الثلاثاء 2022/05/03

آخر تحديث: 06:56 (بيروت)

إحتمالات "إنقلاب القصر" في الكرملين

الثلاثاء 2022/05/03
إحتمالات "إنقلاب القصر" في الكرملين
increase حجم الخط decrease

يترافق حكم الطغاة دائماً بإحتمالات إنقلاب القصر بأشكال وأدوات مختلفة، دموية في الغالب، وهو ما لا مكان له في أنظمة التداول الديموقرطي للسلطة. وتستر الطغاة بديموقراطية مزيفة لتداول السلطة بواسطة إنتخابات مرسومة النتائج لايغير في جوهر التسلط، بل يشهد على الإيغال في الطغيان وتشديد آلة القمع. الحديث عن إنقلاب القصر في ظل سلطة بوتين تكثف بعد إحتجاجات 2011 ـــــ 2012 الواسعة، والتي اندلعت إحتجاجاً على تزوير الإنتخابات الرئاسية، وتبعها تشديد غير مسبوق لأدوات القمع. وبلغ هذا الحديث أوجه بعد شن بوتين حربه العدوانية على أوكرانيا، وأصبح إنقلاب القصر واحداً من إحتمالات تطور الحرب وسيناريوهات نهايتها. 

إنقلاب القصر تتولاه إما النخبة المحيطة بالطاغية، وإما النخبة العسكرية، وكثيراً ما يأتي وفق سيناريو مشترك بين الإثنتين. أما في روسيا، فتتحدث مواقع إعلامية عن سيناريو مختلف تستبعد النخبة العسكرية نفسها عنه، ويقول برغبة الأوليغارشيين تسليم بوتين للغرب مقابل رفع العقوبات، حسب قناة تلفزيونية أوكرانية إقليمية أواسط آذار/مارس المنصرم في نص بعنوان "الأوليغارشيون يريدون تسليم بوتين للغرب مقابل رفع العقوبات، وهو خائف للغاية". ينقل موقع القناة في مقابلة مع مدير معهد التحول الإجتماعي الإقتصادي الذي "يملك معلومات مطلعين من الداخل الروسي"، قوله بأنهم في الفترة الأولى لم يتوقعوا في الكرملين ردة فعل الغرب هذه، بل كانوا يتوقعون عقوبات شبيهة بتلك التي فرضت العام 2014 تؤدي إلى تدهور الوضع في روسيا، لكن ليس بشكل مأساوي. كما يتحدث عن صدمة الكرملين بمقاومة الأوكران التي لم يكن يتوقعها، وإعفاء العسكريين من مسؤولية المعلومات المغلوطة عن الوضع الحقيقي في أوكرانيا وتحميلها لأجهزة المخابراـت. لكن، مع ذلك، يرى الموقع أن الوضع في روسيا متدهور ويؤدي إلى سلوك غير سوي من القيادة، ومن ضمنها بوتين نفسه. 

وفي رده على ما تقوله "معلومات المطلعين" عن إحتمال وقوع إنقلاب قصر، يقول بأنها تتحدث عن مبادرة للأوليغارشيين  الذين حُظر عليهم مغادرة روسيا وتكبدوا خسائر هائلة. وللقيام بإنقلاب قصر لا تكفي جهود الأوليغارشيين، بل تحتاح لمساندة الأجهزة التي، إن لم تتحرك، لن يتغير الوضع في روسيا. ووفقاً للشائعات فإن الأوليغارشيين يريدون تحميل بوتين المسؤولية عن كل ما يجري ، والقول للغرب: هاكم الفوهرر مقابل رفع العقوبات. لكن هذا المخطط لا يجد حتى الآن دعماً من جانب الأجهزة التي، على الرغم من عمليات التطهير والإقالات في أحدها، لا تزال مؤيدة لبوتين الذي "أطعمها" جيداً. لكن الوضع، مع ذلك، يضغط بشكل كارثي على الاقتصاد، ولذلك يمكن توقع تغيير ما، لكن السلطة  في روسيا لم تتغير في يوم من الأيام من الأسفل، بل من الأعلى. 

موقع republic الإلكتروني المعارض نقل عن البوليتولوغ عباس غالياموف في 24 آذار/مارس المنصرم حديثه في مقابلة عن آفاق إنقلاب قصر في روسيا، وقال بأنه قد توفرت  كل الشروط المؤسساتية لدخول العسكريين معترك السياسة. ويرى أن النخبة العسكرية والمخابراتية في حال صدمة مما يحدث. وحين  يتم إستيعاب هذه الصدمة سوف تتساءل هذه النخبة كيف حصل أن الجيش الروسي الذي لا يقهر لا يستطيع التعامل مع الأوكران الذين لم "يأخذهم أحد على محمل الجد". 

في رده على سؤال عن أحد السيناريوهات المتداولة منذ سنوات عن تغيير النظام في روسيا  بإنقلاب قصر، قال غالياموف بأن النخب مستاءة وحظوظ هذا السيناريو تضاعفت مرات عدة. ويرى أن بوتين تحول فجأة، بالنسبة للقسم المدني من النخب، من ضمانة للإستقرار والمكانة الإجتماعية والمداخيل العالية إلى عامل لعدم الإستقرار. وبدلاً من الشيخوخة الهادئة في مكان ما في نيس، لاح فجأة في الأفق أمام ممثلي الإستبلشمنت الروسي أفق الإنتهاء في زنزانة في لاهاي. وحين يكون العالم كله ضدك يكف هذا السيناريو عن أن يكون متخيلاً، ويصبح فجأة شديد الواقعية. لن يسجن الجميع، لكن من يتبقى منهم طليقاً سيتحول إلى هامشي معوز لا يمد أحد يده له. ويضرب مثالاً بأحد الأوليغارشيين الذين طالتهم العقوبات، فتحول فجأة إلى رجل بلا منزل بعد تجريده من ملكية بيته في لندن، و ليس لديه ما يدفع بدل تنظيف بيته. سابقاً كان ممثلون فرادى للإستبلشمنت مستائين من بوتين، لكن ليس جميعهم كطبقة كما الآن.

أما النخب العسكرية والمخابراتية المصدومة بما يحدث، فلن تلجأ، كما المثقفين،  إلى إنتقاد الذات وجلدها.  فهم لن يقولوا يوماً "نحن المذنبين في ذلك، نحن نهبنا كل شيء". والعسكريون في أنحاء العالم ليسوا ميالين إلى ذلك، خاصة في روسيا، البلد الذي لا يحب نقد ذاته. فالعسكريون عادة يحبون تحميل المسؤولية للسياسيين، وفي روسيا السياسي هو واحد ــــ بوتين. 

ويقول غالياموف بأنه لا بد من أخذ عاملي الإستياء هذين بالإعتبار، ولا يؤكد أن النظام سوف ينهار غداً، لكنه يرى بأنه لن يصمد حتى العام 2024 موعد إنتهاء ولاية بوتين. ولا يصدق كثيراً في إمكانية إنقلاب القصر، وذلك لأن النخب الروسية المستاءة من بوتين تخافه. 

موقع المدون الأوكراني الشهير دمتري غوردون المتخصص بالمقابلات مع مشاهير الشخصيات الأوكرانية والروسية، نشر آخر آذار/مارس المنصرم مقابلة مع العامل السابق في KGB والزميل السابق ايضاً لبوتين يوري شفيتس. يقول الزميل المخابراتي السابق بأنه ليس في الكرملين شخصية قادرة على تنظيم إنقلاب قصر، وكل المحيطين ببوتين باهتون أكثر منه. ويرى أن تنظيم مؤامرة، كما ضد هتلر في حينه، مستحيل في الوضع الراهن لانعدام شخصية قادرة على ذلك. 

موقع قناة التلفزة الأوكرانية 24 تشر مطلع الشهر المنصرم نصاً بعنوان "إنقلاب القصر لن يساعد، وقد يأتي صقور أسوأ من بوتين". هذا ما يراه خبير عسكري في مقابلة مع القناة، ويعتبر أن الحرب ضد أوكرانيا رفعت من دعم الروس لبوتين، والإحتمال ضئيل حتى الآن بوقوع إنقلاب في روسيا. ويقول بأنه لا يجدر بنا أن نوهم أنفسنا بأنهم سيقتلون بوتين غداً او سيفقد منصبه، فمن سيتسلم السلطة هم صقور أيضاً يعتبرون المجرم بوتين زعيماً ليس على قسوة كافية.

الشهرية البيلوروسية nashaniva نشرت في 21 آذار/مارس المنصرم لإقتصادي وصحافي بيلوروسي رأياً يقول بأن إنقلاب القصر في الكرملين لن يوقف الحرب. ويرى أن وقف العمليات الحربية يرفع من إحتمال إنقلاب القصر في الكرملين ولا يخفضه، والإنقلاب ليس عامل وقف للحرب، بل على العكس. وسوف يظهر في روسيا عدد كبير من الناس المستائين من الوضع الذي جرهم إليه بوتين، لكن، مع ذلك، سوف يكونوا راديكاليين أكثر منه. 

موقع   Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نقل في 17 الشهر المنصرم عن كتاب "هل يصمد بوتين في هذه الحرب" لمتخصصة أميركية في الشؤون الروسية من جامعة جورج واشنطن بعنوان "هل يستحق الأمل في إنقلاب قصر في روسيا". تستبعد المتخصصة وقوع إنقلاب قصر في روسيا، وذلك لأن بوتين "أكثر أمناً مما تظنه غالبية الناس". وترى أن الوضع الراهن بالنسبة لروسيا متناقض، حيث أن غزو أوكرانيا هو مغامرة خطرة بالنسبة لبوتين ونخبته وللشعب الروسي كافة. وحتى في ظل السيطرة الكاملة على الإعلام، لن تتيح العقوبات القاسية للكرملين الإستمرار في نزاع طال أمده بالفعل. الإنتقاد الإجتماعي للحرب ومعارضتها سوف يتعزز، وقد ينتهي الأمر بالنخب حول الكرملين أن تنقسم، مما يفسح المجال لإسقاط النظام.







increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها