الأحد 2023/11/26

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

تساؤلات سورية لا تنتظر أجوبة

الأحد 2023/11/26
تساؤلات سورية لا تنتظر أجوبة
increase حجم الخط decrease

في اليوم الثاني للهدنة في غزة، قتل قصف جوي شنه النظام السوري عشرة مزارعين وهم يقطفون ثمار الزيتون في إدلب، ولم يكن الحدث استثنائيا في وقعه الإجرامي، فليس في سوريا سوى جرائم على رؤوس الأشهاد منذ 12 عاما، لكنه جاء فارقا في توقيته، وأوجب طرح أسئلة صعبة وجدها السوريون مشروعة ورآها آخرون محرجة و (تستحق التأجيل) ما دامت حرب غزة مستمرة، ولا ينبغي التشويش عليها بطرح قضايا سواها.

يسأل السوريون عن مفارقة تضع قاتليهم في سياق المقاومة، وما إن كان هذا التوصيف سيخذلهم من جديد، بعدما فشل الجميع في نصرتهم ووقف الجرائم ضدهم أولا، ثم جاء وقت تطبيع العلاقات الرسمية مع نظامهم القاتل، قبل أن يواجهوا اليوم نزوعا لغسل جرائم النظام وداعميه الايرانيين وأذرعهم مقابل تعلق هؤلاء بأذيال المقاومة من دون أن يكون لهم أي فضل على الأرض في غزة.

إنهم يتساءلون، ما إن كان مئات الآلاف من شهداءهم الذين قضوا في جرائم حرب طائفية بغيضة على يد النظام والأذرع الإيرانية، وما إن كان تهجير الملايين، وبين هذا وذاك جرائم تغييب وتعذيب وإعدامات ميدانية وتغيير ديموغرفي واسع النطاق، ما إن كان كل ذلك، لا يستحق اتخاذ موقف من مجرم واضح المعالم، وجريمة مكتملة الأركان، لمجرد وهم بأن ذات المجرم، يمكن أن يكون نبيلاً ونزيهاً وداعماً للحق في مكان آخر ولو كان في فلسطين.

ويتساءل السوريون أيضا، عن ماض مشرف بذلوه في دعم فلسطين وقضيتها، منذ عزالدين القسام، مرورا بآلاف الشهداء الحقيقيين الذي قضوا في سبيل فلسطين أو على أرضها، من دون أن يهتم منهم أحد بتخليد اسمه، أو يزايد على القضية الفلسطينية للحصول على مكاسب سياسية، على العكس تماما من نظامهم الذي طالما تاجر باسم فلسطين فيما كان هو من أكبر المجرمين بحقها، حتى جاءت إيران لتـسبقه في فن المزايدة والمتاجرة الرخيصة وبالقتال بأذرع غيرها ولمصالحها هي فقط.

هل لهذه التاريخ السوري الشعبي المشرف من أثر ما في تقرير رؤية من يصيبهم الحرج وربما الانزعاج، وأحيانا العدائية كلما تحدث سوري عن (قاتلنا الذي تكيلون له المديح) وعن (ضحايا الجرائم الذين لا ينبغي أن يصيبهم التمييز) وعن (صديق صديقي) الذي يريدون له ان يكون صديقي رغما عني، فيما لاتزال دماؤنا تسيل من خناجره، وما زال ينشر ميليشياته المجرمة لتنهب أرضنا وديارنا، وتعبث ببلادنا، وتهجر أهلنا، وللمفارقة فنفس هذه الميليشيات، يجري تقديمها اليوم على انها جزء من (محور المقاومة) على ضحاياها أن يسبحوا بحمدها أو أن يصمتوا، ما دام (كل شئ من أجل المعركة).

هي قسمة ضيزى، بل نمط مؤكد من فشل أخلاقي، لا يخطؤه منصف، ولا يتخطاه من يريد الحقيقة، أو يتجنب التزييف من أجل لحظة عابرة، بل هو تشويه قد يكون بعضه متعمد بخبث، لصورة فلسطين وعدالة قضيتها، حينما يربطونها بمجرمين وقتلة وقطاع طرق وإرهابيين طائفيين، لا يمكن أبدا أن يكونوا جزءا من قضية عادلة أو من عمل نبيل.

والمشكلة هنا ليست في (تخطي) أسئلة السوريين، فذاك ما يحاولون عمله على أية حال، لكنها في الخلل الأخلاقي الذي يطارد هؤلاء، فيما يعملون هم ذاتهم على تقديم قضية أخلاقية، أو يدعون الانتساب لها، ولذلك فهم في أزمة حقيقية، ما لم يسكت السوريون عن طرح الأسئلة، ويصمتون عن رؤية قاتليهم وهم يفوزون بجوائز شرف لا يمتلكونه، وعن تضليل يجري بوعي أو بدونه للحقيقة وللتاريخ.

لسوء الحظ، ففي عالمنا العربي اليوم خنادق متداخلة بشكل غريب، حتى تجاور فيها الخصوم، وفيما يستمر القتلة بممارسة جرائمهم في سوريا بكل قسوة ودون تأجيل، فإن أصحاب نظرية (الأولويات) يطلبون أن يقوم الضحايا بتأجيل دفاعهم عن أنفسهم، وليسمحوا للقتلة باستمرار الذبح دون صراخ، ما دام الذباحون عند هؤلاء جزءا من هذه الأولويات.

  

 




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها