سوريا بروفة جرائم روسيا الأوكرانية

الأيام المصيرية التي تعيشها أوكرانيا في ظل الحرب الشرسة التي تشنها عليها روسيا منذ الشتاء المنصرم، لم تحل دون إيلاء أوكرانيا إهتماماً لافتاً بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وعينت أول ممثل خاص لشؤون المنطقتين. وسبق للرئيس الأوكراني أن أشار إلى هذا التعيين في توجهه المتلفز إلى مكتب الجمعية الوطنية للإتحاد الإفريقي في حزيران/ يونيو المنصرم. وأصدر في 12 الشهر المنصرم قراراً بتعيين مكسيم علي صبح المولود في أوكرانيا من أب سوري  في هذا المنصب. وكان الممثل الخاص الجديد قد شغل منصب سفير أوكرانيا في بلدان عربية، كان آخرها في الجزائر وموريتانيا. 

في أول مقابلة له بعد تعيينه مع موقع إعلامي عربي، طرحت عليه "المدن" عدداً من الأسئلة أجاب عليها بإسهاب الممثل الخاص لاوكرانيا في الشرق الاوسط وافريقيا مكسيم صبح. 

في رده على السؤال الأول بشان التهديدات المحتملة للأمن القومي الأوكراني التي قد ينطوي عليها تنفيذ روسيا إتفاقية إسطنبول للإفراج عن صادرات الحبوب الأوكرانية، قال صبح بان "أوكرانيا تدرك حجم المخاطر المرتبطة باحتمال عدم إلتزام القيادة الروسية بالتزاماتها الدولية، وهو ما تشهد عليه أعمالها الإجرامية السابقة". وذكّر بالقصف الصاروخي الروسي للبنية التحتية في ميناء أوديسا في اليوم التالي للتوقيع على إتفاقية إسطنبول، وهو "الميناء الذي يبدأ منه أحد الممرات الإنسانية لصادرات الحبوب". وقال بأن أوكرانيا "تضع في حسبانها إحتمال إستخدام روسيا ما يسمى "ممرات الحبوب" للقيام بمزيد من الإستفزازات وتوسيع العدوان المسلح ضدها". لكنه عبر عن الأمل بأن "الآليات التي تتضمنها الإتفاقية سوف تعمل على الوجه المطلوب، وسيكون بوسعنا الحفاظ على إمدادات مستقرة للسوق العالمية. 

وأشار إلى أن أول سفينة شحن للحبوب أبحرت مطلع الشهر الجاري من ميناء أوديسا متجهة إلى ميناء طرابلس في لبنان وعلى متنها 26 ألف طن من الذرة. ويؤكد أن أوكرانيا، حتى قبل توقيع إتفاقية إسطنبول، قد وفرت إمدادات الحبوب إلى لبنان عبر ميناء مجينة ريني على نهر الدانوب.

وفي رده على السؤال ما إن كان الرئيس أو أحد قيادي أوكرانيا ينوي التوجه إلى البرلمان الفلسطيني أو إلى إتحاد البرلمانيين العرب، قال صبح بأنه خلال 5 أشهر من الحرب نظم زيلينسكي أكثر من 80 توجهاً إلى المنصات العالمبة الرائدة البرلمانية، السياسية والعلمية الثقافية.

ومن دون أن يحدد موعداً لذلك، أطلع "المدن" على العمل على كلمة يزمع إلقاءها أمام الممثلين الدائمين للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، و"أعتقد أننا سنعلن في المستقبل القريب عن اتفاقيات محددة بهذا الشأن". وأكد أن الرئيس ووزير الخارجية الأوكراني سيواصلان تنظيم هذه المناشدات "إلى المنتديات الإقليمية المؤثرة، والتي من المتوقع أن يشارك فيها رؤساء الدول العربية والإسلامية".

بشأن تنشيط روسيا في الفترة الأخيرة نشاطها الدبلوماسي مع الدول العربية، وما إن كانت أوكرانيا ستسعى للتأثير على الموقف الحيادي من الحرب لبعض هذه الدول، قال صبح بأن الكرملين، ومن خلال نشاطاته، يحاول خلق مظهر من النشاط الدولي، على خلفية العزلة الفعلية وغياب الاتصالات الفعالة مع ممثلي معظم دول العالم منذ شباط/فبراير 2022. ويخطط صبح للقيام بجولة قريبة في بلدان الشرق الأوسط، ويؤكد أن الرئيس الأوكراني يولي اهتماما خاصا لتعزيز الاتصالات مع العالم العربي. 

وعن تشابه الوسائل التي إستخدمتها روسيا في الحرب في كل من سوريا وأوكرانيا، قال صبح بأن الجميع يتفق على أن العدوان الروسي على المدنيين السوريين "أصبح بمثابة بروفة فعلية للفظائع في أوكرانيا". ويستحيل تجاهل التشابه بين سلوك الآلة العسكرية الروسية في حصار ماريوبول الأوكرانية وتدمير حلب السورية التي أصبحت في وقت من الأوقات "رمزًا لاستعداد القوات الروسية والسورية ممارسة الإرهاب واستخدام تكتيكات قاسية ضد المدنيين مباشرة". وقد أصبحت سوريا بالنسبة للكرملين "ساحة تدريب لشحذ تكتيكات قصف المدن الكبرى (الأوكرانية) من أجل ترهيب المدنيين وتدميرهم، فضلاً عن تدمير البنية التحتية المدنية". ليس من المستغرب أن تكون القوات الروسية في أوكرانيا لفترة معينة تحت قيادة الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف المعروف باسم "جزار حلب". واللافت أن بوتين منح دفورنيكوف أرفع وسام روسي عن فظائعه في سوريا.

وعن تأثر حرب روسيا في أوكرانيا على وجودها في سوريا والشرق الأوسط ككل، قال صبح بأن استمرار حرب الكرملين على أوكرانيا والهزيمة الحتمية لروسيا، سيؤدي إلى عزلتها وإضعاف موقعها في مسارح الحرب الأخرى. وقد أدى التخفيض القسري للوجود العسكري الروسي في سوريا إلى خسارة موسكو الجزئية لتأثيرها على دمشق. لكن الكرملين لا يزال يتمتع بنفوذ كافٍ على بشار الأسد الذي يتوقف بقاؤه على دعم الجانب الروسي إلى حد كبير. ويرى أن موارد روسيا محدودة، وتمسكها بأولوية الحرب على أوكرانيا اليوم، "سيؤدي حتماً إلى إضعاف مواقفها في كل من سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ككل". ويرى أن العقوبات على روسيا تهدف إلى تقليص موارد الكرملين وإضعاف قدرات آلته العسكرية، وذلك "لحرمان النظام الشمولي الروسي حتى من أدنى فرصة للقيام بالعدوان الخارجي ودعم الأنظمة المجرمة الأخرى في جميع أنحاء العالم".

وعن موقف أوكرانيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال المبعوث الخاص بأن أوكرانيا تؤيد الحل السلمي للنزاع بالطرق السياسية والدبلوماسية على أساس أحكام خارطة الطريق والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات السابقة التي وقعها الطرفان. "نحن نؤيد تطبيق مبدأ الدولتين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام". وبشأن وضع القدس، تلتزم أوكرانيا أيضًا بالقرارات الدولية ذات الصلة، وتعتقد أنه يجب حلها من خلال المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وعن دور المساعدات الغربية في مجابهة العدوان الروسي، قال صبح "نحن نقدر عاليا الدعم المالي والعسكري والتقني وسواه الذي يقدمه شركاؤنا باستمرار". وبعد أن أشار إلى أن أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة HIMARS ساهمت في إبطاء الهجوم الروسي، قال بأن أوكرانيا تحتاج في مواجهة العدوان الروسي إلى مزيد من الدعم. والإمدادات المستقرة للأسلحة ضرورية " لضمان سماء سلمية في جميع أنحاء أوروبا، لأننا في الواقع الوحيدون الذين يجابهون العدوان الروسي الشامل، الذي ليس له حدود جغرافية واضحة، ولن يتوقف من تلقاء نفسه حتى يتم إيقافه".

ويؤكد صبح "أن الكرملين يستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد، لذا فإن وقف توريد الأسلحة إلى أوكرانيا سيكلف العالم أكثر بكثير من تقديم المساعدة العسكرية". وتفاقم أزمة الغذاء وتزايد عدم الاستقرار الجيوسياسي سيجعل تلك البلدان التي تحاول الآن أن تنأى بنفسها عن الصراع تدفع ثمن الحرب التي شنتها روسيا. ويرى أن مستقبل العالم المتحضر اليوم يتقرر في أوكرانيا، "ولا يمكن الآن سوى للجيش الأوكراني القوي أن يصمد أمام التهديد الروسي". 

وماذ يقول للقراء العرب بإسم الشعب الأوكراني.

بعد تمني السلام والإزدهار، والتأكيد ببقاء أوكرانيا "شريكاً موثوقاً معني في تطوير التعاون متبادل المنفعة"، يقول صبح بأن أوكرانيا لا تزال المصدر الرئيسي للمنتجات الغذائية للشرق الأوسط وأفريقيا، واحتلت العام المنصرم المرتبة الأولى في صادرات هذه المنتجات إلى لبنان. ويشير إلى أن أوكرانيا، حتى وهي تواجه العدوان الروسي، تجد الوسائل لضمان استقرار صادرات الحبوب لمنع حدوث أزمة غذاء عالمية.

ويقول بأن أوكرانيا تدرك "أن المواجهة العالمية الحالية بين روسيا وتوابعها لا يمكن لأي دولة أن تنأى بنفسها عنها. لذلك لا يسعني إلا أن أتوقف عند الوضع الذي خلقه دخول السفينة السورية "لاوديسيا" الخاضعة للعقوبات إلى ميناء طرابلس اللبناني. وفي الوقت عينه أعتبر هذا الوضع اضطرابًا مؤقتًا مزعجًا في العلاقات الأوكرانية اللبنانية الودية تاريخيًا، ونأمل ألا يتكرر مرة أخرى".

ويقول بأنه على قناعة بأن استئناف عمل الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وإفريقيا سيوفر قوة دفع جديدة لتنشيط العلاقات القائمة على الثقة بين أوكرانيا وجميع الدول العربية والأفريقية. و"نتوقع ونؤمن بأن جميع الشعوب العربية والأفريقية تسعى جاهدة من أجل نهاية الحرب في أقرب وقت ممكن، ولكن نهاية الصراع مع روسيا لن تكون بتخلي أوكرانيا عن استقلالها وهويتها الوطنية وسيادتها وسلامة أراضيها، وهو ما تتوقعه منا موسكو عبثا".

يشير صبح إلى إطلاع أوكرانيا على المبادرة العربية "الأرض مقابل السلام"، والتي تشهد على إستعداد الدول العربية لأقامة سلام شامل "مع الحفاظ على وحدة أراضي الدول المعنية". ويقول "أعتقد أنه يجب على الدول العربية أن تتفهم بشكل خاص موقف أوكرانيا من العدوان الروسي الذي يهدف، قبل كل شيء، إلى الاستيلاء بالقوة على الأراضي الأوكرانية واحتلالها مع المزيد من الضم غير المشروع لهذه الأراضي"