السبت 2024/04/13

آخر تحديث: 07:49 (بيروت)

الرد الإيراني يتآكله الإنتظار

السبت 2024/04/13
الرد الإيراني يتآكله الإنتظار
increase حجم الخط decrease

مرّ قرابة الأسبوعين على قصف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، ولا يزال العالم يتحزر عن حجم الرد الإيراني ومكانه ومدى تناسبه مع تغير القواعد الجديدة للعبة التي فرضتها إسرائيل. منذ اليوم الأول للحدث لم يكن أحد يتوقع أن يأتي الرد الإيراني متناسباً مع الأبعاد الجديدة للهجوم الإسرائيلي النوعي المختلف عن الهجمات السابقة المعتادة على الأهداف الإيرانية في سوريا. فقد اعتاد الجميع على الكلام "الكبير" الذي تطلقه إيران إثر كل قصف إسرائيلي أو أميركي لمواقعها، والذي لايلبث أن يتحول إلى عملية تاخذ بالإعتبار "حساسية الوضع ودقة الظروف" التي تمر بها المنطقة. وظيفة الكلام "الكبير" ـــ طمأنة الداخل والأذرع الإيرانية وتعزيز ثقتها بالقدرة على تنفيذ الوعود مهما كان افتراقها كبيراً عن الواقع. لكن حجم التحدي الذي مثلته الضربة الأخيرة جعل قدرة إنتظار الداخل لتنفيذ الوعود محدودة ويتآكلها الوقت بسرعة.  

بعد اغتيال قاسم سليماني مطلع العام 2020، أعلنت إيران عن 13 سيناريو للرد على الأميركيين، وهددت بقصف أي بلد يمد العون للولايات المتحدة في الهجوم على إيران. وشمل التهديد الإيراني حينها قصف حيفا في إسرائيل ودبي في الإمارات، حسب المجمع الإعلامي الروسي RBC حينها. لكن السيناريوهات والتهديدات الإيرانية تمخضت عن توجيه ضربة لقاعدة "عين الأسد" الأميركية في العراق لم تسفر عن مقتل أي أميركي، بل اقتصر الأمر على مقتل العراقيين العاملين في القاعدة. وزعم دونالد ترامب حينها أن إيران استبقت ضربتها بإبلاغ الأميركيين عن عدد الصواريخ التي ستوجه لقصف محيط القاعدة.

على الرغم من جدية التحدي الذي مثله لإيران مقتل سليماني، إلا أن الأميركيين نظموا العملية خارج الأراضي الإيرانية، وتفادوا المس بمؤسساتها الدبلوماسية في الخارج. قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي اعتبره المراقبون بمثابة إعلان حرب على إيران، جعل طبيعة الرد عليه محفوفة بخطر مواجهة مباشرة مع إسرائيل وحلفائها الغربيين، وهو آخر ما ترغب به إيران. ووجدت القيادة الإيرانية نفسها مضطرة للإعلان في الأيام الأخيرة أنها كانت لتمتنع عن الرد على الهجوم لو كان مجلس الأمن الدولي قد عبر عن إدانته للعملية. 

الموقع الروسي المعارض Meduza نشر  في 10 الجاري نصاً للخبير الروسي البارز في شؤون إيران والشرق الأوسط Nikita Smagin. تحدث الخبير في نصه عن انتظار "الشرق الأوسط كله" للرد الإيراني على قصف القنصلية في دمشق، وما إن كان الرد سيتحول إلى "حرب كبيرة". 

قال الخبير أنه منذ مطلع  الجاري انتشرت أكثر من مرة أنباء عن أن إيران على وشك شن هجوم على إسرائيل أو مؤسساتها الدبلوماسية، "لكن الضربة لم تقع". وسبق أن أشرنا إلى أن Smagin، وكما الكثيرين سواه، يعتبر الهجوم الإسرائيلي سابقة لا تندرج في الضربات الإسرائيلية المتكررة، بل هي إشارة إلى العالم أجمع، بما فيه الولايات المتحدة. ويستبعد عدم قيام إيران بالرد على هذا "التحدي الجدي للغاية"، لكنها ستختار الرد الثأري الذي لا يفضي إلى قيام إسرائيل بتوجيه ضربة إلى هدف في إيران نفسها. 

يرى الخبير أن المواجهة المزمنة بين إيران وإسرائيل تجري في ظروف غير إعتيادية. فمن جهة، تتفوق الدولة العبرية تقنياً وعسكرياً مرات على إيران. ومن جهة أخرى تبقى إيران المحفز الأيديولوجي لهذا العداء، حيث يظل شعار "الموت لإسرائيل" الإرث الثابت للثورة الإسلامية. إيران تدرك جيداً ضعفها في المواجهة، ولذلك تسعى دائماً لتفادي الصدام المباشر مع إسرائيل وتخفيض مخاطر الضربة على أراضيها.

يتحدث الخبير عن أزمة مشروعية النظام الإيراني على خلفية إحتجاجات العام 2022 وتفاقمها في إنتخابات آذار/مارس المنصرم التي جرت في ظل إقبال قياسي الإنخفاض وغياب بدائل عن مرشحي السلطة. ويرى أنه في ظل هذا الوضع قد تصبح أي ضربة من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة سبباً لانتعاش أخصام النظام الإسلامي. 

يرى الخبير أن إيران تعمل منذ زمن طويل على إستراتيجية تهدف إلى التعويض عن إختلال ميزان القوى هذا. ولهذا يقوم نظام الملالي بتطوير شبكة من الحلفاء تضم مجموعات وتنظيمات مثل حزب الله وحماس والحشد الشعبي والحوثيين. والغاية من ذلك ـــ خوض حرب متواصلة مع الأعداء دون الدخول في مواجهة مباشرة معهم. هذه المقاربة الإيرانية تثبت نجاحها حيال الأميركيين، حيث تقوم المجموعات الموالية لإيران بمهاجمتهم في ظل دعم إعلامي إيراني. ونتيجة لذلك تمارس طهران ضغوطاً متواصلة على واشنطن على أمل أن يجبر ذلك الولايات المتحدة على الإنسحاب من المنطقة، أو على الأقل تخفيض وجودها.

هذا التكتيك الإيراني لا يلقى النجاح عينه حيال إسرائيل. فإذا كانت مواجهة الولايات المتحدة مع إيران تتسم دائماً بكونها رد فعل على ضغوط الأذرع الإيرانية، إسرائيل لا تنتظر تلقي الضربة، بل تبادر دائماً إلى التصعيد. 

يرى الخبير أن إيران معنية بخوض المواجهة مع إسرائيل بأيدي غريبة، ودون الوصول إلى أقصى التصعيد. لكن الدولة اليهودية تستدرج إيران إلى مستوى جديد من المواجهة، وتوجه إليها ضربات مباشرة. إسرائيل هي الطرف الأقوى وليست معنية بحروب الواسطة ، بل بالمواجهة المباشرة، وليس لدى إيران إمكانية تمويه هذا السعي الإسرائيلي. 

رئيس تحرير الدورية الروسية الرصينة "روسيا في السياسة الدولية" Fedor Lukyanov نشر في 10 الجاري على موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC نصاً تحدث فيه عن إنتظار الشرق الأوسط للرد الإيراني على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق. 

يرى رئيس التحرير أن ما يميز الثقافة السياسية الإيرانية هو الصبر، فالرد لا يأتي على الفور. أحيانًا تبدو التهديدات بالانتقام الوشيك مسرحية، خاصة إذا طال أمد الإنتظار. اللاعبون في المنطقة يعرفون أن إيران لن تكتفي بالكلام فقط، ويعرفون أيضاً أن الرد غير المتناسب ـــ أحد المبادئ المفضلة لدى طهران. 

يقول رئيس التحرير أن وقوع قصف القنصلية في السنوية ال45 لإعلان الجمهورية الإسلامية قد يكون صدفة، لكنه لا يلغي رمزيته. فالثورة الإسلامية أقامت العام 1979 دولة تختلف بشكل صارخ عن المشهد السياسي الذي كان سائداً حينذاك. الجمهورية الجديدة باشرت المجابهة مع الجميع من دون إستثناء، حيث أن النظام بطبيعته يختلف نوعياً عن كل الأنظمة من حوله. فلم يكن بوسعها أن تعتمد سوى على نفسها، مستخدمة التناقضات بين الآخرين, ومن هنا برز إعتماد طهران منذ البداية التكتيك الذي أطلق عليه الكثيرون لاحقاً تسمية "الهجين"، أو غير المباشر. 

يتحدث الكاتب عن مفارقة التشابه الكبير بين العدوين الرئيسيين في المنطقة: إيران وإسرائيل. إسرائيل هي الدولة الأخرى في المنطقة التي تعارض جميع الدول المجاورة في معظم الجوانب. إستراتيجتها للمحافظة على وجودها ترتكز إلى حد كبير على إستخدام جملة متنوعة من الوسائل، بما فيها إستغلال الصراعات بين البلدان المجاورة. الإختلاف المبدأي بين إيران وإسرائيل، هو أن الأخيرة، وعلى عكس إيران، لا تعتمد على نفسها فقط، بل وعلى الشريك الخارجي المتمثل بالولايات المتحدة. 

بعد استطراد طويل في ارتباط نشؤ إسرائيل بوقائع تاريخ القرن العشرين، يقول رئيس التحرير بأنه كلما ابتعدت وقائع التاريخ تلك، كلما اتجه احتضان الغرب لإسرائيل إلى الإنخفاض. ويرى أنه لكي تستمر اسرائيل في الشرق الأوسط، عليها أن تكون أكثر فأكثر جزءاً منه.


 

                                                                                                        



 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها