاقبة المجرم الرئيسي في جرائم الحرب في سوريا، بينما لا يتم لاحقاً إستبعاد إمكانية تقديم شركائه إلى العدالة. ويلعب الكرملين دوراً مهماً في طمس حجم الجرائم السورية الروسية في سوريا، ويريد من جهة تحويل التركيز الأساسي عن بشار الأسد، ومن جهة أخرى إستخدام وسائل إعلامية معينة لطمس الأبعاد الحقيقية للمأساة السورية.  




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها