السبت 2023/01/14

آخر تحديث: 06:40 (بيروت)

روسيا في الحرب:المجتمع المسلوب الارادة

السبت 2023/01/14
روسيا في الحرب:المجتمع المسلوب الارادة
increase حجم الخط decrease

في مقدمة كتابه "كيف تقتل التنين" الذي أصدره أواخر السنة الماضية في موسكو، واعتبره "إرشادات للثوار المبتدئين"، يقول المعارض ميخائيل خاداركوفسكي بان السبيل الوحيد للتخلص من التنين الغريب، هو حيازة تنينك الخاص. ويرى أن الروس إعتادوا أن يتحملوا لفترة طويلة ومؤلمة إضطهاد تنين غريب ( هو في الحقيقة تنيننا، لكنه قدبم)، ثم "نتخلص منه ونقتني تنيننا الخاص بنا والذي، بعد مضي بعض الوقت، يصبح مجدداً غريباً وقديماً. وهو مقتنع بأن هذه "الحلقة المفرغة المخيفة" في تاريخ روسيا يمكن تجاوزها، وبأن روسيا بوسعها أن تعيش بدون تنانين،  وبعقلها الخاص وضميرها. لكن، لكي يتم ذلك، على فرسان الثورة الشباب أن يتذكروا بأنه لا يكفي قتل التنين القديم ( مع العلم أن ذلك ليس سهلاً)، بل يجب ألا يحملوا معهم إلى السلطة تنيناً جديداً قد يكون أسوأ من السابق. 

موقع دويتشه فيليه DW نشر في 7 الجاري مقابلة مع المعارض المعروف غاري كاسباروف تحدث فيها عن علاقة الروس بالحرب على أوكرانيا، ورأى أن روسيا بعد هزيمتها ستكون دولة ثانوية. في الرد على سؤاله ما إن كان يستمر في محاولة توحيد المعارضة الروسية، اعترض كاسباروف على كلمة توحيد لأنها تفترض وحدة الوجهة النهائية لروسيا بعد بوتين، ورأى أن تعبير "الإنتقال الديموقراطي" للسلطة "مضرٌّ جداً" في ظل غياب الفهم الواضح لهذه الوجهة. وقال بأن أولئك الذين تأقلموا في البداية مع ضم القرم إلى روسيا، واعتبروا أن هذا لا يمنعهم من أن يكونوا معارضين، يعترفون الآن بأن القرم أوكراني. وقال بأنه يقصد بكلامه فريق المعارض السجين ألكسي نافالني وسواه ممن كانوا يعتبرون قبل العدوان على أوكرانيا أن في روسيا ثمة "ديمقراطية هجينة"، ورأى أن هؤلاء كانوا قبل الحرب "شبه معارضة".

ورأى أن الحرب على أوكرانيا ليست حرب بوتين، بل هي "بالتأكيد" حرب روسيا على أوكرانيا، حرب روسيا البوتينية. فالحرب العالمية الثانية لم تكن حرب هتلر، بل كانت حرب ألمانيا الهتلرية. وقال بأن رودولف هيس كان محقاً في إعتبار هتلر وألمانيا كلاً موحداً، وكذلك محق رئيس البرلمان الروسي (الدوما) فيتشيسلاف فالودين حين يعتبر أن روسيا هي روسيا البوتينية. ويعتبر ذلك عملية تحويل المجتمع إلى "مجتمع فاشي عميق" لم يقبل فقط بإشعال الحرب، بل وقبل أيضاً بهذه الصيغ الوحشية القبيحة.  

وفي الرد عن سؤاله لماذا تغيب الإحتجاجات على الرغم من فرض التعبئة العامة، قال كاسباروف بأن مستوى تأييد الحرب يتسع وتصبح قضية عامة مشتركة. ويرى أن قتلى الحرب يثيرون ردود فعل متفاوتة لدى الروس، وفي أغلب الحالات تصعد الكراهية لأوكرانيا، وليس لمن أرسل الناس ليموتون. معظم المحتجين على الحرب إما تركوا روسيا وإما يلتزمون منازلهم. ويرى أن الإحتجاج في روسيا اليوم يرتبط بمخاطر جسيمة ليس على الصحة فقط، بل على الحياة نفسها. لكن مع ذلك يخرج الناس هنا وهناك، لكن ليس بأعداد وازنة،"نحن أمام حالة من ركود المجتمع". 

يرى كاسباروف أن المجتمع الروسي لم يغفر للسلطة يوما الهزيمة في الحرب، خاصة كتلك المشتعلة الآن. ويقول بأن الحرب إذا إنتهت كما يتوقع ـــــ الهزيمة ــــــ فإن ذلك سيكون صدمة وكارثة بالنسبة للمجتمع الروسي ولروسيا ككل، حيث ستكف أن تكون دولة عظمى، بل ستصبح دولة ثانوية تمتلك سلاحاً نووياً. والهزيمة ستعيد إلى روسيا مئات آلاف الأشخاص الذين يحملون السلاح، والتعبئة الجديدة ستزيد من أعداد هؤلاء الناس، وتتشكل نفس مكونات العام 1917، وفي حال الهزيمة سيصبح الجيش حفّار قبر النظام.

وفي رده على سؤال ما إن كان يتوقع "إراقة دماء غزيرة" في روسيا، يرى كاسباروف أن ذلك سيحصل "بالتأكيد" لأن البلاد ستغرق في الفوضى، والسبيل الوحيد لخروج روسيا إلى الطريق الرئيسية للحضارة هو تصغير الدولة.

موقع Kasparov للمعارض المذكور سابقاً نشر في 4 الجاري نصاً لأحد المدونين بعنوان "لا تستنفذ، إكتسح". يصف المدون بوتين "هتلر الكرملين" ويستغرق كل النص في الرد على قوله بأن روسيا تستعيد سيادتها الكاملة عبر الحرب على أوكرانيا. يتساءل عمن إنتقص من سيادة روسيا، أم أن السيادة تعني حق الإعتداء على سيادة وأراضي الدولة المجاورة إذا لم تخضع لمطالبك وتتجرأ على رفضها ومقاومتها. السيادة الكاملة بمفهوم بوتين تعني أنهم إذا لم يستمعوا إليه  ويخضعوا ، يحق له أن يهاجمهم ويقصف دولتهم ويقتل جنودها ومدنييها. لا شيء يبرر الحرب على أوكرانيا سوى الثقة المتعجرفة بالنفس والحق بإملاء إرادته على الآخرين. وهذه هي النازية بعينها، وسمها ينتشر في معظم الجتمع الروسي.

الروس يصدقون أنه إذا لم ترتكب المجازر بحق الآخرين، فهم بالضرورة سوف يرتكبونها بحقك. وهذا هو بالذات منبع قوة بوتين الذي يسمح له بالإستمرار في إرسال المزيد من المجندين إلى الجبهة، وتحويل الخسائر الجديدة إلى مزيد من الكراهية، في روسيا يتشكل فعلاً مجتمع جديد، مجتمع متحرر من القيود الثقافية والأخلاقية المتعارف عليها في المجتمع الحديث، مجتمع لا يخجل بعنجهيته وعنفه وعدوانيته. في ظروف حرب طويلة هذه العدوانية يمكن أن تدخل في "نمط الإستنساخ الذاتي" وتغذي الحرب لفترة طويلة بوقود جديد لمواصلة الحرب. 

في تواصل ل"المدن" مع عضو المجلس السياسي في حزب "الحرية الشعبية" PARNAS ناتاليا بيلفين، وفي الرد عن سؤالها عن التحولات التي ترصدها في المجتمع الروسي في ظل الحرب الأوكرانية، قالت بأن قسماً من الروس في حال صدمة من الوضع الإقتصادي في روسيا. أما القسم الآخر فهو المؤيد لبوتين بالرغم من الحرب في أوكرانيا، ويصدق البروباغندا عن أسباب الحرب التي "كانت ضرورية". مع العلم أن الحرب تقوض حياتهم أيضاً كما الآخرين، ويمكن أن تشملهم التعبئة العامة. هؤلاء يذهبون إلى الحرب، أما الأقلية من القسم المعترض يغادر روسيا، والأغلبية تتصرف بحذر شديد تحاشياً للتدابير القمعية التي أصبحت أكثر مما كانت قبل الحرب. 

ولماذا لا يحتج الروس على الحرب، قالت ناتاليا بأن المجتمع الروسي مسلوب الإرادة التي جرى قمعها عمداً خلال السنوات العشر الأخيرة. ولذلك يخشى التحدث في أي مناسبة، بما فيها الحرب الحالية. وتقتصر الإحتجاجات على أمهات القتلى وزوجاتهم حين يعودون في التوابيت. ومن ثم إما يقومون بترهيبهم أو رشوتهم بالمال، لكنهم هم أيضاً يصمتون، لذلك ليس من إحتجاجات واسعة. وترى أنه ينبغي ان يكون هناك عدد أكبر من القتلى وخسارة الحرب وتدهور الوضع الإقتصادي، حينها فقط تتوفر الفرصة لإنطلاق الإحتجاجات. 

وهل تلعب بروباغندا النظام والقوانين القمعية الدور الرئيسي في غياب الإحتجاجات، أم هناك عوامل أخرى، قالت ناتاليا بأن البروباغندا تلعب دوراً كبيراً بالطبع ، وقسم من الروس يصدقها لأنهم لا يرون الأسباب الحقيقية لها، ويعتبرون أن كل شيئ "يسير وفق الخطة". ويعتبر هؤلاء أن بوتين مكرهاً على إشعال الحرب، لأن لا مخرج آخر أمامه، وهو ما تكرره البروباغندا يومياً. القسم الآخر من الروس "لا يصدق كثيراً" بروباغندا السلطة، لكنه يخاف أن يحتج. ففي ظل سلطة قمعية توتاليتارية ليس كل شخص على إستعداد ليسجن، مثل المعارض. لذلك يصمت من لا يصدق بروباغندا السلطة بغية الحفاظ على سلامته الشخصية. 

المحلل السياسي دمتري  بريدجع، وفي الرد على أسئلة "المدن"، قال بأن إحتمال إنهيار روسيا في حال هزيمة بوتين قد يؤدي إلى تفكك الإتحاد الروسي وحدوث تغييرات في جمهورياته تؤدي إلى إنفصالها. ودوائر المعارضة لا ترفض إنفصال الجمهوريات إذا هي قررت ذلك. ويؤكد على وجود مشاريع إنفصال في الشيشان وداغستان وغيرها من شعوب القفقاز الشمالي. لكنه يرى أن إنهيار الإتحاد الروسي قد يتسبب في إشتعال حرب أهلية والعودة إلى قوانين الغاب، كما حدث بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي. 




                                                                            




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها